فريد شوقي... رصاصة في صدر صديق المدرسة
قد ينسى فريد شوقي أي موعد، أو أي شيء، إلا أنه لا يمكن أن ينسى موعداً متعلّقاً بالتمثيل أو المسرح، شعر بأنه في امتحان خاص أمام هذا الصديق الذي سيكون وشقيقته كلّ جمهوره، ولكن ما العمل إذا وقع في يد والد هذا الصديق، من المؤكد سيكون عقابه «علقة موت»، ومع ذلك كلّه يهون من أجل التمثيل.ظل فريد طوال الليل يسترجع أحداث ومشاهد إحدى روايات يوسف بك التي حضرها سابقاً ليكون جاهزاً لحفلة الغد، وعلى رغم لهفته وشوقه لهذا اللقاء، إلا أنه حرص في الصباح على ألا يهرول إلى صديقه ويطالبه بالوفاء بوعده، بل على أن يظهر أمامه غير مهتم، بل ولا مانع من أن يتظاهر بالنسيان، كي يعيد الصديق العرض عليه، بل ويلحّ في طلبه:
- إيه يا فريد انت نسيت... مش احنا متفقين تيجي تلعب معايا النهاردة عندنا في البيت؟* يا بني ده مش لعب... ده تمثيل بجد... انت ما بتسمعش عن يوسف بيه وهبي، وكشكش بيه نجيب الريحاني، وعلي الكسار... أهو أنا بقى ممثل زي دول.- عارف عارف... ماشي يا سيدي تيجي تلعب معايا تمثيل بجد عندنا في البيت بكره؟* بس أنا خايف من باباك... ده صعب قوي... إذا كان الكبار بيخافوا منه... ده لما بيشوفني واقف معاك في الشارع بيبقى يوم أسود... ده مره يا يبني شخط فيا شخطه خلاني كنت هطير من قدامه.- متخافش... متخافش... ماهو النهارده بعد الضهر خارج هو وماما رايحين عند عمتي في المغربلين... يعني هيبقى قدامنا وقت كبير أنا وانت وأختي الصغيرة... نلعب ونعمل مسرح براحتنا.* إذا كان كده ماشي... بس بشرط.- شرط إيه.* تمثلوا معايا انت وأختك.وقف فريد فوق السرير مثل «الداير» الملفوف حول عمدانه، ليشبه في شكله خشبة المسرح بالكواليس، ووقفت أمامه الطفلة الصغيرة شقيقة صديقه أشرف، بينما جلس أشرف على كرسي أمامهما باعتباره الجمهور. اندمج فريد وعاش دور يوسف وهبي، وأمامه بطلة رواياته الفنانة أمينة رزق، وراح يلف يديه حول رقبتها:* بتخونيني يا زينب. بتخونيني يا خاينة. مصير أمثالك لا بد أن يكون الموت. الموت للخائنة... عليك اللعنة... موتي عليك اللعنة.ما كاد فريد يكمل عبارته التي استعارها من إحدى روايات يوسف وهبي، حتى سمع هو وصديقه وشقيقته، صوت المفتاح يدور في الباب... فقد حضر والد صديقه، أو كما كان يُطلق عليه «البعبع»، وقبل أن يلتفت فريد ليسأل صديقه ماذا يفعل؟ وجده اختفى من أمام عينيه هو وشقيقته، فلم يجد أمامه سوى الاختباء أسفل السرير في انتظار مصيره، وما سيحدث له في هذا اليوم المشؤوم. كان يمكن لفريد أن ينجو كما خطّط، ببقائه أسفل السرير حتى ينام عبد التواب أفندي ثم يخرج هو بهدوء، لولا حظّه العاثر الذي جعل عبد التواب يطلب من زوجته أن تساعده في خلع حذائه... وكانت الكارثة عندما شاهدته زوجة عبد التواب أسفل السرير وصرخت:- حرامي... حرامي.لم يدرِ فريد بما يحدث له، لطمات ولكمات من هذا القاسي، من دون أن يمنحه فرصة للكلام، بينما حاول فريد أن يفلت من بين يديه وهو يصرخ:* أنا فريد ياعم عبد التواب... فريد بن محمد عبده... أنا مش حرامي... أنا كنت جاي أمثل مع ولادك.