الإصلاح الدستوري في المغرب يستحق دعم واشنطن

نشر في 06-07-2011 | 00:01
آخر تحديث 06-07-2011 | 00:01
لم ينجح خطاب الملك الذي أعلن فيه التعديلات الدستورية المقترحة في لفت أنظار المجتمع الدولي كما فعلت التظاهرات الشعبية التي أسقطت النظامين في تونس ومصر بعد سنوات طويلة من الحكم، مع أن المغرب بلد يضم أغلبية مسلمة في الشرق الأوسط، وقد أصبح الإصلاح فيه واقعاً ملموساً، لا مجرد شعار، لكن من المؤسف أن إدارة أوباما تتجاهل هذا الواقع.

في أول يوليو، صوّت المغاربة على مجموعة من التعديلات الدستورية التي اقترحها الملك محمد السادس. تضمن هذه التعديلات الجديدة مساواة كاملة بين الرجل والمرأة وتمنح حقوقاً للأقليات مثل البربر الذين يتحدثون باللغة الأمازيغية التي ستصبح الآن لغة رسمية أخرى إلى جانب العربية. كذلك، تعتبر هذه التعديلات أعمال التعذيب جريمة تستحق العقاب، كما أنها تؤكد استقلال السلطة القضائية ومنح السلطة التنفيذية لرئيس حكومة يتم اختياره من الحزب الذي يفوز بمعظم المقاعد في البرلمان.

لم ينجح خطاب الملك الذي أعلن فيه عن هذه التعديلات في لفت أنظار المجتمع الدولي كما فعلت التظاهرات الشعبية التي أسقطت النظامين في تونس ومصر بعد سنوات طويلة من الحكم، مع أن المغرب بلد يضم غالبية مسلمة في الشرق الأوسط، وقد أصبح الإصلاح فيه واقعاً ملموساً، لا مجرد شعار، لكن من المؤسف أن إدارة أوباما تتجاهل هذا الواقع.

جاءت الإصلاحات المغربية بعد سلسلة مفاوضات ومشاورات بدأت في شهر مارس، بعد سقوط الرئيس التونسي بن علي والرئيس المصري مبارك. لكن تجدر الإشارة إلى أن عملية الإصلاح كانت قد بدأت في مرحلة أبكر بكثير، حين خلف محمد السادس والده حسن الثاني على العرش في عام 1999. على مر العقد الماضي، نشطت أحزاب المعارضة وطالبت النظام الملكي بتنفيذ وعوده، ثم جاء ربيع العرب ليعزز مطالب الإصلاح. ستساهم التعديلات المقترحة في التمهيد لنشوء نظام ملكي دستوري في المغرب على غرار النظام القائم في إسبانيا. وبحسب بعض المحللين، فسيتنازل النظام عن صلاحيات أكبر من تلك التي كان ملك إسبانيا الإصلاحي خوان كارلوس مستعداً لتقديمها في البداية.

ومع ذلك، أمام المغرب طريق طويل قبل أن يتحول إلى نظام ديمقراطي بمعنى الكلمة، وبما أن الملك احتفظ ببعض الصلاحيات الأساسية لنفسه، فهو لايزال مسؤولاً عن المؤسسة الدينية والشؤون العسكرية. كما أنه احتفظ بدور الحَكَم الأعلى لحل جميع الخلافات داخل النظام. لكن بعد أن كانت السيادة في السابق محصورة في شخص الملك، ستساهم التعديلات الدستورية، في حال دعمها الناخبون، في توزيع السلطة وتحويل الأفراد إلى مواطنين يشاركون في ما يسميه الملك "نظاماً ملكياً مبنياً على المواطنة".

يشعر بعض المغاربة بالقلق من ألا يكون البلد مستعداً بعد لخوض هذه التجربة، وبحسب رأيهم، قد تؤدي الفجوة الكبرى القائمة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، التي تفتقر إلى طبقة وسطى فعلية للربط بين فئة الأثرياء وفئة المعدمين، فضلاً عن نظام التعليم الشائب، إلى إضعاف سياسة المغرب في وجه الديماغوجيين وداعمي حُكم الأقلية. لكن ستتألف معظم أطراف المعارضة من اليسار المتشدد واليمين الإسلامي، مثل حزب العدل والروحانية الذي يميل إلى مقاطعة الاستفتاء، لكن إذا كانت نسبة المشاركة منخفضة، فسيعود ذلك إلى اقتناع الناخبين بأن النتيجة محسومة أصلاً.

يصعب أن نفهم قلة اهتمام البيت الأبيض بما يحصل، فقد اكتفت الإدارة الأميركية بالتفوه ببضعة سطور على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية خلال إحدى الجلسات اليومية للوزارة. يستحق المغرب معاملة أفضل من واشنطن، كونه أول بلد اعترف بالولايات المتحدة في عام 1777 وهو على الأرجح أقدم شريك لها.

غير أن الأوروبيين، وتحديداً فرنسا وإسبانيا، أبدوا حماسة أكبر من البيت الأبيض بشأن التطورات الحاصلة في الرباط، وهو أمر منطقي نظراً إلى القرب الجغرافي والروابط التاريخية التي تجمع هذه الأطراف، ولا شك في أن الدول المستقرة قلّما تحتل الأولوية بالنسبة إلى واشنطن، نظراً إلى طبيعة ونطاق المسائل الأخرى التي تتولاها وزارة الخارجية الأميركية في ملف الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهذا الملف يشهد تقلبات مستمرة في جميع الأوقات، ولا سيما خلال الأشهر الستة الأخيرة.

