"الدستورية" تسدل الستار على تجريم "الفرعيات": القانون دستوري.. والانتخابات تكرس العرقية والطائفية

نشر في 05-12-2011 | 17:48
آخر تحديث 05-12-2011 | 17:48
No Image Caption
رفضت المحكمة الدستورية دعوى الطعن في قانون تجريم الانتخابات الفرعية، مؤكدة في حكمها أن هذه "الفرعيات" تناقض أسس النظام الديمقراطي الذي يقوم عليه حكم البلاد.
 

أسدلت المحكمة الدستورية اليوم الستار على قضية تجريم الانتخابات الفرعية، وذلك بعدما عرضت أمامها للدفع بعدم دستورية المادة 45 من قانون الانتخابات، التي تجرم الانتخابات الفرعية، وذلك بعد إحالتها إليها من قبل محكمة الجنايات، التي تنظر قضية الانتخابات الفرعية لقبيلة المطير في الدائرة الانتخابية الرابعة، ودفعت بعدم دستوريتها، وانتهت "الدستورية" أمس إلى رفض الدعوى المقامة وانتهت إلى أن المادة 45 التي تجرم الانتخابات تتوافق مع الدستور، ولا تخالفه، وأن هذا التجريم لا يتعارض مع القواعد العامة في التجريم والعقاب، ولا يمس الحقوق العامة التي كفلها الدستور.

وقالت المحكمة الدستورية، التي أصدرت حكمها برئاسة المستشار فيصل المرشد وعضوية المستشارين راشد الشراح وخالد سالم ومحمد بن ناجي وعادل بورسلي، إن رائد المشرع في تجريم الانتخابات الفرعية هو مناهضة إجراء مثل هذه الانتخابات التي تناقض أسس النظام الديمقراطي الذي يقوم عليه نظام الحكم في البلاد، طبقا للمادة 6 من الدستور، كما أنها تخالف جوهره، باعتبار أن المادة 80 من الدستور لم تكتف بتقرير الاقتراع العام بل جعلته مباشرا.

خطر جسيم

وبينت المحكمة أن رائد المشرع في التجريم كان لدرء خطر جسيم يهدد نسيج المجتمع الكويتي وترابط أفراده، سواء من ناحية مضمون هذه الانتخابات، بتقسيم المجتمع وفق اعتبارات مردها إلى نزعاتهم العرقية أو عصبيتهم القبلية أو الطائفية، إضافة إلى بثها الفرقة والتناحر والتشاحن بين أبناء القبائل والطوائف بصفة عامة، وبين أبناء القبيلة أو الطائفية الواحدة بصفة خاصة.

وعن الدفع بعدم دستورية المادة 45 من قانون الانتخاب، قالت المحكمة إن هذا النعي مردود، ذلك أن الظاهر من نص البند (خامساً) من المادة (45) المطعون فيه، ومن الضوابط والقيود التي أوردها لتجريم هذه الانتخابات الفرعية، أنه لا يتعارض مع الحق في الاجتماع الذي كفله نص المادة (44) من الدستور، إذ لم يمنع هذا النص أحداً من حق الاجتماع، حتى ولو قبل الميعاد المحدد للانتخابات العامة، وإنما المحظور ـ بموجب النص المطعون عليه ـ هو إجراء انتخابات فرعية.

ولفتت المحكمة الدستورية إلى أن المذكرة الإيضاحية للقانون رقم (9) لسنة 1998 بإضافة البند خامساً (بتجريم الانتخابات الفرعية) قد أوردت في هذا المقام دواعي تدخل المشرع لتجريم هذه الانتخابات، وذلك لسببين، أولهما: أن ما يجرى عليه العمل قبل انتخابات أعضاء مجلس الأمة وأعضاء المجلس البلدي، من تنظيم انتخابات أولية، وهو ما تم التعارف على تسميته بالانتخابات الفرعية، بين مَن يرغبون في الترشيح من المنتمين لفئة معينة (قبيلة أو طائفة) لاختيار واحد أو أكثر من بينهم، يكون له وحده أن يرشح نفسه بصورة رسمية في الانتخابات التي يعلن عنها، عامة كانت أو تكميلية، إنما يتنافى مع ما نصت عليه المادة (108) من الدستور بأن "عضو مجلس الأمة يمثل الأمة بأسرها، ويرعى المصلحة العامة"، وأن عضو مجلس الأمة، وإن كان فوزه بعضوية مجلس الأمة يرجع إلى الناخبين في دائرة انتخابية محددة، وهي التي رشح نفسه فيها، إلا أنه بعد انتخابه لا يمثل القاطنين بهذه الدائرة أو ناخبيها وحدها، كما أنه لا يمثل جماعة أو فئة معينة، وإنما يمثل الأمة بأسرها، ويرعى المصلحة العامة وحدها ولو تعارضت مع مصالح دائرته الانتخابية.

