واحد صحيح... سينما كاتب قدير ومخرج مبشر

نشر في 16-01-2012
آخر تحديث 16-01-2012 | 00:01
 محمد بدر الدين يبرع الكاتب السينمائي تامر حبيب في ما يمكن أن نطلق عليه دراما المشاعر، المشاعر الجياشة أو المشاعر المتأججة، في إطار قصص وعلاقات شاملة لأنواع ودرجات، من العاطفة بين المرأة والرجل.

يجتهد حبيب ويجيد في نسج الأحداث ورسم الأشخاص، النساء والرجال على السواء، ويقدم  بمهارة مأزق أو أزمة كل حالة. رأينا ذلك في أفلامه: «سهر الليالي»، «حب البنات»، و{عن العشق والهوى» في السينما وفي دراما التلفزيون أيضاً، وها هو يجتهد مجدداً في فيلم «واحد صحيح».

يتواكب إخراج هادي الباجوري في فيلمه الأول مع روح نص حبيب السينمائي ورهافته. فيتسم إخراجه بوهج أو ألق سينمائي، والحفاظ على إيقاع متسق، وروح أسلوبية واحدة، وإدارة ناجحة للممثلين استكملت النجاح في اختيارهم. ساعدت على ذلك مواهب وقدرات مدير التصوير أحمد المرسي، والمونتير أحمد حافظ، ومصمم الديكور فراس أسعد، والموسيقى فهد، والممثلين هاني سلامة، وبسمة، وكندة علوش، ورانيا يوسف، والوجه الجديد  المبشر  ياسمين رئيس.

إيقاع الفيلم متدفق حي، ومعظم المشاهد لا يخلو من لمحات حداثة وجمال شكلي في خدمة الموضوع، وليس تحذلقاً أو خروجاً على المضمون. فقد جاء التصوير والمونتاج ومختلف العناصر الفنية بجمالياتها أو بلاغتها دعماً للمضمون بأحداثه وشخوصه المتباينة.

ينطلق السيناريو والإخراج من عالم النفس إلى عالم العاطفة، ابتداء من نفسية بطله «عبد الله» (هاني سلامة)، مصمم الديكور الشاب الناجح، الذي لا يشعر بأنه مكتمل أو (واحد صحيح) إلا بوجود نساء عدة في حياته، متباينات لكنهن أيضاً متكاملات في نظره، لا يستغني عن أي منهن، بل يشعر أحياناً بأنه يحبهن في آن، لكن يعلم أن الحب الحقيقي والأول (حب العمر كله كما يشير الحوار) هو لـ «أميرة» (كندة علوش)، ويقول عبد الله: إذا كانت هناك امرأة تجعلني استغني بها عن الجميع... فهي أميرة! لكن أين هي؟

اختفت لسنوات من حياته، ولم يجدها على رغم بحثه الطويل عنها وحبها العميق له، لكنها المسيحية التي لا تريد أن تكرر مشكلة حياتها هي وأسرتها، حينما تزوج والدها من مسلمة، فلم تتقبل الأسرة وأصبحت الصدمة كزلزال ظلت تعقبه توابع، وهي لا تريد أن تكرر الموقف القاسي.

لكنها حين تعود، يكون عبد الله مستغرقاً في حكاياته مع أخريات، وسرعان ما ينجذب بأعماقه مجدداً لحبه القديم المتجدد، ويقف إلى جانبها في ظروف وفاة أبيها، ويصور له هذا الاقتراب أنه قريب من حلم زواجهما، لكنها تحكم العقل وتفكر في تبعات مثل ذلك الزواج في الدين والأسرة، وحتى أسرتها الجديدة التي ستكون، وإذا ما أنجبا في المستقبل.. إلخ، فتقرر الاختفاء من حياته.

لكن لعبد الله قصصاً أخرى كاملة مع أخريات، خصوصاً «نادين» (بسمة) و{فريدة» (رانيا يوسف) و{مريم» (ياسمين رئيس). المهم أن لكل منهن سمات شخصية ونفسية، استطاع السيناريو والإخراج والأداء، أن يقدم تميز كل حالة منها بتوفيق، بين نادين التي تعتبر نفسها طول الوقت أختاً بل أماً! لكن إلى متى؟ وفريدة الباحثة عن تعويض عاطفي بعد عذاب طويل في زواج مصلحة من رجل ثري شاذ (زكي فطين عبد الوهاب)، ومريم المذيعة الرقيقة التي تدعم والدة عبد الله (زيزي البدراوي) فكرة زواجه منها التي تكاد تتم... وهكذا.

ليس مهماً ذكر التفاصيل هنا، لكن المهم أن التفاصيل في دراما الفيلم متناغمة وليست نشازاً، حتى لو أن الفيلم تأثر أو حتى اقتبس غير القليل من الفيلم الأميركي «9» إخراج روب مارشال، أو غيره من أفلام دراما حيرة الرجل بين أكثر من امرأة تتجاذبه. فليس الاستيحاء أو حتى الاقتباس مدعاة للهجوم على فيلم مصري، ما دام قد حقق سمات خاصة وإتقاناً وتماسكاً درامياً، وهو ما توافر في «واحد صحيح».

فكم من مرات بلا حصر اعتمدت فيها السينما المصرية على استلهام أو اقتباس من أعمال، لكن الأفلام التي اتقنت وتميزت بسمات جديدة خاصة لم تكن كثيرة! خصوصاً أيضاً أن هذا هو عالم تامر حبيب، أو «ملعبه الدرامي» في الأساس، الذي يجيد فيه ويتقن، وهو عالم المشاعر الجياشة أو المتأججة، وصور التعاطف والعواطف بين الرجل والمرأة. وقد دخل هادي الباجوري في فيلمه الأول إلى ذلك العالم متفهماً ومتناغماً، فأكد موهبة إخراج واضحة تجعلنا ننتظر منه أعمالاً سينمائية أنضج باستمرار.

back to top