د. إيهاب سميح:الوجبات الخفيفة لمعدة سليمة
يشهد شهر رمضان المبارك تغيرات جذرية في نمط التغذية، ما يراه البعض إجازة للمعدة وفرصة لالتقاط الأنفاس، لكن السؤال: كيف نحوّل شهر الصيام والعبادة إلى مناسبة حقيقية لاستعادة صحة الجسد ورشاقته؟ الدكتور إيهاب سميح، مدرس أمراض الباطنة والدم بطب القصر العيني، يجيب عن هذا السؤال وغيره في سياق الحوار التالي.
لماذا نشعر بألم في البطن في أيام الصيام الأولى؟هذا شعور طبيعي نتيجة لتغيّر النظام الغذائي الذي كنا نسير عليه في الأيام العادية بشكل جذري مع بداية شهر رمضان، خصوصاً مواعيد وجبات الطعام وعادات غذائية كنا نتّبعها، لذلك تزول أعراض ألم البطن عادةً بعد الأسبوع الأول من الشهر الكريم، بعد تكيّف الجسم مع النظام الجديد. لكن إذا استمرّت أعراض الألم بعد ذلك فالأفضل استشارة الطبيب لمعرفة الأسباب.ينصح البعض بشرب كثير من المياه خلال ساعات الإفطار لتجنّب الشعور بالعطش، فما رأيك؟بما أن شهر رمضان هذه السنة يصادف في ذروة الصيف، من الضروري أن يشرب الصائم كثيراً من الماء ليلبي حاجات جسمه، أي ثلاثة إلى أربعة ليترات توزَّع على ساعات الإفطار وليس على الإفطار أو السحور فحسب. لكن من الأفضل عدم الإفراط كثيراً في شرب المياه لأن الجسم يفقدها بسرعة، وتناول الخضراوات والفاكهة بشكل دائم طوال ساعات الإفطار، واستهلاك الخضار على وجبة السحور لأنها تمنح شعوراً أطول بالارتواء كون الجسم يحتاج الى وقت أطول كي يستخلص المياه الموجودة فيها. كذلك، يفضّل التركيز على اللبن ومنتجاته لمواجهة الحرّ كالمهلبية والآيس كريم واللبن الرايب والزبادي طبعاً، لأنها تعطي إحساساً بالارتواء.ما هي مكوّنات الوجبة الصحية في شهر رمضان؟مواصفات الوجبة الصحية يجب أن تطبَّق خلال أشهر السنة كافة وليس في رمضان فحسب، باعتبار أن الغذاء الصحي المتوازن هو عنوان الصحة والرشاقة والجمال، مع الأخذ في الاعتبار أن للشهر الكريم خصوصية وعادات غذائية ترتبط به هي في الغالب خاطئة وعلينا الابتعاد عنها كالإكثار من تناول اللحوم والمكسرات والحلويات بكميات كبيرة، وكلّها عادات تشكّل حافزاً للجسم للتعرّض للأمراض.عنوان الوجبة الصحية هو التوازن بين عناصرها، إذ لا بد من أن تحتوي على البروتين (لحوم أو دجاج أو سمك ويفضّل أن تكون إما مشوية أو مسلوقة)، النشويات (رز أو مكرونة أو خبز) التي يجب أن تُطهى بزيت الزيتون، إذ لا يُنصح بالسمن والزبدة إلا في أضيق الحالات. أما الخضراوات فهي طبق رئيس على مائدة رمضان ولا بد من الاهتمام بها، مع ضرورة تناول السوائل من مياه وشوربة وعصائر طبيعية. أخيراً، لا بد من شطب الملح من طعامنا لأن ما يحتاج إليه الجسم من أملاح يحصل عليه من المواد الغذائية الطبيعية.وما فائدة هذه العناصر؟لكل عنصر من عناصر الوجبة المتكاملة وظيفته وفائدته، فالبروتينات تمدّ الجسم بعناصر البناء أما النشويات والدهون فتمدّه بالطاقة اللازمة للقيام بالوظائف الحيوية المتعددة، شرط عدم الإفراط في تناولها، وتعمل الفيتامينات والأملاح المعدنية على رفع مناعته ووقايته من الأمراض وتساعد في إتمام عمليات التمثيل الغذائي، إذ بغيابها تختلّ عمليات التمثيل الغذائي.