فنّان العرب محمد عبده... (2-4): توقُّف ثم عودة... ورحلة نجاح مع كبار الشعراء

نشر في 02-08-2011 | 22:02
آخر تحديث 02-08-2011 | 22:02
تتابع «الجريدة» في الحلقة الثانية رصد تاريخ الفنان الكبير محمد عبده وأهم خطوات مسيرته ومراحله الفنية التي أثرت المكتبة الغنائية العربية بروائع خالدة تتربى على هديها الأجيال.

يزخر رصيد الفنان محمد عبده بأغنيات ناجحة، ويندر أن نجد له أغنية أو ألبوماً غنائياً لم يحقّق نجاحاً وسمعة كبيرة، ومن أبرز أغانيه الناجحة: «لا تردين الرسايل»، «ليلة ليلة»،  «أيوه»،  «قلبي عليك ملتاع»، «المعازيم»، «سمعة الدنيا»، «لا تجيني»، «ردي السلام»، «كلمة الصوت»، «كفاني عذاب»، «البراقع»، «الأواشي»، «اختلفنا»، «الليالي»، «يا صاحبي»،  «لورا»،  «مساء الخير»، «على البارا»، «جمرة غضا» وهذه الأخيرة من كلمات الشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن ويقول فيها:

جــمـــرة غــضــا  

أضمــهــا بـكـفـــي

أضـمـهـا حيـل  حيـل

أبـي الـدفــا  

لـو يـحـتــرق كـــفـي

وأبــي ســفــــر لليــل

في أغنية «مركب الهند» (مطلع السبعينيات) تعاون عبده للمرة الأولى مع الشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن، وهي من أشهر أغنياته، بعد ذلك حفل التعاون بينهما بكمّ من الأغنيات الرائعة من بينها: «يا سيدي»، «حسايف»، «صوتك يناديني»،  «أبعتذر»، «المسافة»...

على رغم أن الأغنيات التي غناها عبده من كلمات الأمير محمد عبدالله الفيصل كان عددها محدوداً إلا أنها لاقت الانتشار، من بينها: «لا تحاول حبيبي» و{مدها يمناك».

طارق عبدالحكيم

كان للفنان السعودي الرائد الموسيقار طارق عبدالحكيم (صاحب الدور الكبير في نهوض الأغنية السعودية) الأثر البالغ في مسيرة عبده، ومن الأغنيات المتميزة التي جمعت بينهما: «لا تناظرني بعين»، «أسمر عبر»، «ترحب بغيري». كذلك، اجتمع فنان العرب مع الملحّن سراج عمر في أغنيات من بينها: «يا حبيبي آنستنا»، «مرتني الدنيا»، ومع  محمد شفيق في: «هلا بالطيب الغالي»، «أنا حبيبي»، «بالمحبة»، ومع سامي إحسان في: «أنت محبوبي»، «مالي ومال الناس»، ولا ننسى أغنية «البرواز» للشاعر الأمير عبدالرحمن بن مساعد، وألبوم «العنا» الذي صاغ كلماته الأمير سعود بن عبدالله.

يقول عبده عن تعاونه مع الأميرين بدر بن عبدالمحسن وخالد الفيصل: «نحن من جيل واحد ساهمنا إلى حدّ بعيد في تكوين شكل الأغنية السعودية ووجهها الحقيقي الذي عرفت به في الخارج. لا أنكر جهود المؤلفين والملحنين في تطوير الأغنية في السعودية، لكنها لم تأخذ قيمتها كقيمة حقيقية إلا في بداية السبعينيات من خلال تعاوني مع سمو الأميرين خالد وبدر، فاستطعنا إبراز شكل الأغنية السعودية».

بداية الانتشار جماهيرياً

بدأ الفنان محمد عبده الغناء في سن مبكرة جداً وأخذ صوته ينضج وتتحدد ملامحه في أوائل السبعينيات واستمرّ على هذا المنوال  في ما بعد. قبل هذه المرحلة عاش مرحلة مخاض وكان صوته يتأرجح ولم يستقرّ على نمط واحد.

بدأت شهرته الحقيقية في المملكة العربية السعودية عندما غنى أغنيته الشعبية  «لنا الله»،  أما أول أغنية اشتهر بها خليجياً فهي «أبو شعر ثائر» (1965).

