يعيد كتابة اسم الوردة... أمبرتو إيكو يستسلم لزمن الإنترنت!
يجري الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو تعديلات على روايته «اسم الوردة» التي أطلقت شهرته عند صدورها في عام 1980، محاولاً تقديمها في حلّة جديدة عبر لغة مبسّطة تساير تقنيات القرن الحادي والعشرين.
رواية «اسم الوردة» البوليسية الأجواء، اختارتها صحيفة «لوموند» الفرنسية لتكون إحدى أفضل 100 رواية خلال القرن العشرين، وبيع أكثر من 30 مليون نسخة منها في جميع أنحاء العالم. اليوم، يراد لها أن تكون سهلة اللغة ومتيسّرة للقارئ الجديد عبر الإنترنت، وستصدر النسخة الجديدة من الرواية في 5 أكتوبر المقبل، بالإسم نفسه. يرى إيكو، في محاولة تحديث «إسم الوردة»، التقرّب أكثر من القارئ الجديد الذي يواجه صعوبة في فك رموز الرواية وأحداثها، بنسختها الأولى، بسبب صعوبة لغتها. غير أنه، حتى الآن لم يعلن عن التغييرات التي ستطرأ على روايته التي صدرت قبل أكثر من ثلاثة عقود. ولجوء الروائي الى كتابة روايته الشهيرة بلغة مبسّطة للقراء الجدد و{الإنترنتيين» بعد سنوات قليلة على إصدارها، إشارة ألى عمق التحوّل الذي أصاب الثقافة في العالم، وإلى استسلام الروائي الإيطالي لموجة الشبح الإلكتروني الذي التهم طقوس الثقافة والقراءة والكتابة وجعل العالم في دائرة الخداع والوهم و{فلسفة» أفلام «ماتريكس» التي طالما تحدّث عنها الفيلسوف الراحل جان بودريارد، وهي تستند الى العدم والواقع الافتراضي والرقمي. استسلم إيكو للقراء الجدد وسيلجأ إلى تفكيك رموز «اسم الوردة»، وهو الذي كان يرى أن مجرة غوتنبرغ إلى توسّع في إطار دفاعه عن الكتاب، فصقيع البلاغة الإلكترونية لم يحل دون وصول الدفء وأشعة الشمس إلى المجرة، وما المراهنة على موت الكتاب وتراجعه في عصور البلاغة الإلكترونية إلا ضرب من فنتازيا فكرية. فالنص المكتوب لا يزال يحتفظ بقدسيّته طالما أن المقدّس يشكّل بعداً أساسياً في حياة الإنسان. يقول إيكو في أحد أحاديثه الصحافية: «الإنترنت هو فضيحة ذاكرة من دون غربلة إذ لم تعد تميّز بين الخطأ والحقيقة». ويضيف: «لا يزال «الكتاب» لغاية اليوم يشكّل الوسيلة الأضمن لحفظ المعلومات وتعميمها، لأنه الوسيلة الأكثر راحة للقراءة». وهو يعتبر «أنه على الذين ما زالوا يقرأون أن ينسحبوا لينعزلوا في الريف ربما كما في طائفة «الأميش» في بنسلفانيا، هناك تحتفظ بالثقافة، أما الباقي فنتركه يطفو كما يطفو كل شيء مع ستة مليارات شخص على الكوكب، لا نستطيع الادعاء أن ثمة ستة مليارات مثقف». كان إيكو يهزأ من رد فعل المثقفين العاطفي عندما يتعلّق الأمر بشبكة الإنترنت، وينصحهم بأن يروا الإنترنت كما هو بوصفه تقنية حديثة للاتصال والتواصل وليس بوصفه نهاية للعالم أو نهاية للكتاب الورقي على وجه الخصوص. والكتاب في رأي إيكو نتاج كامل، صغير وخفيف ومتماسك ويمكن استعماله في أي مكان. يمكنك أن تقرأه على الشموع... لكن هذا كلّه في رأي إيكو يمكن استبداله بأقراص مدمجة. ما يشغل بال إيكو حقيقة هو موضع الديمقراطية على الإنترنت فعدد قليل من الناس يستعمل هذه التكنولوجيا المخصصة للأغنياء والمثقفين ما يمكن أن يشكّل تصدعاً اجتماعياً مرتقباً. والنافل أنه حين أصدر إيكو «اسم الوردة» أحدثت صدمة في الأوساط الأدبية العالمية، بل إنها تحوّلت الى فيلم اشتهر بالإسم نفسه، فالرواية لا تقص أحداثاً وقعت في أوائل القرن الرابع عشر ميلادي كسياق تاريخي لتلك الفترة وإنما تدخلك في إشكاليات فنية وزمانية وأخلاقية. يستهل إيكو كتابه بتعليل اختيار بيت شعري كعتبة لمؤلفه، ثم ينتقل ليؤكد أن السارد ليس ملزماً بتقديم تأويلات لعمله، إذ إن الرواية هي أصل التأويل، وليس في مقدور ما يكتب على هامشها سوى أن يضيء ويضع القارئ في سياق الكتابة إن لم يحرفه أساساً. يشرح إيكو سبب اختياره القرون الوسطى كزمن خاص لروايته معترفاً بأن الفكرة تولّدت لديه عام 1978 وكانت مغلّفة بالرغبة في تسميم راهب، فبحث مطولاً في تاريخ الرهبان والأديرة والتراث القروسطي. بدأ إيكو الرواية ثم توقّف لسنة لأنه اكتشف أن كتابة رواية لا تعني فحسب ترصيف مجموعة من الكلمات، لذا غيَّر خطته ووضع نموذجاً مستقلاً. كان هدفه بناء عالم كثيف في أدق جزئياته وتفاصيله، فبناء هذا العالم هو الأساس، أما الكلمات فتأتي من تلقاء نفسها. ذلك ما يراه صاحب «اسم الوردة» ويعتبره الفرق المائز بين جنسين أدبيين مختلفين: «امتلاك الأشياء سابق على وجود الكلمات، وهو عكس ما يحدث في الشعر حيث امتلاك الكلمات سابق على امتلاك الأشياء». وهذه ليست المرة الأولى التي يصدر فيها كتاب أو رواية بلغة مبسّطة، ففي زمن موجة الماركسية لجأ أحد المفكّرين إلى إصدار كتاب «رأس المال» بلغة مبسّطة للمبتدئين، ومع ذلك ظلّ يحتاج الى من يشرحه. فمتى تصدر الكتب التراثية العربية بلغة مبسطة تواكب التحولات التي طرأت على النسيج الثقافي واللغة والطقوس؟ سؤال تجيب عنه السنوات المقبلة في وقت ما زال بعض عباقرة الثقافة اللبنانية يكتب بلغة القرون الوسطى ويحتاج الى من يضرب بالرمل ليفكّ ألغاز جمله.