وذكرت أن السبب الثاني هو أن هذه الانتخابات الفرعية التي لا يعرفها الدستور ولا قانون الانتخاب، إنما تكرس الانتماء القبلي والطائفي على حساب الانتماء الوطني، وتتيح فرص الفوز للعناصر التقليدية صاحبة النفوذ والتأثير داخل القبيلة أو الطائفة على حساب العناصر الأكثر قدرة على العطاء والإبداع، لذا كان تدخل المشرع بموجب هذا القانون لوضع حد لمثل هذه الظواهر غير الحضارية.

رفض الدعوى

وبينت المحكمة قائلة: "وكان الأصل في سلطة المشرع في تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، وأن الرقابة القضائية على دستورية التشريعات لا تستطيل إلى ملاءمة إصدارها، إلا أن ذلك لا يعنى إطلاق سلطته في سن القوانين دون التقيد بالتخوم التي فرضها الدستور حداً لها، ومن بينها ألا يكون التنظيم التشريعي للحق مؤدياً إلى مصادرته أو العصف به أو التغول عليه".

وأضافت أنه "متى كان ذلك، وكان رائد المشرع في تجريم الانتخابات الفرعية هو مناهضة إجراء مثل هذه الانتخابات التي تناقض أسس النظام الديمقراطي الذي يقوم عليه نظام الحكم في البلاد طبقاً للمادة (6) من الدستور، كما أنها تخالف جوهره، باعتبار أن الدستور في المادة (80) فإنه لم يكتف بتقرير الاقتراع العام لاختيار أعضاء المجلس النيابي، بل أيضاً جعله مباشراً، متخذاً من ذلك أساساً لنظام الانتخاب حتى يكون التمثيل صحيحاً وتشترك الأمة بأسرها فيه".

وبينت أن رائد المشرع أيضاً في تجريم هذه الانتخابات كان لدرء خطر جسيم يهدد نسيج المجتمع الكويتي وترابط أفراده، سواء من ناحية مضمونها، بتقسيم المجتمع لاعتبارات مردها إلى نزعاتهم العرقية، أو عصبيتهم القبلية أو الطائفية، وبث الفرقة والتناحر والتشاحن بين أبناء القبائل والطوائف بصفة عامة، وبين أبناء القبيلة أو الطائفة الواحدة بصفة خاصة، أو من جهة الآثار التي ترتبها من تقويض قيم المواطنة، وإحلال ولاء الفرد للقبيلة أو الطائفة، محل ولائه لوطنه، فتتحول بذلك إلى أداة لقطع أواصر التراحم بين أفراد المجتمع الواحد، ومعولاً لهدم نسيج المجتمع الكويتي وترابط أفراده، وما يستتبعه ذلك من وجوب استقلال النائب وتحريره من ضغط الفئة أو الطائفة التي ينتمي إليها وتأثيرها عليه، حتى تكون المصلحة العامة هي العليا.

ومتى كان ما تقدم، وكان التجريم الذي أتى به النص المطعون فيه، لا يتعارض مع القواعد العامة في التجريم والعقاب، ولا يمس الحقوق العامة التي كفلها الدستور، فإنه ـ في إطار النعي الماثل ـ يكون بمنأى عن مخالفة الدستور، وبالتالي تضحى الدعوى الدستورية الماثلة ـ والحال كذلك ـ فاقدة لسندها، ومن ثم يكون حرياً القضاء برفضها.

back to top