بعد عودته من رحلته إلى دولة الكويت (1965) التقى محمد عبده شاعر الروائع خالد الفيصل وأثمر اللقاء أغنيات من بينها: «أرفع ستار الخجل» و{كفاني عذاب» (1968) واستمرّ التعاون بينهما إلى أغنية «المعاناة» وهي آخر ما قدماه معاً. يقول عبده عن الأمير الشاعر خالد الفيصل:

«يعتبر الأمير الشاعر خالد الفيصل الدينامو والمحرّك للشعر الشعبي النبطي. فالمغني الذي يريد أن يكون على الساحة لا بد من أن تكون له وقفة مع قصائد خالد الفيصل أو يتشبع بألوان خالد الفيصل، إنه  محطة لا بد من أن يتوقف عندها الفنان الحقيقي».

بداية انتشاره عربياً كانت في أغنية «لا تردين الرسايل» (1974)، ثم عرفه الجمهور في أغنيته «يا مركب الهند»، لكن الانتشار الأوسع كان من خلال أغنية «إبعاد»، كلمات الشاعر فايق عبدالجليل وألحان يوسف المهنا، ثم أغنية «أيوه قلبي عليك ملتاع» وأعمال أخرى، ويوماً بعد يوم صعد نجم عبده في الفن إلى أن أصبح نجماً.

مرحلة السبعينيات

شهدت فترة السبعينيات سلسلة نجاحات لفنان العرب على مسارح:  الكويت، قطر، الإمارات، مصر، لبنان حيث الانطلاقة الأكبر، هكذا أصبح محمد عبده سفيراً للأغنية السعودية، وتطوّرت الحال إلى أن أصبح سفيراً للأغنية الخليجية ثم للجزيرة العربية كلّها بعدما غنى ألواناً غنائية من المملكة والخليج العربي والجزيرة العربية، خصوصاً بعدما تعرّف إلى الأمير الشاعر خالد الفيصل وغنى من شعره قصائد نبطية من بينها: «يا صاح»، «أيوه»، «سافر وترجع» وغيرها، وقد أدخل محمد عبده معها ألواناً أخرى مثل السامري في إيقاعات رائعة جداً وتميزت بكلمات انتشرت خارج نطاق الجزيرة العربية بعدما انتشرت داخلها، فأخرجت محمد عبده من نطاقه العربي إلى  إيران واليونان وتركيا ودول أوروبا...

خلال السبعينيات خاض عبده تجربة الأغنية الطويلة مع الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن في أغنيات: «في أمان» و{الرسايل» التي قدمها على مسارح القاهرة (1974)، «خطأ»... وقد حققت هذه الأغنيات نجاحاً منقطع النظير. كذلك تعاون مع سامي إحسان في أكثر من أغنية من بينها: «سهر»، «قلب تلوعه»، «أنت محبوبي»، «مالي ومال الناس».  شهدت تلك الفترة أيضاً تعاون محمد عبده مع الملحن السعودي محمد شفيق في أغنيتي: «يقول المعتنى»،  «آه وآهين»، الذي يعتبره عبده أكثر الملحنين ثقافة وتعاوناً معه من خلال مجموعة من الأغنيات من بينها: «أنت محبوبي» و «مالي ومال الناس».

رحلة صنعاء

سافر عبده إلى صنعاء لمشاركة جمهوره في اليمن احتفالات اليوم الوطني لليمن (1976)، فقدم له الملحن اليمني محمد مرشد ناجي أغنية «ضناني الشوق» من كلمات الشاعر مهدي حمدون ونفذ عبده توزيع الموسيقى بمختلف الآلات الحديثة، وعندما نصحه محمد مرشد ناجي بعدم المخاطرة كون الجمهور اليمني يتقبّل العود والإيقاعات فحسب ويرفض الآلات الموسيقية الأخرى، أصرّ عبده على خوض هذه التجربة التي حققت نجاحاً كبيراً.

وفي نهايات السبعينيات قدم عبده أغنيات قصيرة تعاون فيها مع مجموعة من الملحنين وقدّم مجموعة أخرى من ألحانه من بينها: «فمان الله»، «شفت خلي»، «خطأ»، «هيَّا معي»، «ردّي سلامي»، «أيوه» وغيرها.

في الثمانينيات تعاون عبده مع الملحن الدكتور عبدالرب إدريس الذي قدّم له أغنيات من بينها: «محتاج لها»، «جيتك حبيبي»، «أبعتذر»، «كلك نظر»...

