في ذكرى مذبحة حلبجة

نشر في 17-03-2012
آخر تحديث 17-03-2012 | 00:01
No Image Caption
 أنس محمود الشيخ مظهر  رغم أنه قد مر على ذكرى مذبحة حلبجة أربع وعشرون سنة فإنها تظل متجددة في الذاكرة الكردية وكأنها حصلت الآن، فهناك بعض الأحداث لا تستطيع السنون محوها من ذاكرة الشعوب، ولا من وجدانها، خصوصا إن كانت كارثية كما كانت هذه المذبحة.

فأي ضمير إنساني يقبل أن يقتل خمسة آلاف مدني أعزل في دقائق معدودة لا لشيء إلا لأن قدرهم جعلهم يوجدون في منطقة كانت تدور فيها معارك بين جيشين في حرب لم تكن لها أهداف؟ وكيف لنا أن ننسى تلك الصورة التي ظهر فيها عمر خاور، وهو ملقى جثة هامدة وهو يحتضن طفله الذي حاول حمايته وإنقاذه من الموت دون جدوى؛ لتصبح هذه الصورة شاهدة تلخص كل المأساة التي حدثت في ذلك اليوم الربيعي في تلك المدينة الصغيرة الوادعة؟

لقد ظل المتعاطفون مع النظام الصدامي وإلى يومنا هذا يدافعون عن أن الجيش الصدامي لم يكن هو من استخدم الأسلحة الكيميائية ضد سكان حلبجة؛ مستندين في ادعاءاتهم على تقارير للأمم المتحدة، تشير إلى أن العراق لم يكن يملك غاز الخردل، الذي استخدم في هذا القصف، ويريحون ضميرهم الإنساني بهذه الادعاءات متهمين الجانب الإيراني بأنه هو من قام بهذا العمل الوحشي المناقض لأي شريعة دينية أو دنيوية.

وهنا سوف نحاول أن نبين بعض الحقائق التي تؤكد وبشكل كامل أن الجيش الصدامي ليس بريئا من هذه الجريمة:

- شهادة سكان مدينة حلبجة الذين نجوا من المذبحة تؤكد أن من قام بها هي بعض قطاعات الجيش العراقي، ومن المؤكد أن المواطنين العاديين ليس لديهم أجندات سياسية معينة لكي يلفقوا هذه الاتهامات.

- التعتيم الإعلامي الكامل من قبل نظام صدام حسين حينها، وعدم الحديث عما جرى في حلبجة في كل وسائل الإعلام البعثية هو دليل واضح بأنه هو من قام بها، خصوصا أن العراق كان في حرب مع إيران، ولو كانت هي- وحدها- من قامت بهذه الجريمة لكان الأحرى بالحكومة العراقية حينها أن تستغل هذه الجريمة إعلاميا وإنسانيا لفضح الممارسات الإيرانية أمام المجتمع الدولي.

ليس هذا فحسب بل يظهر أن الجانب الأميركي حينها كان متعاونا في هذا التعتيم الإعلامي، حيث إن الجهات الرسمية المسؤولة في تركيا، كانت توصي الجرحى الناجين بعدم الإدلاء بأي تصريحات للإعلام الغربي بشأن اتهام أي جهة، وهذا ما قاله الكثير من الشهود من الناجين.

إن الإعلام الصدامي كان نشيطا في استغلال هكذا أحداث لمصلحته، حيث رأينا كيف أن الإعلام الصدامي ظل يستغل ولأشهر عديدة قتل الرسامة العراقية ليلى العطار التي قتلت في الهجوم الصاروخي الذي قامت به القوات الأميركية على بغداد، وكذلك استغلاله لحادثة ملجأ العامرية التي زعم فيها النظام البعثي أن طيران التحالف هو من قام بها.

- استدلال البعض على رواية الأمم المتحدة وخبرائها بأن إيران هي من قامت بهذه المذبحة، وذلك لأن العراق لم يكن يمتلك غاز الخردل الذي استعمل في القصف لا يعني بأي حال من الأحوال صحة هذه الروايات، باعتبار أن أي اتهام صريح للعراق من قبل الأمم المتحدة سوف يفتح ملفات أخرى قد تفتح بالتالي أبوابا كثيرة من الصعب غلقها، وتجر رجل الكثير من الشركات الأميركية الكبيرة في الموضوع.

- الدليل الآخر على أن العراق هو من قام بهذه الجريمة هو شهادة علي حسن المجيد في المحكمة التي كانت تتناول ملف جريمة حلبجة عندما أشار إلى المكالمة التي جرت بينه وبين الفريق الركن نزار الخزرجي في صباح ذلك اليوم.

في مذبحة حلبجة نحن أمام جريمة من نوع خاص، جريمة شاركت فيها حكومات كثيرة لقتل خمسة آلاف بريء بينهم أطفال ونساء وشيوخ بدون أي ذنب ولا أي جريرة قاموا بها، وتشابكت فيها مصالح معقدة بين الفرقاء كلهم للتكتم عليها، فالحكومة العراقية السابقة متورطة أولا في هذه الجريمة، والحكومة الإيرانية متورطة حسب شهادة علي حسن المجيد، وأخيرا الجانب الأميركي الذي يحاول إلى يومنا هذا عدم فتح كل ملفات الموضوع، ومن المؤكد أن الضمير البشري كله مدان في هذه الجريمة بسكوته عن كشف أسرار هذه المذبحة، التي سوف يأتي اليوم الذي تكشف فيه كلها ليأخذ كل ذات حق حقه.

* كردستان العراق - دهوك

back to top