التنويع بين الشعبي والرومنسي .. ضرورة لتحقيق الاختلاف أم إثبات للنجومية؟
أغانٍ متنوعة بين الرومنسية والإيقاعية والشعبية والدينية وغيرها... تحفل بها وسائل الإعلام، وأضحت ظاهرة ألغت إلى حدّ كبير تخصص الأصوات بهذا اللون الغنائي أو الآخر... فبات لقب «الفنان الشامل» هو الذي يسعى إليه كل من يخوض مجال الغناء غير آبه بمدى أهليّة صوته لغناء هذا اللون أو ذاك.قد يقول قائل إن فناني الزمن الجميل غنوا الألوان كافة وأحبّهم الجمهور فيها كلها، هذا صحيح لأن الأغنية كانت مكتملة العناصر من الكلمات إلى الأداء إلى الألحان، اما اليوم فتفتقر معظم الأغاني إلى هذا التكامل ويركب هذا الفنان أو ذاك الموجة الرائجة سواء شعبية او رومنسية تماشياً مع ذوق الجمهور. فإذا كان الفنانون الكبار رفعوا الجمهور إلى مستوى فنهم الرفيع إلا أن فنانين كثراً اليوم أنزلوا الجمهور إلى مدارك فنهم الذي وصفوه بالشعبي مثلا فيما هو أبعد ما يكون عن مضمون هذه التسمية التي تحمل في طياتها فناً قائماً بذاته.
هل هذه الحالة التي وجدت طريقها إلى اذن المستمع صحية وهل هي في صالح المطرب؟ ولماذا يبحث المطرب عن ألوان جديدة من الغناء؟ هل المسألة مجرد محاولة للبحث عن الاختلاف أم وسيلة تخوّل المطرب أن يغني كل ما يقع تحت يديه سواء كان رومانسياً أو شعبياً أو دينياً، غير مبال بفكرة تكوين أسلوب خاص به أو تصنيف يسبق اسمه؟تعدد الأذواق مشكلة تؤرق المطربين أحمد عبدالمحسنخالد البذال يرى الشاعر الغنائي خالد البذال أن تنوع الأذواق يفرض على المطرب أداء أكثر من لون غنائي، يقول: «يهوى المستمع اليوم التنويع والاستماع إلى ألوان غنائية مختلفة، ويطلب الجديد والأسلوب المختلف، بخاصة بعد الانفتاح الذي عمّ وسائل الإعلام واتساع دائرة الاطلاع والمعرفة وإلغاء الحدود بين الحضارات، فانفتحت الموسيقى في البلدان المختلفة على بعضها البعض وزخرت مواقع الانترنت بأنواع منها لا تحصى ولا تعدّ». يضيف البذال: «لا شك في أن هذا الواقع شتت عقل المطرب ولم يعد قادراً على التركيز على لون معين برع فيه لرغبته في كسب شعبية أكبر وشهرة أوسع، فتاه بين الألوان الموسيقية المختلفة ولم يعد يدري أي لون يختار ليعجب المستمع، من هنا نرى فنانين كثراً يمشون وفق ما يريد السوق والجمهور ويعتمدون ألواناً غنائية لم تكن معروفة على الساحة بغض النظر عن مدى ملاءمتها لأصواتهم، فيما يتجه مطربون آخرون إلى تقديم ألوان لم يألفها المستمع في الكويت من قبل». يوضح البذال أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الفنانين الشباب فحسب بل تطاول المطربين المخضرمين الذين يسعون إلى تقديم ألوان غنائية مختلفة، إرضاء للذوق العام الذي بات أكثر تطلباً من أي وقت مضى. بشار الشطي لا يؤيد الفنان بشار الشطي فكرة التنويع في الأغاني مشيراً إلى أن لكل فنان لوناً معيناً يجب أن يسير عليه ليس في الوطن