لندن تحترق

نشر في 20-08-2011
آخر تحديث 20-08-2011 | 22:01
 د. صالح الحيمر عندما أنهى يوم عمله الشاق، وبعد مغيب الشمس بفترة بسيطة وحلول الظلام أخذ ما تبقى من الخبز وحمل معه سراج الزيت وعاد إلى بيته، تعشى "كبقية خلق الله" وأوى إلى فراشه.

لا نعلم كيف حصل ذلك، ولم يكن هناك محقق أميركي، ولكن سراج الزيت سقط على الأرض، وأحرق أرضية البيت الخشبية، وأتى على الأثاث، وبعدها باقي البيت.

الخباز لم يعرف أنه قد صنع أسوأ تاريخ مرت به مدينة لندن الشهيرة حيث دمر معاليه 80% من المدينة، وشرد سعادته 70 ألف مواطن لندني.

لعل حريق لندن كان فرصة لصناع القرار، أو للذي بقي منهم لم يحترق، بأن تتم إعادة تخطيط المدينة، وكتابة الأنظمة الإدارية بشكل يناسب المرحلة، وتعديل لوائح البلدية، وتطوير أساليب الأمن والسلامة... وربما اختراع قانون خاص لمعاقبة الخباز لوحده!!

وعلى وقع فوضى القرن السابع عشر، وتحت ظلال الدخان الذي غطى لندن بكاملها، وبرائحة الأخشاب المحترقة قامت مجموعة من "الحرامية" و"قليلي التربية" والعصابات المنظمة بمحاولة التغول على نظام يؤمن بالحرية وتعدد وجهات النظر وإحسان الظن "تخيل؟".

لم يكن لهم هدف، لم يقدموا طلبات مكتوبة.

لا يوجد لهم زعامة، لم يقوموا بمظاهرات، ولا تعرف لندن بشرطتها ولورداتها ومجلس عمومها واسكتلندياردها ووزرائها، وحتى العرب الذين فيها لماذا قام هؤلاء وماذا يريدون، وأصابت الجميع الصدمة والحيرة معا.

عاد الشاب الوسيم كاميرون من إجازته، إنه فقط 44 عاما ويدير أعرق دول العالم. بدأ يتدارس ما حصل مع طاقمه، فلم يقصف الرعاع، ولم يخرج السلاح من مخازنه، وليس لديه هراوات كهربائية، ولم ينصب نقاط التفتيش، ولم يفتح الزنازين ويقوم بحجز "الشلة" المارقة على القانون.

ذهب مباشرة وبعمق لم يسبقه إليه أحد ووضع اللوم على النظام الذي يرأسه، فانتقد نظام الرعاية الاجتماعية، وتمنى ووعد بأن يبذل جهدا في دراسة الأوضاع التربوية والعلاقات الاجتماعية وسلوكيات الشباب، وتحسينها في المستقبل القريب وبدون تأخير، فالمجتمع لا يحتمل مشاكل كهذه.

لم يتحدث أحد عن العرقية، علما أن أغلب المخربين كانوا من لون واحد وينتمون إلى قارة معروفة بالفوضى وسوء الإدارة والانقلابات اليومية.

الغريب أن الذين قدموا إلى المحاكمة بعد كل ما حصل 15 شابا معروفة أسماؤهم ومحفوظة كرامتهم ويزورهم أهلهم بحرية.

في لقطة من اليوتيوب كانت الكاميرا تجول بالقرب من مسجد تم تكسير أبوابه وألقي بمحتوياته إلى الخارج، المنظر داخل المسجد مظلم، لا تكاد ترى الأشياء، ذهبت الكاميرا إلى الشارع القريب، جميع المحال مغلقة بأبواب الحديد، لا أثر للحياة، الشوارع خالية تماما، تكاد ترى شبح الموت، الكاميرا تدور وترتجف، ترتفع أحيانا تنخفض أخرى، يبدو أنه يريد إخفاءها، الشوارع مليئة بالنفايات والأنقاض، يعود التصوير ثانية إلى جدار المسجد، لحظة، هناك عبارة مكتوبة، لنقرأها، تقول: "جنود الأسد مروا من هنا".

back to top