وجهة نظر: المرابحة والفائدة والفتاوى المثيرة للجدل
دخلنا في جدل طويل منذ أكثر من عشر سنوات حين أطلق شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي فتواه التي تجيز التعامل بالفائدة البنكية باعتبارها تختلف عن الربا، ثم أفتى مفتي الديار المصرية د. علي علي جمعة نفس الفتوى السابقة، وما بين هذا وذاك، ولحساسية الموضوع لعدة اعتبارات، سياسية كانت أو اقتصادية، دار حديث طويل لم يخل من الهجوم تارة والاتهام تارة أخرى.لقد عايشت أجواء نقاشات في أوساط المعارضين والمؤيدين، وإني على يقين بصعوبة إقناع المعارض للفتوى، بحكم خبرتي السابقة، بسبب الفترة الزمنية الطويلة لتحريم الفائدة البنكية، إلى أن أصبحت من المسلمات، ولا يمكن مناقشتها، ولكن لديننا الحنيف صفات تميزه عن باقي الأديان، إذ إنه دين لجميع الأزمنة، مع هذا سوف آخذ الموضوع من الناحية الاقتصادية.هناك أوجه اختلاف كبيرة وملحوظة بين الربا في السابق والفائدة في وقتنا هذا، أولها العملة: كانت العملة التي تستخدم في السابق في المعاملات التجارية عبارة عن سلع «كالقمح والأرز والتمور»، وكذلك «الذهب والفضة». من صفات هذه العملات أن قيمتها في زيادة مطردة، أي إن سعر كيلو القمح أو الذهب منذ عشر سنوات أقل بكثير من سعره الحالي، أما العملة التي تستخدم في المعاملات التجارية في وقتنا هذا فهي النقود الورقية والمعدنية، وهي ليست ذات قيمة بحد ذاتها، وهي بعكس صفات العملة السابقة من حيث القيمة، أي إن النقود تنخفض قيمتها الشرائية مع مرور الزمن.نلخص هذا الاختلاف إذا أقرضت شخصاً نقوداً ( 100 دينار مثلاً) وأرجعها بعد سنة فإن قيمة الـ100 دينار وقت إرجاعها أقل من قيمتها وقت إقراضها، أي من الظلم أن أقرض شخصاً، ويرجع نفس المبلغ بعد ثلاث أو أربع سنوات، دون أي مقابل يعوض فرق القيمة، إضافه إلى ربح يؤمن ديمومة سير المؤسسة. من الناحية الثانية، تم تحريم الربا في الماضي على أساس أنه يزيد الغني ثراءً، ويزيد الفقير فقراً، وذلك حفاظاً على العدالة والمساواة والتوازن المجتمعي، وعدم استغلال حاجة المحتاجين، فكانت صورة الربا مقيتة وبشعة.ولكن في وقتنا الحاضر، نرى بكل وضوح أن معاملات المؤسسات المالية من بنوك وشركات قروض وودائع جزء لا يتجزأ من نهضة اقتصادات الدول، فهي بعكس الصورة البشعة للربا، تتيح الفرص لأصحاب الأفكار والمبادرات، وذلك بعد دراسات جدوى تلك المشاريع لأن يؤسسوا مشروعاتهم من لا شيء، حيث يتم توفير فرص للعمل، وإعالة أسر لم تكن لها فرص للعمل من دون تلك المؤسسات.ومن ناحية ثالثة وأخيرة، وهي ما تطرق لها مفتي الديار المصرية من أن غطاء العملات النقدية لم يعد بالذهب أو الفضة، كما كان في العصور القريبة، بل تتم تغطية العملات بسلة من العملات العالمية لمعظم الدول، باستثناء الدول العظمى التي تحمي عملاتها بنفوذها السياسي والعسكري، مثل ما حصل في بريطانيا حيث قامت بالاستغناء عن الذهب المخصص لحماية عملتها، والاكتفاء بقوتها الاقتصادية واستقرارها السياسي.ومن هذه النقطة نجد أن النقود فقدت قيمتها الفعلية، بنظرة موضوعية، وغير منحازة، وبالكويتية العامية «صبه حقنا لبن».