ظنّ فريد أنه عندما يذكر لعبد التواب أفندي حقيقة موقفه، يصحّح سوء الفهم الذي نجم عن الموقف، غير أنه زاد «الطين بلة» من دون أن يدري، فيا ليته كان لصاً كما ظنّت زوجة عبد التواب، ربما كان رحمه وتركه لحال سبيله، ولكن ما إن سمع عبد التواب عبارة «جاي أمثل مع ولادك» حتى انفجر الدم في عروقه، فاصطحبه من يده لوالده كي يوبّخه على هذه الفعلة الشنعاء، ليس الاختباء أسفل سريره في حجرة نومه، بل لأن فريد سيتسبّب في إفساد ولديه فتح عيونهم على «التشخيص» وهذا الكلام الفارغ وقلّة الأدب!لعنة «المشخصاتية»غضب والد فريد غضباً شديداً، ليس من ابنه، بل من هذا المتعجرف سليط اللسان، الجاهل بأهمية التمثيل ودوره، بينما كان لوالدته رأي آخر:* شفت يا سي محمد آخرة دلعك في الواد... آدي اللي كنت عامله حسابه... الولد باظ خلاص.= ماتكبريش الموضوع يا سمية دي هواية الولد بيقضي فيها وقت فراغه.* هواية... دي هواية إيه المهببه دي... مشخصاتي!! ابني أنا مشخصاتي... ويفرج علينا الناس كده في الحته.= يا ستي ماهو ابني أنا كمان هو ابنك لوحدك.* أيوه لك حق... ما هو انت اللي مشجعه على كده... بدل ما تقوله التفت لدروسك... تاخده كل أسبوع علشان يتفرج على الكلام الفاضي ده= انت هتعملي زي الراجل الجاهل ده وتقولي على التمثيل كلام فاضي... ده فن راقي ومواهب ربنا بيخص بيها ناس معينة... ماهو البلد مليانة دكاترة ومهندسين.. لكن كام واحد ربنا خصه بالموهبة دي؟* أهو ده اللي بناخده منك... بدل ما تقوله كلمتين علشان ياخد الابتدائية ويشتغل موظف أد الدنيا... ولا يكمل علامه وياخد دبلوم ولا بكالوريا... تشجعه على الكلام ده.= بكره يا ستي يبقى أحسن من كل دول... وتشوفيه حاجة كبيرة قوي إن شاء الله.* أهو عندك أهه... ابنك وانت حر فيه.شعر فريد بأنه تسبّب بحرج كبير لوالده سواء من كلام هذا الجاهل بالفن، أو حتى بالعلاقات الإنسانية، أو من خلال لوم والدته لوالده أنه السبب في ما هو فيه، فقرر الابتعاد خلال فترة الدراسة عن الحفلات المسرحية التي كان يقيمها في حديقة منزله، والظهور قدر الإمكان أمام والدته بصورة المجتهد الذي لا يفكر إلا في دروسه وحسب، كي لا يكون لكلامها تأثير على «الفسحة» الأسبوعية إلى المسرح مع والده، والاكتفاء بممارسة هذه الهواية في أوقات الفراغ بالمدرسة، وهذا يستلزم البحث بين زملاء الدراسة عمن يمكن أن يشاركه هذه الهواية ويمارسها معه.اللعب بالناربعد البحث والتقصّي والاختبارات، استطاع فريد إيجاد أربعة زملاء آخرين في المدرسة، يمكن بالتدريب أن يشاركوه تقديم بعض الروايات المسرحية أمام بقية تلاميذ المدرسة، غير أنه اكتشف أن أحد هؤلاء الأربعة مولع بفن آخر غير المسرح، وقد اصطحبه والده لمشاهدة ذلك الفن الجديد الذي أصبح له مكان في الحياة الفنية آنذاك، وهو فن السينما، إذ شاهد فيلماً إنكليزياً استطاع فيه البطل أن يجهز على كل أفراد العصابة ويقتلهم جميعاً بمسدسه، وراح يحكي بعض تفاصيل الفيلم.لمعت الفكرة في رأس فريد، فراح يستوحي من فكرة الفيلم عملاً مسرحياً يمكن تقديمه في فسحة اليوم الدراسي، أمام بقية التلاميذ، وقبل أن ينتهي اليوم الدراسي كانت الفكرة قد اختمرت في رأسه فراح يشرحها لهؤلاء الأربعة ويشرح دور كل منهم ليكون جاهزاً لعرض الغد، وهنا أصرّ هذا الزميل الذي شاهد الفيلم، على أن يقوم هو بدور البطل الذي يطارد العصابة وليس فريد، باعتباره هو من شاهد الفيلم، وأنه أقدر على تجسيد دوره كما رأه، وقد أيّده في ذلك بقية الزملاء، فاضطر فريد الى الموافقة نزولاً عند رغبة الغالبية.