هل تقلّل طريقة تناول الطعام من حجم فائدته؟ بالتأكيد، فسوء المضغ يؤدي إلى عسر الهضم. الطريقة الأمثل ليستفيد الجسم من معظم عناصر الوجبة هي البدء بالعصير الطبيعي أو الشوربة ثم تناول طبق السلطة وفي النهاية تناول الطبق الرئيس، ذلك لأن المعدة بعد ساعات الصيام تكون قد دخلت في حالة كسل واسترخاء فيتم إنعاشها عن طريق السوائل الخفيفة التي تنبّهها وتنشِّطها مجدداً.كذلك، ثمة أمر مهمّ يجب أخذه في الحسبان وهو تقسيم وجبات الطعام على فترات: ثلاث وجبات رئيسة توزَّع على ساعات الإفطار، وثلاث وجبات خفيفة عمادها الخضراوات والفاكهة، لأن الوجبات الخفيفة هي أقصر طريق لراحة المعدة في رمضان وعدم إرهاقها.ما هي نسبة اللحوم التي يحتاج إليها الجسم يومياً؟يحتاج من اللحوم الحمراء الى 100غ يومياً، ومن الدواجن الى 150غ، ومن الأسماك الى 200غ، ولا بد من أكلها مسلوقة أو مشوية والابتعاد عن المقليات. يجب تقليل نسب البروتين في وجباتنا وعدم التركيز عليها لأن الجسم عندما يحصل على أكثر من حاجته يصاب بمشاكل صحية عدة، أخطرها زيادة حمض البوليك المسبّب لأمراض كثيرة أشهرها النقرس.ماذا عن النظام الغذائي بالنسبة الى المرضى الصائمين؟تختلف حالة كل مريض صائم عن الآخر، خصوصاً أصحاب الأمراض المزمنة، لذلك يُنصح بضرورة زيارة الطبيب المعالج قبل شهر الصيام بأسبوع للقيام بعدد من التحاليل التي يحدِّد الطبيب على ضوئها صيام المريض من عدمه، ووضع نظام غذائي علاجي يعمل على تحسين صحة المريض ورفع قدرة جهازه المناعي من خلال مكوّنات غذائية تتناغم مع الأدوية التي يستهلكها.هل يُسمح لمريض الدم بالصيام؟أمراض الدم متنوّعة، لكن عموماً يُمنع المصابون بسرطان الدم ومن يعانون مشاكل في كريات الدم البيضاء (الهيموغلوبين) أو في كريات الدم الحمراء من الصيام لأنهم يحتاجون إلى كميات كبيرة من المياه خصوصاً في أيام الصيف لأن النقص فيها يؤدي إلى لزوجة الدم وحدوث جلطات. أما مرضى الأنيميا بمختلف أنواعها فيمكنهم الصيام شرط اتباع عدد من المحاذير أهمها: الابتعاد عن تناول الفول نهائياً في السحور، الإكثار من تناول الأغذية الغنية بفيتامين A كالكبد البقري والحليب بمشتقاته والبيض، تناول الخضراوات كالجزر والسبانخ، والفاكهة كالرمان والخوخ، والتخفيف من استهلاك المكسرات بأكبر قدر ممكن لأنها تزيد معدل الكولسترول في الدم.ثمة مصابون بالأنيميا يشعرون بالصداع وعدم التركيز أثناء الصيام، لماذا؟لانخفاض كريات الدم البيضاء إلى أقل من 8 في المئة، ويحدث ذلك في حالات أنيميا نقص الحديد الشديدة وبعض حالات أنيميا البحر المتأخّرة، في هذه الحالة على المريض الصائم الخلود إلى النوم في ساعات الصيام الأخيرة وعدم التعرّض للشمس بشكل مباشر، وتأخير السحور إلى قبيل الفجر مباشرة لتجنّب انخفاض الهيموغلوبين في الدم في ساعات الصيام.