أحد سكان المدينة... فيلم مختلف

نشر في 14-11-2011
آخر تحديث 14-11-2011 | 00:01
 محمد بدر الدين «أحد سكان المدينة»، معالجة أدهم الشريف وإخراجه، فيلم يعبر عن روح التجديد والمغامرة لدى الشباب المصري في مجال السينما كما في الميادين كافة في هذه المرحلة، وهو فيلم مدهش ولافت لأنه روائي وأبطاله من الكلاب الذين يعيشون في أحياء القاهرة وشوارعها و{يؤدون» أدواراً مختلفة.

نقول «يؤدون» لأن كاميرا الفيلم تتابع حركاتهم وتصرفاتهم وتقدم تفاوتاً واختلافات في طبائع وردود فعلهم وليس أشكالهم فحسب.

إلى جانب حركة الكاميرا المتابعة، الذكية اللاقطة، يتدفق شريط الصوت بحيوية مماثلة تثري ما نشاهده وتتابعه الكاميرا، من خلال تعليق صوتي هو لسان حال أحد الكلاب (أحد أبطال الفيلم ـ أو أحد سكان المدينة)، ويتناسق الفيلم بتضافر الصورة مع صوت التعليق والمؤثرات الصوتية والمونتاج، إلى جانب «الديكور الطبيعي» في الشوارع الواسعة والحارات والأزقة الصغيرة والأماكن الغريبة وأحياناً الخربة إلخ.

يتناغم مع عمل الشريف، مونتاج إسلام عامر وكاتب نص التعليق الصوتي عاطف ناشد الذي سبق أن كتب سيناريو فيلم «41 يوم» وصوّر فيلم «القط ذو القبعة الحمراء»، أما التصوير المدهش فوقّعه بسام ابراهيم ومعه بهاء الجمل وفريق من المصوّرين الموهوبين.

من يشاهد الفيلم يجده تصويراً مدهشاً لفيلم مدهش، لأنه قائم بطبيعته على التقاط لحظات خاصة وأحياناً نادرة، تمرّ بها كلاب الشوارع، سواء فرادى أم جماعات، صباحاً أم مساءً، لينسج، من خلال تلك اللحظات ـ اللقطات ـ المشاهد، معالجة درامية بكل معنى الكلمة، تجعل «أحد سكان المدينة» فيلماً روائياً وليس تسجيلياً، يماثل فيلماً روائياً عن «جمع» أو فئة من البشر، تحيا من صباحها إلى مسائها في الشارع، لها حكايات تعيشها وعلاقات متباينة تجمعها، لكن الصعوبة البالغة التي اجتازها هذا الفيلم بنجاح هي أن «الجمع» هنا من الحيوان وليس الإنسان.

من بين تلك الحكايات، مشاهد يرافقها تعليق صوتي بلسان الحيوان ـ الكلب ـ أحد سكان المدينة، بطل الفيلم، حول قصة حب جمعت بينه وبين «جميلة»، وصداقة قامت بينه وبين {زينجة»... وحين يشير التعليق إلى أن جميلة «بنت حلال... بنت بلد وعشرية» تلتقط كاميرا المصور ما يعبر عن هذه المعاني فعلاً في ملامح وجهها ونظراتها التي يشوبها شيء من الخجل.

يتحدث البطل ـ الكلب عن نفسه بإعتزاز بأنه «صعلوك... بس حرّ... ومش أي حد يعرف يكون كده»، وعن الأرض في المدينة: «حتت الخير ماليها... وحتت ضنك»، وعنه وزملائه والأرض: «كل واحد له حتة أرض... ما ينفعش يفرّط فيها».

كذلك يستعرض الفيلم جانباً آخر من حياة هذه الكائنات في شوارع المدينة، من خلال «قبيلة» كلاب يصفها التعليق بقوله: «12 أخ وأخت من بطن واحدة... عصابة الـ 12»، ثم يتوقف الفيلم للحظات ولقطات ـ أمام أكبرها فحسب على حدّ  قول التعليق: «الكبير لا تليق به قلّة الحيلة، فهو صاحب مسؤولية بخاصة تجاه القبيلة»، ويستطرد التعليق: «حياة كلب الشارع خشنة والخطر يملأها وبالأخص بالنسبة إلى الكبير».

يقدم الفيلم، بصورة «درامية» وليس تسجيلية، صوراً من المخاطر والمواقف الصعبة، التي يمرّ بها كلب الشارع، والكبير وجماعته، لذا أُرفق بعبارة: «إهداء إلى الشارع».

ثمة إحساس عالٍ متوقد لدى أصحاب الفيلم، في الشارع، وأيضاً «في الكائن الآخر ـ الحيوان ـ الكلب»، ونحسب أن في ذلك كثيراً من الرقي الإنساني لمدى الإحساس المرهف بذلك الكائن الذي رأيناه في الإخراج والتصوير والمونتاج، بقدر ما كان في ذلك صعوبة حقيقية في تصوير حركة وحيوية وعلاقات وتصرفات واختلافات الكلاب، إن مجرد التصوير في الشارع صعب فما بالنا «بموضوع التصوير» في الشارع في هذا الفيلم؟

الإقدام على مغامرة فيلم «أحد سكان المدينة»، أي مجرد التفكير فيها وتنفيذها، أمر يحسب لأصحابها بالتأكيد، لكنهم لم يحققوا ذلك فحسب إنما حققوا إنضاجاً ملحوظاً للفكرة ونجاحاً بيناً في التنفيذ.

بذلك قدموا تجربة مميزة بحقّ في الفيلم الروائي القصير، تأكيداً لقدرة جيل جديد، على طرق أبواب فن جميل بلا قيود أو ضفاف، وعلى الدخول في أرض بكر بروح شجاعة مجددة.

لذلك أيضاً، لا غرابة في أن ينتهي تعليق الفيلم الصوتي بالقول: «هي دي الشجاعة... الشجاعة اللي مفيش من غيرها حرية».

back to top