حكايات الفاجومي (5): يرويها أحمد فؤاد نجم.. انتظرتُ الثورة في ميدان التحرير 34 سنة
يكمل الشاعر أحمد فؤاد نجم في الحلقة السادسة من حكايات الفاجومي سرد قصة كفاحه وشعره الذي كتب أجمله وأهمَّه في سجون نظام الرئيس السابق أنور السادات، الذي خرج المصريون في يناير أيضاً ضدّه عام 1977. آنذاك ذهب شاعرنا وسط الناس وتوقّع معهم الانتصار من دون أن يعرف أن ذلك سيحتاج من عمره المديد الى 34 عاماً لكي يتحقّق، الأمر الذي جعله يعتقد بأنه انتظر الثورة المصرية في ميدان التحرير 34 عاماً على الأقل، يكتب ويسجن ويعزل ويواجه بشعراء أقل منه موهبة لكي لا تصل كلماته إلى الناس الذين ردّدوا أشعاره في كل مكان من أرض مصر.
كنت أشتم السادات دائماً، وأهجوه في شعري، لدرجة أنني وصفته بالخائن، بسبب مواقفه السياسية، والوضع الاقتصادي الذي عايشته ومعي ملايين المصريين خلال حقبة السبعينيات من القرن العشرين، لذلك كان طبيعياً أن يقول عني إنني شخص بذيء، وأن يصف شعري بالرديء، لأنني كنت أهجوه من دون أية رحمة أو اعتبار، أهجو وأذم وأشتم من دون خوف أو ملل، الجميع يعرف أنني لم أكن أؤمن بالرقابة على الكلام أو الأكل أو الشرب أو الإبداع، هكذا أنا، أعمل وأتكلم كما أريد، ودفعت الثمن 18 عاماً من حرّيتي، وهكذا لم أتنفَّس طوال فترة حكم السادات (11 سنة) سوى عامين اثنين فقط.لكنّي كتبتُ أشعاراً في السجن، مثل قصائد: «اتجمعوا العشاق في سجن القلعة»، «صباح الخير على الورد اللي فتح في جناين مصر»، و{لما تهل البشاير في يناير كل عام»، والأخيرة تحديداً كتبتها أيام السادات، الذي تعوّد المصريون منه في يناير من كل عام ضربة أمنية استباقية، يتم فيها القبض على المعارضين من دون أي سبب. وبصراحة، كان الأمن خلال فترة السادات يتخلّص من المعارضين بالقتل في أي مكان. ذات مرة أرادوا قتلي بفرقة يقودها الضابط ثروت قداح، فوجئت بضربات جشعة على الباب، فناديت على الجيران والأهل والأصدقاء، يا محمد، يا أبو سمية، يا أم حسين، يا كرم، حوّشوا الحرامية جايين يسرقوكم، فقال لي الضابط «طول عمرك معلم يا نجم» وانصرف وسط رجاله.بيان هامالآن، أتكلّم وأذمّ وأشتم الزعماء والسياسة كلّها على راحتي، ولا أخاف من أحد، أنا حرّ في كل تصرفاتي، تعلّمت العناد من أمي رحمها الله، وقد كانت كريمة معي فعلّمتني «اللماضة» أيضاً، في هذه الفترة كتبتُ أغنيات «شعبان البقال»، «بوتيكات»، «توت حاوي»، و{حلا ويلا»، إلى أن وجدت نفسي أُساق مجدداً إلى السجن، فجر يوم الخميس 2 يناير 1975، أنا وزوجتي الكاتبة صافيناز كاظم وابنتي نوارة ـ كان عمرها آنذاك 14 شهرًا ـ لننتقل بعد ساعات إلى معتقل القلعة، وذلك بسبب قصيدة «فاليري جيسكار ديستان» التي كتبتها ساخراً من زيارة قام بها الرئيس الفرنسي ديستان إلى مصر عام 1975، وكانت بمثابة المسودة الأولى لقصيدة «بيان هام»، التي حوكمت بسببها أمام المحكمة العسكرية المركزية، فقد قدّمت فيها صورة السادات على رغم أنني لم أذكر اسمه في القصيدة مباشرة، إلا أنني رسمته في حركاته وملامحه، ورأيته يتكلّم كثيراً ويكذب كثيراً.