في الثمانينيات

أصدر عبده ألبوم «وهم» (1988) تضمّن أغنيات قدمها في حفلة ناجحة في جنيف وحقق نجاحاً وانتشاراً وأرقاماً قياسية في التوزيع. كذلك تعاون مع الأمير الشاعر محمد بن راشد في شريط «يا مرحبا يا معنّى» وأدى  «السحاب» (1988) أغنية وطنية من كلمات الأمير عبدالمحسن لمناسبة افتتاح درّة الملاعب «ستاد الملك فهد بن عبدالعزيز}. بعد ذلك قدّم أوبريت «مولد أمه» لمهرجان الجنادرية (1989)، ثم نشيدي «الله البادي» و{مجد بلادي».

التوقّف عن المشاركات الفنّية

اعتزال فنان العرب محمد عبده حكاية لم نصدّقها، لأن الفن عشرة وتشرّب واندماج ولا يمكن الانفصال عنه، كل ما في الأمر أنه كان في حاجة إلى الراحة والابتعاد لالتقاط الأنفاس وإعادة الحسابات، مع ذلك بقي يتواصل مع الجمهور من خلال المهرجانات الوطنية، كذلك طرح في الأسواق ألبوم «شعبيات» تلبية لأذواق الأشخاص الذين يحبون سماع الألوان القديمة التراثية.

فالانقطاع هو تواصل إذا وضعت في حسابك أن الجمهور سيفتقدك ويشتاق إلى أعمالك.

وفي حوار معه في جريدة «الأنباء» الكويتية (العدد 8186) أوضح عبده  هذا التوقّف بقوله:

«لم يكن اعتزالاً كما ورد عبر الصحافة الفنية بل هو احتجاب عن المسرح والظهور الفني المكثف، وتلك  الفترة التي توقفت فيها عن المشاركات هي فرصة لمراجعة ما قدمته وماذا ستكون عليه المرحلة المقبلة في حياة الفنان، خصوصاً إذا كان مخضرماً، إذ يجب أن يجدد ويقدم الألوان التي تتناسب مع الأذواق، ولقد عايشت ثلاثة أجيال وبات من الضروري التوقف للمراجعة والتفكير والتجديد في حدود اللون بشكل لا يضرّ بالقالب الغنائي الذي تبنيته وفي الوقت نفسه يخدم الحركة الحديثة في تطوير الفن».

ومنذ غزت جيوش طاغية بغداد أرض الكويت (1990)، تفرغ الفنان القدير محمد عبده لتقديم أعمال غنائية وطنية، بعدما أصابت هذه الكارثة كل مواطن عربي شريف ودفعت الجميع إلى معايشة هذه الأحداث بألم وحزن وقلق وكل المعاني الإنسانية.

وخلال فترة الاحتلال العراقي للكويت قدّم عبده أغنية وطنية عن الكويت من ألحانه وكلمات الدكتور غازي القصيبي يقول فيها:

كــويـــت

يـــا كـــويــت

يــا وردة صغيـــــرة قـد صـدّت بعطـرهــا اللـــئــام

أقــــســمــت يـــا كــويـت... بــرب هـذا البيــــت

سـتـــرجـعـن

مــن خــنـادق الــغــزاة

يقول عبده عنها: «أغنية رائعة كروعة الحياة وهي جميلة جداً وقصيرة في الوقت نفسه وقدمتها على أساس أنها أغنية للكبار ففوجئت بأنها أصبحت أغنية يرددها الأطفال».

وبعد التحرير زار عبده الكويت مرات عدة وشارك في حفلات أقيمت لمناسبة احتفالات: العيد الوطني والتحرير وهلا فبراير، وقدم أغنية وطنية جميلة ومعبّرة  عن الكويت بعنوان «باركي يا كويت» من ألحانه وكلمات سعود سالم.

في عام 1991 الذي أعقب إعلانه الاعتزال، قدّم عبده مجموعة من الأغاني الوطنية الناجحة تقدر بحوالى 15 أغنية، دعماً للمجهود الحربي في ذلك الحين عندما كانت القوات المسلحة السعودية مع الأشقاء والأصدقاء ترابط على حدود السعودية الشرقية استعداداً لتحرير دولة الكويت...

وعن أثر هذه التجربة في حياة محمد عبده الإنسان قال: «جعلتني أعرف قدر المشقة التي يعانيها المقاتل في الجبهة على رغم أننا مارسنا نموذجاً بسيطاً من حياة الجندية، وهي ليست مقياساً للجندي المرابط على الجبهة لكنها أوضحت قيمة الجهاد والصبر والعطاء الذي يقدمه الجندي للوطن.