العربي فحسب بل في أوروبا أيضاً، يقول: «عندما يقرر الفنان إنتاج ألبوم غنائي فإنه يحاول إرضاء الأذواق كافة لتحقيق النجاح، لذلك ينوّع في الأغاني بين الشعبية والرومنسية والهادئة. لا يلام الفنان على ذلك فثمة أذواق لا ترضى بنوع معين من الأغاني وتطالب بالمزيد، عندها يقع الفنان في حيرة من أمره على رغم أنه يفضل أن يقدم لوناً معيناً نجح فيه». يضيف الشطي: «بالنسبة إلي لا أحبّذ التنويع في الأغاني لأنه لا يخدم الفنان حتى في أوروبا وأميركا، فمايكل جاكسون مثلا مختص بأغاني البوب ولم ينتج أغاني خارجة عن هذا النوع، على رغم أن له قاعدة جماهيرية واسعة جداً. بالتأكيد ثمة من يهوى الفنان لتخصصه بنوع معين من الأغاني، وثمة من يطلب من الفنان التنويع في الأغاني مع أن ذلك قد يضرّ به». أحمد عبد الكريم يعزو المطرب والملحن أحمد عبد الكريم ظاهرة تنويع المطرب في أدائه بين الألوان الغنائية إلى اختفاء المرشد الغنائي، ما سبب حالة من الضياع والعشوائية في اختيار الأغاني، يقول: «في السابق كان المطرب يتجه الى ما يسمى «المرجع الموسيقي» الذي يختبر صوته ويقدّم له ألحاناً مختلفة لمعرفة اللون الذي يناسبه، فيوفر المطرب على نفسه جهداً ويكرّس نفسه لأداء الأسلوب الذي يناسبه اعتماداً على خامة صوته، فثمة ألحان لا يستطيع الفنان أن يؤديها لصعوبتها ولاختلاف الخامات الصوتية من مطرب الى آخر».يضيف عبد الكريم: «اليوم غاب المرشد وأصبح للتكنولوجيا الدور الرئيس في أداء الفنان للأغاني التي لا تناسب في معظمها خامة صوته». يشير عبد الكريم إلى أن اختلاف الأذواق من شخص إلى آخر يجبر المطرب على التنويع في الأغاني، فإذا كانت خامة صوته تسمح له بأداء أنواع مختلفة فهذا جميل، لكن إذا لم يسعفه صوته ومع ذلك ينوع في أغانيه إرضاء للجمهور فهذا أمر سلبي للغاية. يشدد عبد الكريم على ضرورة أن يحافظ الفنان على شخصية محددة تميزه عن غيره من الفنانين، «في النهائية لا أستطيع قول إلا كان الله في عون الفنانين بسبب صعوبة توافر شركات إنتاج ومرشدين».لكل أغنية وقتها وظروفهابيروت- ربيع عوادنيللي مقدسيتعتبر الفنانة نيللي مقدسي أن التنويع في الكلمات وفي الألحان وفي الألوان الموسيقية من رومنسية إلى إيقاعية إلى بدوية إلى فولكلورية سواء في الألبوم الغنائي أو في أغانٍ منفردة يطرحها الفنان، ضروري لإرضاء الأذواق على اختلافها، إضافة إلى إظهار مقدرة الفنان نفسه على أداء هذه الألوان، تقول: «أميل إلى الأغنيات الإيقاعية النابضة بالفرح، لكن ثمة جانباً رومنسياً في شخصية كل إنسان، تماماً كما يوجد جانب فرح وسعيد، وقد نجحت في أداء أكثر من لون غنائي وقدمت أغاني رومنسية لاقت انتشاراً بين الناس، في النهاية تفرض الأغنية الجميلة المتكاملة التي تليق بصوت الفنان نفسها على المتلقي، الجميع يغني الفرح والإيقاع تماماً كما يغني الرومنسية.. إنها الحياة، فيها فرح ورومنسية، ولكل أغنية وقتها وظرفها، ويتمنى كل فنان أن يجمع بين الألوان كافة.