قيادة الأزمة أو أزمة القيادة

نشر في 03-12-2011
آخر تحديث 03-12-2011 | 00:01
 د. صالح الحيمر استدارت الطائرة "أم مروحتين" على المدرج استعدادا للإقلاع، وقامت المضيفة الوحيدة بمحاولة تشغيل النظام الصوتي الذي يشرح إجراءات السلامة، بينما تقوم هي بتمثيل الحركات من ربط الحزام واستخداد الكمام ومخارج الطوارئ، ولسبب لا نعرفه لم يشتغل النظام الصوتي، لم تتأخر "هالسمرا"، أشارت إلى أحد الجالسين وسلمته الأحزمة والكمام، وقامت هي بالشرح عن طريق المايكرفون الداخلي.

انتهت التمثيلية وعاد الراكب إلى مكانه بعد أن مازحها ودفعها ودفعته بطريقة "فيها ميانة"، وبعدما استقرت الطائرة على صهوة الريح ومرت المضيفة بجانبي استوقفتها، وبطريقة مؤدبة وبكل أريحية جلست في الممر بجانبي، سألتها كيف تتعامل مع المسافر بهذه الطريقة، وماذا ستفعل لو أنه رفض طلبها "واشتكاها" لدى أصحاب الشركة. ضحكت بصوت سمعه "ربعنا" المسافرون وأرجعت رأسها للخلف "من كثر الضحك"، وقالت: نسيت أقول لكم إن هذا الشخص شريكي بالشركة التي تقلكم على إحدى طائراتها الآن. صححت معلومتها وقلت: تقصدين زميلك، قالت: لا, لا... نحن موظفان في هذه الشركة التي نملكها، يبدو أنك من خارج هذه البلاد، هل تريد معرفة السالفة؟ "يس بليز"، كان ذلك ردي.

تقول "هالبنت" إن فكرة إنشاء الشركة بدأت أوائل السبعينيات بعد دراسة لسوق الطيران تقول إن هناك فرصة كبيرة لشركة طيران أخرى أميركية، وبعد تكوين الشركة من قبل مستثمرين عدة بدأت عملية التوظيف واستقطاب الأيدي العاملة من الشركات المنافسة. بدأت الشركة بشكل جيد وسياسة متوازنة وتنافسية عالية، واستمرت الشركة في النمو وكسب الأرباح لمدة تجاوزت العشرين سنة، فكانت فترة ربيع دائم حتى قام مجلس الإدارة بتعيين مدير عام للشركة، والذي بدوره جلب معه فريق عمل على شاكلته، فلم يكن كفؤاً أبداً، اهتزت صورة الشركة في عهده وبدأت بالانحدار في فترة قياسية بينما السوق ينمو ويزدهر.

كنا نلوم مجلس الإدارة الذي يرى أمواله تبعثر وشركته تنهار دون تحرك، وأوصلنا لهم ملاحظاتنا وفوجئنا أنهم يقرون بمعرفتهم بما يحصل ويحملون أنفسهم المسؤولية ويعدون باتخاذ الإجراءات المناسبة. أعد لهم بعض المختصين تقارير عن مشاكل مدمرة لمستقبل الشركة ولم يصدق مجلس الإدارة ذلك، وكأنهم لا يريدون سماع أخبار سيئة... "أنت معاي؟" سألتني، وأجبتها: "نعم، نعم... كملي" (أبي تخلصين السالفة قبل نوصل).

أكملت: من أكبر أخطاء مجلس الإدارة أنهم يطيلون مدة اتخاذ القرار، فيمتد الوقت وتتدهور الروح المعنوية للموظفين وتقل ثقتهم بإيجاد الحلول، وهذا المجلس لا يتحرك بل يستمر في تأييد هذا المدير الفاشل وجوقته الحرامية. كل الذي قالته المضيفة لم يصل بي إلى كيفية تحويل ملكية الشركة لها ولزميلها النائم أمامي.

وكأنها تقرأ أفكاري... قامت نقابة العاملين لدينا بعمل إضرابات، ليس لديهم مشايخ يحرمون المطالبات السلمية بالحقوق، فمجلس الإدارة أضاع فرصة كسب ولائنا وتعاوننا وثقتنا أيضا. استمرت الإضرابات والاعتصامات التي صدمت مجلس الإدارة وأدت بهم إلى الاستخفاف بمطالبنا وعدم التصديق.

لاحظ أننا لم نكن نرد أو "نعطي وجه" للمدير، فسلكنا طريق المواجهة وأخضعنا مجلس الإدارة لمطالبنا وأجبرناهم على بيع أكثر من 70% من أسهم الشركة للموظفين بعد طرد مدير الفشل، ولم نكن نرغب أن نحصل على ما نريد بهذه الطريقة، ولكن المجلس ضيّع فرصة الاستفادة من الأزمة وأخذ المبادرة التي لم تكن تكلفه شيئاً، بل بالعكس كنا سندين لهم بالولاء ونحفظ لهم معروفهم. نحن الآن نملك شركتنا... "نستاهل" شركتنا.

"فزّت" المضيفة من مكانها لتعلن قرب الهبوط، وفي المطار الذي يحتوي على أكثر من 60 بوابة ذهبت أبحث عن المخرج الذي يوصلني إلى "التاكسي" إذا بالمضيفة تسير خلف الكابتن، وتسحب شنطتها الصغيرة، رأتني وهرعت تركض تجاهي وتناديني، لم تعطني الفرصة فقد وصلت بسرعة، وقالت: معلومة أخرى لم أذكرها في الطيارة، هذا المطار جزء من أملاكي فشركتنا تملكه... "بااااااي".

* Tweeter @wathnan

back to top