ولا شك في أن إحساسي بأي أغنية وطنية اختلف كثيراً بعد هذه التجربة، ولدي شعور بأنه إذا حدث شيء - لا قدر الله - سأترك العود فوراً وأحمل السلاح».

كذلك صرّح لدليل التلفزيون (عدد 379) في 29 فبراير 1991 بقوله: «عشت فترة الاحتلال العراقي لدولة الكويت وأنا في غاية الحزن والألم. كيف أغني والقلب كان مجروحاً، وهل كانت لدى أي فنان القدرة على الغناء وسط هذه الظروف والأحداث المؤسفة التي مرت بها منطقة الخليج بسبب جهل الزمرة الحاكمة في العراق وتخلّفها؟... شيء يجعل الإنسان يشعر بالأسى والخجل مما حدث أن يقوم عربي بالتخريب والغزو والسلب والنهب، لشعب عربي آخر».

عودة إلى الغناء.

بعدما كان محمد عبده في وضع مراقب للساحة الفنية عن كثب قرر العودة إلى جمهوره بعد إحساسه بتعطّش الأخير إلى أعمال غنائية متميزة. ففي عام 1992 كان أول ظهور له بعد غيبة عن المسرح في أوبريت مهرجان «الجنادرية 6»، من كلمات الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن وألحان محمد شفيق بمشاركة الفنان القدير طلال مداح.

وفي العام نفسه طرح عبده في الأسواق أشرطة تتضمن أغنيات قديمة مطورة أو من الفولكلور السعودي، إضافة إلى طرح المؤسسة الفنية التابعة له أشرطة سبق أن سجلها قبل أزمة الخليج.

ومن الأغنيات التي تضمّنتها الأشرطة: «يا غايبة» أدّاها على العود في جلسة فنية، أغنيتان من كلمات الأميرين بدر بن عبدالمحسن وخالد الفيصل وجميعها من ألحان عبده، بالإضافة إلى «أراعيك» من كلمات الشاعر الكويتي فايق عبدالجليل وألحان عدنان خوج.

بعد عامين من الاحتجاب عن الساحة الفنية، شارك عبده في مهرجان الجنادرية (1992) من كلمات الأمير بدر بن عبدالمحسن وألحان محمد شفيق بمشاركة الفنان طلال مداح...

عام 1993 سجل عبده أغنية رائعة من ألحانه وكلمات بدر شاكر السياب بعنوان «أنشودة المطر»، يقول فيها:

عـيـناك غـــابـــتـــا نـخــيــــل

ســـاعــة الــــسـحـر

أو... شـــرفـــتـــان

راح يــنــأى عنـهمـا القـمــر

عيـــنــاك حيـــــن تبســـمــان

تـــروق الــكــروم

وتـــرقـص الأضـواء كالأقـمــار

فــــــي نــــهـــر

عام 1995 قدم عبده ألبوماً سامرياً عدنياً يضمّ ست أغنيات صاغ ألحانها عبده بنفسه ومن كلمات الشعراء: خالد الفيصل في أغاني «سايق الخير» و{سحايب» و{معك التحيّة»، برق الحيا في أغنية «يا حبيب الروح»، نجدية في أغنية «لو تخليت»، سعود بن عبدالله في أغنية «فكره». يقول مطلع «سايق الخير»:

ســـايــــق الـخـيــر

ســـاقــــــك يــــم عــاشــق جـمـالـــك

لـــو تــأخــرت ابــا صبــــــر

لـــو هــي الفـــيـن عــام

اســـفــرت وانــورت

مـــــــن يـــــوم شــعــشـع جمـالـك فـــز قــــلــبي لــفـزك

يـــا ظـــبي الـعـدام

ومطلع «سحايب»:

سـحـيـب يـا سـراة أبــهـا تـعــدي شـمال

واسـتــعــيــري دمـوعــي

ســـيـــلـــي كــل وادي

غـــطـى أرض الـحبــــيـــــب

بـــالــــنـدى والــجـــمــــال

مـــثـــل مـا هــو مـــنــدى بـــالـمـحـبـــة فــؤادي

ومطلع «معك التحيه»:

مـعـك الـتـحـيـه

يا نـســيـــم الجـنـوبـي

ضـم بحـنانـــي

لــيــن الســعـــود ثــلاب

بــالـهـون صـنـه

يـالــطـيـف الـهــبــونـي

لا تـزعج عــيـون

شـكــت طول الأهـداب

back to top