يذكر أن الفنانة نيللي مقدسي جددت أغنيات طربية قديمة من بينها «مستنياك» لوردة، وأشارت في حديث لها إلى أن هذه الأغنية أهدتها إلى الجمهور «الذي يجهل قدرتي على أداء هذا النوع من الأغاني الطربية الأصيلة التي أقدمها في حفلاتي».تؤكد مقدسي أن التنويع في الأغاني يمنح الفنان تميزاً وتوضح في هذا السياق أن أغنيتها «شبكي شنوحن» غريبة لكنها علقت في الأذهان وما زال الجمهور يطلب منها أداءها في الحفلات. وعن الفنانين الذين يعتمدون لوناً واحدا تعلقّ: «البعض أبدع باللون الرومنسي واستطاع أن يرسم لنفسه هوية خاصة والعكس صحيح».جوزف عطيّه«تعب الشوق»، {لا تروحي»، «لبنان رح يرجع»، «يا كل الدني»، «بوستك» وغيرها من الأغاني... أثبتت موهبة الفنان جوزف عطية وقدرته على أداء الألوان المختلفة والإيقاعات المنوّعة، وهو اليوم يرفض أن يحصر نفسه بلون واحد خصوصاً الشعبي، الذي تميز به عندما كان طالباً في برنامج «ستار أكاديمي».يقول عطية: «أحبني الناس باللون الشعبي الإيقاعي وأنا شخصياً أهوى هذا النوع من الموسيقى، خصوصاً حين أكون على المسرح، حيث أشعر بتفاعل الجمهور وتسيطر أجواء من البهجة والسرور عليه، لكن في داخلي أحاسيس ومشاعر أتمنى ترجمتها من خلال أعمال غنائية معينة».يضيف عطيّة: «الحمدالله حققت أغنياتي الرومنسية نجاحاً، من هنا حرصت في ألبومي السابق «تعب الشوق» كذلك في الألبوم الذي أحضّر له راهناً على التنويع لإرضاء أذواق الجمهور على اختلافه وإرضاء نفسي أيضا». ميسم نحاستتضمن ألبومات الفنانة ميسم نحاس أغاني منوعة رومنسية على غرار «فكرت كثير» و{أحلفلك» وإيقاعية على غرار «كل الشوق» و{نار نار» و{لاموني» و{أحلى العرسان»... تشدد نحاس على أن المستمع يهتم بالألبوم المنوّع أكثر من الذي يعتمد لوناً غنائياً واحداً لأنه يبحث دائماً عن أغنية تترجم مشاعره وأحاسيسه».ترى نحّاس أن ثمة فنانين تميزوا باللون الورمنسي ويحتلون المراتب الاولى، «المهم أن يعرف الفنان ماذا يليق بصوته وشخصيته وإلا كان نصيبه الفشل».مادلين مطرقدمت الفنانة مادلين مطر أغاني تختلف في المضمون والموسيقى ونجحت في إيصالها بالشكل المناسب إلى الناس، فإغانيها الإيقاعية على غرار «أما عجايب» و{بتلوّن ليه عليا» وأشغلك وغيرها تميزت تماماً كما أغنياتها الرومنسة على غرار «بحبك وداري» و{كلمني اسمعلك».تؤكّد مطر أن الجمهور احبها في اللون الرومنسي الذي شقت طريقها الفني من خلاله، إلا أنها تؤيد التنويع في أي ألبوم غنائي يطرحه الفنان كذلك في الأغاني المنفردة، تقول:{الأغاني الإيقاعية ضرورية كونها تحمل الفرح والسرور إلى الناس الذين هم بأمس الحاجة إليهما هذه الأيام، كذلك تترجم الأغاني الرومنسية حالات عاطفية وتتحدث بلسان كثيرين، وهي تدوم، برأيي، أكثر من أي أغنية أخرى كونها تحمل في مضمونها رقيّاً في الكلام وتعبيراً صادقاً يدخل القلوب بسرعة».