لقد تحول الحماس الأوّلي تجاه الثورة المصرية إلى قلق شديد بما أن مصر كانت حليفة رئيسية للولايات المتحدة، ولكنها اليوم تستنزف الأموال وتشارف على مواجهة أزمة غذائية، وتكثر المؤشرات التي تدلّ على خروجها من المحور الأميركي، وفي ليبيا، التزم البيت الأبيض بمهمّة قوات حلف شمال الأطلسي بنيّة إثبات مدى استعداد الولايات المتحدة لدعم حلفائها الأوروبيين، لكن لم تدرك الأطراف المعنيّة أن امتناع واشنطن عن لعب دور القيادة يؤدي إلى إخفاق مهمّة التحالف. لقد أثبت القذافي أنه ليس مجرّد مهرّج بدوي لديه آبار نفطية، وبالتالي لا بد من وجود إرادة أميركية فعلية للمخاطرة بالامتيازات الأميركية التي أُهدرت سُدىً بسبب حملة عسكرية تفتقر إلى استراتيجية عسكرية أو سياسية واضحة.

وفي الشأن السوري، يبدو أن الإدارة الأميركية لا تملك ورقة ضغط كافية لمنع بشار الأسد من ذبح شعبه غير المسلّح، فهي ترفض المطالبة بتنحيه ولا تزال تأمل أن يطبّق الإصلاحات، وتعتمد واشنطن على منطق التفكير الآتي: من خلال الانقلاب على الأسد وإعلان عدم شرعية حكمه، سيبدي الأميركيون استعدادهم لتلقي العروض من أشخاص طموحين يسعون إلى الحلول مكان دكتاتور عربي أعلن عداءه للولايات المتحدة وحلفائها خلال العقد الذي حكم خلاله سورية. لكن بدل ذلك، تحث الإدارة الأميركية، عن غير قصد، على إقامة حوار وطني بين الرئيس السوري والمعارضين الذين تعرّض أبناؤهم لإطلاق النار في الشوارع.

وفي البحرين، سمح البيت الأبيض للمملكة العربية السعودية وقوات مجلس التعاون الخليجي التي نشرتها الرياض في المنامة، في شهر مارس، بالتغطية على نظام لا يحتاج إلى مساعدة خارجية لقمع مواطنيه. توشك البحرين على إطلاق حوار وطني خاص بها، وستعقد تحديداً جلسة برلمانية مهمّة حيث ستضطرّ المعارضة إلى طرح قضيتها عن طريق وسطاء موالين للنظام قبل أن تصل إلى صانعي القرار الحقيقيين في البلاط الملكي. لن يكون وليّ العهد الذي يحظى باحترام المعارضة جزءاً من الحوار الوطني كما حصل في بداية فصل الربيع، قبل أن تصل قوات مجلس التعاون الخليجي إلى البحرين. شرح عدد من أعضاء البرلمان الذين كانوا يزورون واشنطن سبب تغيّب وليّ العهد، فقال أحد النواب: "في ثقافتنا، من المعيب أن يكرر الأمر نفسه مجدداً بعد أن تمّ تجاهله في المرة الأولى". يمكن تقبل ذلك، لكن في هذه الحالة يجب أن يتوقف هؤلاء المسؤولين عن ادعاء الديمقراطية. تترافق السياسة الديمقراطية مع احتمال عدم تحقيق الأهداف المنشودة، بل غالباً ما لا تتحقق تلك الأهداف. إذا كان هذا الواقع يُعتبر إهانة، فلا وجود لأي حس ديمقراطي في ذلك البلد، حتى أنه لا يسير في اتجاه الديمقراطية.

في المقابل، يسير المغرب على طريق الديمقراطية فعلاً. لا وجود لأي نموذج محدد يمكن أن تبنيه الرباط كي تحذو الدول العربية الأخرى حذوها. بطريقةٍ ما، أدت إصلاحات المغرب إلى فصل البلد عن المنطقة عموماً وعن الأنظمة الملكية الأخرى، وعن المملكة العربية السعودية تحديداً. خلال الأشهر الماضية، سرت شائعات في أنحاء المنطقة مفادها أن الأموال السعودية ستتدفق على النظامين الاقتصاديين في المغرب والأردن مادام هذان البلدان يمتنعان عن الإصلاحات. بغض النظر عن صحة هذه الشائعات، يبدو أن المغرب بدأ يتبع مساره الخاص.

يسلّط الدستور المغربي الجديد الضوء على وجود صراع ثقافي في المنطقة، ويبدو أن هذا الصراع يفوق الأزمة الاستراتيجية التي حملت اسم الحرب الباردة السعودية- الإيرانية. في النهاية، تمثل الرياض وطهران الرؤية نفسها بالنسبة إلى المنطقة، وهما لا تختلفان إلا من حيث البُعد الطائفي المتمثّل بالانقسام بين السُّنة والشيعة. في حال غياب أي نمط عمل يشمل المنطقة ككل، أمامنا الآن على الأقل نموذج مصغّر على هذه المواجهة الأساسية، ما بين سياسة التعتيم والديمقراطية: يمكن اعتبار أنّ المواجهة قائمة بين المملكة العربية السعودية وإيران من جهة والمغرب من جهة أخرى. يُفترض ألا يصعب على الولايات المتحدة أن تختار الجهة التي ستنحاز إليها.

back to top