قلتُ:«هنا شقلبان/ محطة إذاعة حلاوة زمان/ لأن المخبي ظهر واستبان/ وكل المسائل بدت للعيان/ وطلعت حكاوي/ ونزلت كمان/ عن التهريبة/ وعن كيت وكان/ وعن محسوبية/ وعن ألعبان/ ظهر في المدينة/ كأنه طوفان/ وغرَّق مراكب/ وسوّح غيطان وبعض المراكب/ ح تغرق كمان/ وأزمة مساكن/ وأزمة أمان/ وعالم بياكل/ في عالم جعان/ وريحة مؤامرة/ في جو المكان/ مخطط خيانة/ مع الأميركان/ لدبح العشيرة وحرق الجيران/ وفيه ناس بترغي/ ولازم بيان».الفكرة هي أن الوطن أصبح في خدمة مَن، الوطن ملك الدولة وهو وطن «شيك» يرتدي بدلة بكرافتة، وقاعد على ترابيزة ماسك شوكة وسكينة ويشرب عصير ليمون، هذا موضوع مختلف، شرط من شروط السلام هو الانفتاح، وإذا كان العدو يضع شرطاً عليَّ فيجب ألا أحسن النية في نوايا هذا العدو، العدو هو أميركا، والعدو إسرائيل، والعدو هو قوى تبحث عن استغلالي، استغلال ثرواتي، ولازم يعني يبقى لي رأي في اللي يتم، فقلت:«يعيش الغلابة في طيّ النجوع.. نهارهم سحابة وليلهم دموع.. سواعد هزيلة لكن فيها حيلة.. تبدر تخضَّر جفاف الربوع.. ده كان شغله كايله ما يتعبش دايرة.. لا ياكل ولا حتى يقدر يجوع.. يا غلبان بلدنا يا فلاح يا صانع.. يا شحم السواقي يا فحم المصانع.. يا مُنتج يا مبُهج يا آخر حلاوة. .يا هادي يا راضي يا عاقل يا آلة.. ما تتعبش عقلك في شغل السياسة.. وشوف إنت شغلك بهمة وحماسة.. وعود عيالك فضيلة الرضا.. لأنه إحنا طبعاً عبيد الله.. ورزقك ورزقي ورزق الكلاب.. دا موضوع مؤجل ليوم الحساب».الأمر الذي يعني أن نتائج الانفتاح بدأت تؤتي ثمارها، لتكشف حقيقة الاتجاهات الاقتصادية الموجودة، التي لم تجلب الخير كما كان يُظن، بل جلبت الاستغلال وأصبحت المعارضة تشتد وتقام التظاهرات وسط تفاقم الأزمات الاقتصادية.18 و19 ينايرفي هذا المناخ المليء بالحركة والنشاط والحيوية والذي شهد تظاهرات شبه يومية، وصدامات ما بين جحافل الأمن المركزي والشباب الذي كان يُصر على الخروج إلى الشارع للتعبير عن رأيه، وتبليغ رسالته إلى الجماهير، ومحاولات الأمن فضّ الاعتصامات الطلابية في الجامعة، في هذا المناخ المحتدم، والذي شهد أيضاً انفجارات في المناطق العمالية واعتصامات عمالية، خرجت تظاهرات الثورة الشعبية أو الانتفاضة الشعبية في 18 أو 19 يناير، آنذاك الناس لم تكن تجد ما تأكله حتى «العيش الحاف»، بينما كان الكثير من الخير لدى الناس التانية، الأغنياء، يعني كان هناك إحساس عميق بأن ثمة فوارق اجتماعية كبيرة جداً بين الفقراء والأغنياء، لذلك حجم التظاهرات كان مفاجأة حتى لأشد الناس تفاؤلاً من المثقفين، لأن حجمها فاق كل التخيلات على مستوى مصر كلها، وفاجأ القيادة وفاجأ الساسة الموجودين، وفاجأ التيارات السياسية التي بدأت تتكون في شكل المنابر، التي كان أعلنها الرئيس السادات، ومهما كان السجن ومهما كان السجان ومهما كانت الأسوار كانت هناك حركة كبيرة في الشارع المصري، والشعور كان أننا نستطيع أن نفعلها، «رح نقدر نتغلب على ده، ده بالتأكيد حس التحدي اللي كان عند الناس في التحرير بعدها بأربعة وثلاثين عاماً، حيث انتصرنا أخيراً في نهاية الطريق».