التأقلم مع الظروف ومزاج الجمهورالقاهرة - رولا عسرانشيرينتنفي شيرين عبد الوهاب تقديمها اللون الشعبي في الغناء وكأنه تهمة تتبرأ منها، على رغم أنها تنقلت بين الرومانسي والشعبي في معظم أغانيها مثل: «آه ياليل»، و{بص بقى عشان تبقى عارف»، «بكلمة منك»، «بحبك قوي»... وتؤكد أنها ليست مطربة شعبية أو رومانسية إنما مطربة فحسب، ومن ثم لا يجب أن يسبق اسمها أي لقب.تضيف شيرين أن الأمر لا علاقة له بنوع الغناء الذي تقدمه، بل بكيفية الغناء، المهم أن تنقل إحساسها إلى المستمع سواء كان ما تغنيه رومانسياً أو شعبياً.توضح شيرين أنها تفضل أنواع الغناء كافة سواء كانت رومانسية أو دينية، وترى أن التنويع مطلوب لأنه يثري تجربة الفنان، ويتميّز مطربون كثر بإتقانهم الألوان كافة، من بينهم: عبد الحليم حافظ، محمد عبد الوهاب، نجاة الصغيرة، وغيرهم من نجوم الغناء...محمد فؤاديصف محمد فؤاد نفسه أنه مطرب شعبي، ولكن ليس بالمعنى المعروف، إنما بمعنى المطرب الشعبي الذي يقدم أغاني للشعب، وعليه يجب أن يكون هذا المسمى للمطربين المهتمين بالشعب، وبأن تصل أغانيهم إلى فئاته.أما عن اتجاهه إلى أداء الأغاني الشعبية والرومانسية فيتساءل فؤاد: «هل معيب أن يقدّم المطرب ألواناً غنائية مختلفة؟» على العكس مطلوب من المطرب المحترف أن يعرف كيف يرضي الأذواق كافة. لذلك يصنع محمد فؤاد كوكتيلاً غنائياً بين الرومانسي والشعبي.سامو زينقدّم سامو زين أغنية «تعالى بس» وهي من اختيار المنتج محسن جابر، وتندرج ضمن اللون الشعبي الذي يؤديه للمرة الأولى، فحققت نجاحاً لم تحرزه أغانيه السابقة، باستثناء تلك التي قدمها في بداياته مثل «أنا ليك»، لأن «تعالى بس» تختلف عن الأغاني الرومنسية التي اعتاد تقديمها، لذلك اختارها لتصويرها، وبالفعل حقق الكليب نجاحاً مشابهاً لنجاح الأغنية وقت صدورها.أمينةاعتادت أمينة، «مطربة الحنطور» التنوع في الأغاني التي تقدمها بين الشعبي والرومانسي، ترى أن ذلك مهم للمطرب، لأنه يطيل عمره الفني ويضعه في مصاف النجوم الكبار.تضيف أمينة أن على الفنان ألا يحصر نفسه في لون معين من الغناء بل أن ينوع ويقدم الجديد والمختلف.تامر حسنيمنذ انطلاقته يقدم تامر حسني ألواناً غنائية مختلفة تنوعت بين الشعبي، إن جاز التعبير لاعتماده لغة شعبية، والرومانسي.يقول تامر إن على الفنان أن يجعل الجمهور في حالة ترقّب وألا يعرف مسبقاً الأغنية التي سيقدمها الفنان.يضيف تامر: «أتعمد التنوع والاختلاف لإضفاء حالة من البهجة لدى الجمهور الذي لا يجوز أن يحصر الفنان بلون غنائي واحد، ويؤكد تاريخ الغناء ذلك ليس في مصر فحسب بل في العالم العربي بأسره}.خاض حكيم، الأكثر التصاقاً باللون الشعبي، تجربة الأغاني الرمانسية على رغم أنه لا يجيد تقديم هذه النوعية، كذلك إيهاب توفيق، وغيرهما من المطربين.