البُعد الاقتصادي للواقع الجديد

نشر في 15-01-2012
آخر تحديث 15-01-2012 | 00:01
 آدم يوسف ثلاثة محاور أساسية يمكن أن تنتهي إليها ندوة «الواقع العربي الجديد» التي اختتمت أعمالها في الكويت أخيرا، وهي: المحور السياسي، بما في ذلك العلاقات الدولية، ومستوى التعامل داخل الوطن الواحد، وكذلك المحوران، الاقتصادي والثقافي، ويندرج تحت الثقافة التعليم، الذي هو البنية الأساسية في تشكيل وعي المثقفين.

كنت معنياً كثيراً بالشق الاقتصادي، ربما للبعد الشخصي بين ما أملكه من ثقافة، وبين هذا الميدان المليء بالإحصاءات والأرقام، والاستنتاجات التي لا يمكن أن تأتي مصادفة، أو بمجرد انفعال وجداني. وأكثر ما شدني تلك المداخلة التي أدلى بها الخبير الاقتصادي جاسم السعدون، خصوصا في تلك المقارنات والإحصاءات الرقمية التي ذكرها في ما يتعلق بالكويت، ودول المنطقة مقارنة بدول عالمية أخرى فاعلة اقتصاديا، مثل الصين، وكوريا الجنوبية، اللتين تنهضان على الصناعة والزراعة، مبينا أهمية هذين المنتجين بالنسبة إلى اقتصاديات الدول، وفي ما يتعلّق بالنفط والطاقة، ذكر السعدون مثالا بسيطا ربما هو الأقرب بالنسبة إلى الكويت، وهو المثال النرويجي، فهذا الوطن الأوروبي المترف، رُزق بفورة نفطية تشبه تلك التي عندنا، ولكن النرويجيين قالوا «نريد للنفط أن يصبح نعمة لا نقمة» لذا فهم اتجهوا نحو الصناعة، والاقتصاد الإنتاجي الشامل، بينما نحن في الكويت تحوّلنا إلى «دولة ريعية» وتلك هي النقمة التي خشي منها النرويجيون، ونجحوا في تجاوزها.

دار حديث كثير في الندوة في ما يتعلّق بالإسلام السياسي، ومستقبل هذه الأوطان الثائرة بعد صعود نجم الجماعات الإسلامية، واستيلائها على السلطة، مما شكل صدمة للتيارات الأخرى من القوميين، أو الليبراليين، وما شابه، ربما يهدد صعود نجم هؤلاء حتى الإسلام الوسطي غير المتشدد، ففي مصر مثلا بدأت تعلو أصوات بأن «الأقباط أقلية» مما يشي ضمنا بالدعوة إلى هضم حقوقهم، وبدأنا نسمع ونقرأ عما يُطلق عليه «أمير المؤمنين» في إشارة إلى الولاية الإسلامية الجديدة.

وواضح أن هذه الأصوات التي تدعو إلى إعلاء الجانب الديني على حساب الدولة المدنية هي الشرارة الأولى لانطلاق الفرقة، والتصارع بين أبناء الدولة الواحدة، وهو صراع ربما يتمدد حتى يمس الطوائف المختلفة داخل الديانة الواحدة ذاتها، وهنا يرجع الحديث عن الحقوق المدنية، وبناء الاقتصاد، والمحاسبة السياسية، يرجع الحديث عن كل هذه الأمور إلى الوراء، ليصبح تناحرنا حول رؤية محددة للدين وتفسير لنصوص، هي أرحب وأكثر اتساعا من ذهنية هؤلاء المتشددين أنفسهم.

الحديث عن علاقة بين الجمهور والنخبة قد لاينتهي لصالح هذه الأخيرة، سواء كانت نخبة اقتصادية أم سياسية، وثقافية، فالجماهير التي انتفضت وصنعت الثورة، ربما لم تفعل ذلك إلا ليأسها من هذه النخبة التي تتحسس مقاعدها، وحساباتها البنكية، قبل أي خطوة تقوم بها، هذه الجماهير الثائرة تعود خلفياتها الثقافية إلى مرجعيات بسيطة، وفي جلّها قروية، ويتشكل وجدانهم من تعليم ديني في الأساس، حتى وإن تفرعوا في صنوف علمية أخرى بعد ذلك؛ لذا كان سهلا على هؤلاء إعطاء أصواتهم إلى مرشحين ذوي خلفيات دينية.

من طريف ما ذكر في هذه الندوة أن ميزانية تعليم التلميذ الواحد، في المراحل الأولى توازي تلك المخصصة للطالب في الولايات المتحدة الأميركية، ومع ذلك يظل التعليم لدينا متخلفا جدا مقارنة بالوضع الأميركي، فما جدوى تلك الأرقام الهائلة التي تصرف؟ أم ان الأمر يتعلق بخط استراتيجي، وترضيات في مجال المناقصات مما يفتح الأبواب مشرعة أمام ظاهرة الفساد الإداري.

back to top