ساعتها وضعونا في سجن القلعة، الذي كان لا يزال يستقبل العشاق، وكانت التهمة جاهزة في كل الكتالوجات والقضايا التي حاولت الحكومة أن تضرب بها أي حركة مقاومة رافضة للسياسات، هي تهمة قلب نظام الحكم، يعني «كما لو كان نظام الحكم ده معدول والناس دي بتحاول تقلبه، ما يعرفوش إن الانقلاب اللي حصل حصل في نظام الحكم من زمان، من قبل كدا بفترة طويلة، قبل الطلبة ما تطلع وقبل الناس ما تطلع في عام 1977، كان فيه انقلاب حاصل وأصبح النظام ضد الشعب».قلتُ:«صرَّح مصدر قال مسؤول/إن الطب تقدم جداً..والدكتور محسن بيقول:«إن الشعب المصري خصوصاً من مصلحته يقرقش فول..حيث الفول المصري عموماً يجعل من البني آدم غول..قالوا الفخدة بربع جنيه والدكتور محسن مسؤول..يدّيك طاقة وقوة غريبة، تسمن جداً تبقى مهول..لحمة نباتي ولا فلحاتي تاكل قدرة تعيش مستور..».وفي يوم كنت داخل زنزانتي أتابع العرض العسكري يوم 6 أكتوبر سنة 1981 من خلال راديو صغير، وصوت المذيع صبري سلامة رحمه الله يقول: «طائرات الفانتوم مفاجأة العرض»، قلت: «يسمع منك ربنا يا صبري»... وبعد أقل من ثانية واحدة سمعت صوت طلقات الرصاص والباقي معروف، السادات مات.«كل ما تهل البشاير»:كل ما تهل البشايرمن يناير كل عام،يدخل النور الزنازنيطرد الخوفوالظلام،يا نسيم السجن ميِّلع الشجر وارمي السلام،زهَّر النوَّاروعشش في الزنازين.. الحماممن سكون السجنصوتينبض قلبيمن تابوتيبيقولولك يا حبيبتيكلمتيمن بطن حوتيسلمي لي ع الحبايبيا حبيبتيسلمي ليكل حبوله نصيبه من سلاميبلغي لياحضني العالم عشانيبين عيونكوابعتي لينظرةمنها أشوف حبايبيوأشفي قلبيواسأليليكل عالم في بلدناكل برج وكل مدنةكل صاحب من صحابناكل عيل من ولادناحد فيهم شاف علامةمن علامات القيامةقبل ما تهل البشايريوم تمنتاشر ينايرلما قامت مصر قومةبعد ما ظنوهانومةتلعن الجوع والمذلةوالمظالموالحكومة؟سلمي لي ع الولاد السمرخضر العمرفي عموم الحواريسلمي لي ع البناتالمخطوبين في المهدلسرير الجواريواسأليلي بالعتابكل قاري في الكتابحد فيهمكان يصدقبعد جهلبعد موتإن حس الشعب يسبقأي صوتهى دي مصر العظيمة..«اتجمعوا العشاقفي سجن القلعة»:اتجمعوا العشاق في سجن القلعة... اتجمعوا العشاق في باب الخلقوالشمس غنوة من الزنازن طالعة... ومصر غنوة مفرعة في الحلقاتجمعوا العشاق بالزنزانة... مهما يطول السجن مهما القهرمهما يزيد الفجر بالسجانة.. مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر.اتجمعوا والعشق نار في الدم... نار تحرق الجوع والدموع والهمنار تشتعل لما القدم ينضم... لما الأيادي تفور في لم اللحمواللحم متنتور في رملة سينا... والكدب بيحجز على أياديناقدم العدو غارسة في لحم ترابي... والكدب عشش مخبرين على بابيوالمخبرين خارجين كلاب سعرانة... بيجمعوا العشاق في الزنزانة.