حاوي... إنساني ثري بالمشاعر والخواطر

نشر في 01-08-2011
آخر تحديث 01-08-2011 | 22:01
 محمد بدر الدين «حاوي» فيلم روائي طويل لإبراهيم البطوط، بعد فيلمه «عين شمس» الذي أثار جدلاً واهتماماً ملحوظين، يتابع فيه المخرج الشاب إرساء ملامح مشروعه السينمائي واجتهاده لسينما وأسلوب يخصانه ويعبران عن رؤاه للمجتمع الإنساني وللحياة، وهو يملك ناصية عمله تماماً، إذ كتب فيلمه وصوّره وأخرجه وشارك في أداء أحد أدواره الرئيسة.

يقدّم البطوط عالماً خاصاً تماماً تغلّفه الظلال بنوع من الغموض الفني، وحتى بأداء تمثيلي فيه روح مميّزة طازجة وتوظيف للارتجال، لكن هذا العالم الخاص يوازي عالمنا الواقعي الذي نحياه، بقدر ما يعبّر عنه وبقدر ما يعبّر الفيلم عن رؤية اجتماعية ونفسية وفلسفية لمسار عالمنا وجوهر التراجيديا فيه أو المأساة.

الشخصيات في الفيلم متعدّدة، تتلاقى وتتباعد، والخطوط الدرامية متداخلة متشابكة. للوهلة الأولى، يبدو أن المخرج يستعرضها أفقياً لكننا، بالتأمل، نجده يتعمّق فيها أيضاً، وإن ـ أحياناً ـ بلمسات أو ضربات فرشاة، تقدّم لوحة للإنسان والمكان.

وبقدر ما يقدّم الفيلم الإنسان بطريقة فنية مرهفة بالغة الخصوصية، يقدّم المكان الإسكندرية بطريقة تختلف عن إسكندرية شاهين وأي إسكندرية أخرى في تاريخ السينما المصرية. هنا نرى بأسلوب مختلف مدينة الإسكندرية، سواء في الرحابة أو الزحام، البحر أو الأزقة، بزوايا تصوير وتقطيع مونتاج ودرجات إضاءة متباينة في حدّتها أقرب إلى الحلم والكابوس، وبموسيقى ومؤثرات صوتية تؤكد طبيعة العالم الموازي الذي يجسّده «حاوي».

كذلك من خلال أغنية لفرقة «مسار» الغنائية التي لن نجد أدق منها، لو أردنا تعبيراً عن جوهر الرؤية والعالم في «حاوي»، أو أكثر تكثيفاً، فكأن الفيلم انطلق منها واستلهمها ودار في روحها ومفرداتها:

«بقيت حاوي بقيت غاوي... في عز الجرح أنا ما أبكيش... بقيت عارف... أطلع من ضلوع الفقر لقمة عيش... بقيت  قادر أداري الدمعة جوايا ما أبينهاش... بقيت راضي أنام رجليا مصلوبة كما الخفاش... أنا اتعودت  أحلامي... أشوفها بتجري قدامي وما الحقهاش...».

من  خلال شخصيات: إبراهيم، يوسف، فادي، ياسمين، الراقصة، العربجي، آية وخالتها... ينسج البطوط عالمه بمهارة حرفية، ويجسّد روح التراجيديا في هذه الأغنية، والشخصيات المسحوقة التي ما زالت لديها مقدرة ولحظات باقية لمقاومة الانسحاق ومواجهة الحياة بنبل، فهي شخصيات تتّسم بنبل إنساني مؤكد وإن تفاوتت في درجة الصلابة وإن تفاوت مدى تعاطف المتلقّي معها.

يكسر البطوط في فيلمه كل توقّع أو تصنيف تقليدي، إنها «سينما عابرة للنوعيات»، عصيّة على مثل ذلك التصنيف، لا تأبه لشروط السوق السينمائي أو تتعامل معها، ولا تلتفت إلى غير صدق مبدعها الفني الكامل.

وبمثل هذه النماذج والروح والاجتهادات الشجاعة، يتقدم فن السينما، ويحدث نقلات وطفرات لا تنقطع صلتها بالكامل مع الماضي، لكنها تتطلع بالكامل إلى المستقبل.

وبمثل فيلم «حاوي» نشعر حقاً بسحر السينما.

back to top