لوليتا لفلاديمير نابوكوف... شمعة روائيَّة لا تنطفئ

نشر في 28-02-2012 | 00:01
آخر تحديث 28-02-2012 | 00:01
No Image Caption
صدرت عن «دار الجمل» في بيروت ترجمة جديدة للرواية الشهيرة «لوليتا» لفلاديمير نابوكوف بتوقيع خالد الجبيلي، تأتي بعد سلسلة ترجمات بالعربية للرواية نفسها التي باتت من أشهر الكتب في العالم وبيع منها أكثر من 50 مليون نسخة.

تعود جذور رواية «لوليتا» إلى قصة قصيرة بعنوان «الساحر» كان كتبها نابوكوف بالروسية ولم ينشرها قط. (ثمة من اتهمه بسرقتها من قصة أميركية). و{لوليتا» هي روايته الثانية عشرة، والثالثة بالإنكليزية، وهي الوحيدة التي استحقت في نظره الترجمة إلى اللغة الروسية عام 1967، إذ تجلّى فيها معظم تقنياته الروائية، إضافةً إلى مسألة اهتمامه بالفن كموضوع رئيس.

تروي «لوليتا» قصة حب رجل ناضج لمراهقة (لوليتا)، وقد اختار نابوكوف لسرد تفاصيل هذا العشق صوتاً صاخباً للبطل. فنجد صوت همبرت (بطل الرواية) تارة متباهياً، وطوراً مبرراً لما يفعله. أحياناً، يحاول الإقناع بسلامة هذا العشق، ويأتي صوته أحياناً أخرى بصوت المتهم المتبجح بالإنكار. لكن هذه الفخامة في صوت همبرت تتلاشى عندما يكتشف أن لوليتا فضلت عجوزاً آخر.

لوليتا في نظر هامبرت هي حورية وجنية، ملاك حارس يعيش في لاشعور الذكر الغريزي. يحاول هامبرت أن يقنعنا بأنه ما كان له من سبيل لتجاوز مراهقته المزمنة ولاكتمال نضجه، إلاّ من طريق استغلاله براءة لوليتا، ولا يحاول إخفاء شعوره بالندم والأسى على طفولتها الضائعة. فهو يعترف في نهاية الرواية بأن الشعور المرير الذي ينتابه ليس سببه غيابها عنه بقدر ما هو غياب صوتها عن محيطه، ومن اللحن الوحيد الذي يتناهى إليه من شوارع المدينة: ألا وهو صياح الأولاد.

عواطف

جاء في تقديم الرواية أن لوليتا إذا نظر إليها من الزاوية الروائية الصرف، تلقي الضوء على مواقف وعواطف ستظل في عين القارئ على غموض لا يحتمل إذا رويت بطريقة جانبية مواربة تفقدها رونقها. فمن خلال هذه التجربة الشخصية الموجعة التي تجسدها هذه الرواية يبرز درس عام وعبرة جامعة. هذه الطفلة المتمردة، وتلك الأم الأنانية، وهذا المأخوذ المبهور اللاهث... ليسوا فحسب أشخاصاً ملونين في مأساة شاذة، إنهم يحذرون من نزعات خطرة، ويكشفون عن انهيارات أخلاقية مرعبة.

إذا اعتبرت لوليتا مجرد رواية، فإنها تتناول مواقف ومشاعر سيظل الغموض يكتنفها على نحو يثير السخط لدى القارئ، لأنها تنطوي على تعابير بهتت وفقدت بريقها بسبب المراوغات التافهة والمبتذلة. اللافت عدم وجود عبارة نابية واحدة في الرواية كلها، فإن القارئ غير المثقف الذي تتنازعه التقاليد المعاصرة الحديثة في تقبّل طائفة كبيرة من الكلمات البذيئة في رواية مبتذلة، سيصدم تماماً لعدم ورود مثل هذه الكلمات هنا.

بدأ نابوكوف كتابة الرواية في نهاية سنوات الأربعينات وكان يعلم عندما انتهى منها بأنها ستثير مناقشات وجدلاً في الساحة الأدبية في أميركا آنذاك، وقد فكر بنشرها في البداية باسم مستعار كي لا يشوه سمعة الجامعة التي يعمل فيها، وأرسل في يناير عام 1953 مخطوطة الرواية التي تألفت من 450 صفحة إلى مطبعة «فاكنك» في مدينة نيويورك. حينها، أخبروه أن كتاباته رائعة، لكن الناشر الذي سيقبل بنشرها سيجازف بشيئين: إما بالغرامة المالية أو بالسجن. هكذا، فشل في نشر الرواية في أميركا بعد مروره على خمس مطابع أميركية أخرى رفضت نشرها. بعدها سافر نابوكوف الى فرنسا لنشر الرواية في باريس وقدم روايته إلى دار «أولمبيا»، حيث نُشرت باللغة الإنكليزية في باريس بعدما وقع نابكوف عقداً مع المطبعة ونشرت «لوليتا» باسمه الحقيقي وظهرت في المكتبات الفرنسية عام 1955. منعتها الحكومة الفرنسية عام 1956 من المكتبات، ثم رفع الحظر عنها بعد سنتين، ونشرت في الولايات المتحدة الأميركية عام 1958.

يعتبر مقدم الرواية أن أهمية «لوليتا» من الناحية الأخلاقية بالنسبة إلى القارئ الحصيف، ستظل أهم من قيمتها العلمية أو الأدبية. وتقبع في هذه التجرية الشخصية المؤلمة عبرة عامة. فالطفلة المتمردة والأم الأنانية والمهووس اللاهث شخصيات تحذرنا من نزعات خطيرة، وتبرز لنا شروراً مريعة. يجب أن تجعلنا الرواية جميعاً آباء ومربّين ومرشدين اجتماعيين، أكثر حذراً ووعياً كي نربي وننشئ جيلاً أفضل في عالم ينعم بمزيد من الأمن الطمأنينة.

ثمة من ينظر إلى «لوليتا» اليوم على أنها رواية سيكولوجية تغور جذورها في نماذج من القرن التاسع عشر، أو أنها رواية بوليسية فيها من الأعراف ما يعود تاريخه إلى زمن إدغار ألن بو، وقد اقتبسها مخرجو السينما ودخلت القصة السينما من أوسع أبوابها مرتين: استخدمها المخرج ستانلي كوبريك عام 1962، والمخرج أدريان لين عام 1997.

معروف أن نابوكوف كان روسي الأصل، ولد في سانت بطرسبورغ ابناً لعائلة ارستقراطية، اضطرتها الثورة البولشفية إلى مغادرة روسيا، بعدما كان للأب دور في ثورة فبراير 1917 «كيرنسكي». نال لاحقاً، إلى جانب شهرته ومكانته في عالم الأدب، الجنسية الأميركية، إضافة إلى اعتراف بكونه عالماً من مكتشفي أصناف الفراشات، بل إنه اكتشف فراشة بنفسه وتحمل اسمه حتى اليوم.

يمكن القول إن لوليتا شمعة روائية لا تنطفئ.

back to top