مصر النهار يطلقنا في الميادين... مصر البكا مصر الغنا والطينمصر الشموس الهلَّة من الزنازين... هالة وطارحة بدمنا بساتينمصر الجناين طرحة مين يقطفها... مصر الجناين للي يرفع سيفهامهما يطول السجن مهما القهر... مهما يزيد الفجر بالسجانةمين اللي يقدر ساعة يحبس مصر.«نوّاره»:نواره بنتي النهاردة تبقىبتخطى عتبهليوم جديديارب خلّييارب حافظ يارب باركيارب زيديارب كبّرنواره تكبروتبقى أكبرفي كل عيدلأ كل جمعةلأ كل يوملأ كل ساعهلأ كل لحظهتنول وتحظىوتزيد نباههوتزيد ملاحظهوتحظى مصر السعيدة بيهمويبقوا ليهاوتبقى ليهمغيطانها جنهوترابها حنهوالنسمه خمرهف قزازه حمراوالنيل نجاشيمافيش ما جاشيتمللى بيجيأخضر مليجيدايما يوفيدايما يكفّيكل الخلايقيصبح صباحهفلاحُه يمشيكل شطُّه عايقوالدنيا صافيهوالجو رايقمافيش معاكسهمافيش مضايقمافيش عساكر وقهر تانيكل الأمانى بقت حقايقيارب وفقيارب وافقيارب ريدواكتب عليهمفي كل لحظهفرح وعيد***بسكوته بابا حاضر يا ماماوتقوم تدوسنيعشان تبوسنيوتنام فى حضنيوتقوم في حضنيوتعمل العملهتملا حضنيالله يجَازي البعيد شيطانكحماره كلبهمش عيب يا ماماكده البيجامامش بابا قايلوماما قالتمن طول ما حطتوطول ما شالتساعه ما تبقى الحكايهكخهيقولوا إاَّحقوام يا ماما؟بسكوته بابابسكوت في عينكمافيش معاملهبيني وما بينكياللا امشي قوميحماره كلبهباظت هدوميما تقومش طبعاًولا أى حاجهكأنه مثلاما حصلش حاجهتقعد تكلضموتلوي بوزهاوتتجاهلنيكأنى جوزهاخاصماك يا باباماتكلّمنيشطظ ف عظمتكما يهمنيشديتَّها بوسهأو تهشيكايهأو بسكوتايهأو بمبونايهحتسوقي شغل النداله طبعاًوتروحي جاره الكلام معاياوبوسه باباأديكي بوسهسكر يا باباتديني بوسهكده اصطلحنا خلاص يا بابتي ؟كده اصطلحنا يا نوارايهمش دى الحكايهولا انتي يعنيلأيعني إيه متخرفيشدى تبقى يعنيالحكايه يعنيملعون أبوكىما تآخذينيشلو كان في قصدكأو ربع قصدكأو كنتي حتىما تقصديشإن انتى يعنىخاصماك يا باباحتخصمينىأطلع ما فيشأبوكي أيوهما كانش حاجهلكنه حاول يعيش لحاجةوجيل أبوكيكان يعنى حاجهوجيلك انتى حيبقي حاجهومصر تبقي النهارده حاجهوبكره حتماحتبقى حاجهوأي حاجهوما تكونش حاجهإلا وسببهافى الأصل حاجهوبكره لَماَّقمركو يطلعوالشمس تسطعفوق كل حاجهحتقولواكان فى المكان دا ناسفيهم طيابهفيهم حماسوفي الحماسبعضشى عباطهوكانوا آخر الأمرناسوكان زمانهم سجونوكانواما بين سجونه وأمريكانهوبين ضباب الطريق حيارىماحد قادر يشوف مكانهحتقولوا كانواوياما كانواوياما شربواوياما عانواوياما جالهموياما جيلهم دفعوكان التمن أمانهوياما ناس في المسيرهمشيتوناس فى نص المسيره خانواحتقولوا كانواأو ياما كانوالكنْ ح يبقى في الأمر حاجهإن اللي عربدما سابش حاجهوساب كلابه على كل حاجهتهبش وتنهشفى كل حاجهماقدرش يقتل في أي حاجهروح التفاؤلبكل حاجهالقاهرة / 1973«ديستان»:فاليرى جيسكار ديستانوالست بتاعه كمانحيجيب الديب من ديلهويشبَّع كل جعانيا سلاملم يا جدعانع الناس الجنتلمانداحنا حنتمنجه واصلوحتبقى العيشه جنانالتلفزيون حيلوَّنوالجمعيات تتكونوالعربيات حتموّنبدل البنزينبارفانوحتحصل نهضه عظيمهوحتبقى علينا القيمهفى المرسح أو ف السيماأو ف جنينة الحيوانوحتبقى الأشيا زلابيهولا حوجه لسورية وليبياوحنعمل وحده أرابيامع لندن والفاتيكانوالفقرا حياكلوا بطاطاوحيمشوا بكل ألاطهوبدال ما يسموا شلاطهحيسموا عيالهمجانودا كله بفضل صديكيديستان الرومانتيكيولا حدش فيكو شريكيفى المسكنوالسكانالقاهرة 1975«نجم» يطلُ على الفقراءمن فوق هضبة المقطميعيش الشاعر أحمد فؤاد نجم ومنذ سنوات طويلة في منطقة هي الأفقر في أحياء القاهرة، منطقة المقطم، ويسكن تحديداً في المربع السكني المخصص لسكان مسكن الزلزال، وهم ضحايا سقوط منازلهم القديمة في مناطق ضربها زلزال العام 1992، الأمر الذي يجعله دائماً موصولاً بقضايا الفئة الأفقر في مصر، وهو شعار اعتاد أن يعمل على أساسه الشاعر الذي لا يريد أن ينسى دوره الأصيل في التغيير.غالبية الأماكن التي أقام فيها نجم فقيرة، ومناطق سكنية عشوائية، تمتلئ بالنماذج الإنسانية البسيطة التي تمثل زخماً للشاعر الذي يتبنى قضايا بسطاء الناس.من حي «حوش قدم» في مصر القديمة إلى المقطم، دخل الشاعر في علاقات إنسانية مختلفة، لم يحزن لأن ما لديه من أموال لم يكن كافياً للحصول على شقة في حي راق، بل فضّل الإقامة فوق جبل المقطم الذي يستطيع أن يرى من خلاله مصر كلّها كل صباح، حيث يسلّم على الفقراء النائمين من نافذة «عشة» صغيرة أقامها لنفسه فوق المبنى الذي يعيش فيه، يقول: {طول عمري أحب أشوف مصر من فوق جبل المقطم، أطّمن على الفقراء وأقول لهم «تصبحوا على خير».ربما، السنوات الطويلة التي أمضاها الشاعر في السجن جعلته يعتاد الأسى الذي يفوح من آلام المقهورين والغلابة، ما دفعهم الى الترحيب بإقامته بينهم في أماكن متواضعة، فضلاً عن أنه يستضيف في بيته أو بالأحرى «عشته» نجوم الثقافة والفن في مصر، ما جعل جيرانه الفقراء يحتفون به لأنه النجم صديق النجوم الذين يأتون إلى بيته، ليتعرفوا ـ ربما للمرة الأولى ـ إلى حياة الفقراء في مصر.وعلى رغم أن نجم وُلد لعائلة ثريّة إلا أنه من الفرع الفقير فيها، ما جعله أكثر قدرة على الإنصات الى احتياجات الفقراء، وأكثر قدرة على العيش بينهم والتعبير عن آلامهم، التي تجلّت في قصيدته كما تجلت في علاقاته الإنسانية، خصوصاً في ظل إصراره على ارتداء الجلباب البلدي في كل مؤتمراته الشعرية والندوات واللقاءات التلفزيونية، ما جعل لقب «الفاجومي» ملتصقاً باسمه أكثر وأكثر.من الممكن أن تلتقي نجم في الشارع وتسلّم عليه وتأخذه بالأحضان وهو لا يعرفك، لكنه بالتأكيد يتوقّع من الآخرين أن يعرفوه، ويبقى أن نقول إن جمهوره كان المنافس الوحيد في كثرة العدد لجمهور شاعر عربي كبير مثل الراحل محمود درويش، فلكل منهما فقراء يدافع عنهم ويعبّر بهم عن همومه.