انتصف اليوم الدراسي في اليوم التالي، ودقّ جرس «الفسحة» وكانت إشارة البدء من فريد، تجمّع التلاميذ لمشاهدة العرض، استعدّ فريق الممثلين، وبدأت أحداث الرواية كما خطّط لها فريد.فجأة أخرج التلميذ الذي سيقوم بدور البطل مسدساً من حقيبته، ليفاجئ الجميع، بل ويصيبهم بالرعب، فصُعق فريد:* إيه ده يا حمزة... لعبه ده ولا حقيقي.= لا حقيقي... ده المسدس بتاع بابا.* وجايبه ليه معاك... هتعمل بيه إيه؟= يا بني مش قولتلكم إن البطل في الفيلم خلص على العصابة وموتهم كلهم بمسدسه.* أيوه بس ده ممكن يموت بجد.= ماتخافش يا بني ده فاضي... بس قلت أجيبه علشان العيال اللي هيتفرجوا يصدقوا.* لا لا... بلاش يا حمزة... الحاجات دي خطر وممكن تعمل مشكلة... وكمان لو شافه معاك سيد أفندي ممكن ياخده منك وأبوك يضربك.= احنا هنخلص أوام أوام... وأحطه في الشنطة من غير محد يشوفه.* بلاش يا حمزة أرجوك أنا بخاف من الحاجات دي.= إيه الجبن ده يا بني... أمال عايز تمثل وتبقى شجيع إزاي؟ أصرّ حمزة على استخدام المسدس في التمثيل، فلم يجد فريد بداً من الموافقة بعد إلحاح بقية الزملاء لخلق جوّ من الإثارة والتشويق.بدأ العرض... راح حمزة يطارد أفراد العصابة والمسدس في يده، ثم راح يهدد فريد كي يستسلم ويسلّم نفسه وإلا أطلق النار عليه... ركض فريد هارباً من البطل... اندمج حمزة وضغط على الزناد، وكانت الكارثة، فلم يكن المسدس فارغاً، بل خرجت منه رصاصة، وبدلاً من أن تصيب أحد أفراد العصابة داخل الرواية، استقرت في صدر أحد الزملاء من المتفرجين، فمات فوراً!سادت لحظة صمت، تسمّر الجميع في مكانهم قبل أن ينفجروا في صراخ وبكاء هستيري، بينما وقف حمزة في ذهول ينظر الى المسدس والى زميله الذي خرّ صريعاً. انقلبت الدنيا رأساً على عقب، ولم يدر فريد بما حدث في ما بعد فقد نقله زملاؤه إلى بيته مغشياً عليه، غير أنه علم لاحقاً أن العقاب نزل بوالد حمزة بالسجن، وبحمزة بخروجه من المدرسة.عقدة السينمالم يكره فريد التمثيل بسبب ذلك الحادث الأليم، لكنه كره ذلك الفن الذي يطلقون عليه السينما، وكره هذا التمثيل الذي يستخدم العنف والمسدسات، بخلاف المسرح الذي أقصى ما يمكن فعله فيه أن يلفّ يوسف بك وهبي يديه حول رقبة السيدة أمينة رزق متّهماً إياها بالخيانة، وسرعان ما يُسدل الستار ثم يصطف جميع الممثلين أمامك يردون تحية الجمهور من دون أن يصيبهم مكروه... فهذا هو التمثيل فوق خشبة المسرح وليس كما ظنّ زميله في السينما.ترك الحادث أثراً عميقاً في نفس فريد، لدرجة أنه لم يعد يتحدّث في التمثيل أو المسرح في المدرسة، غير أنه لم يطق أن تستمر به الحال هكذا...وجاء الفرج، حيث قرّر والده أن ينتقل الى شقة أوسع ومكان أرقى، فسكنت الأسرة منزل رقم (2) في شارع «الوفائية» بمنطقة الحلمية الجديدة، التي لا تبتعد كثيراً عن حي السيدة زينب، فوجد فريد الفرصة سانحة مع انتقاله إلى السنة الرابعة الابتدائية، لينتقل من مدرسة بالسيدة زينب، إلى مدرسة جديدة يمضي فيها السنة المتبقية له، غير أن المدرسة الجديدة كانت أكثر حسماً وحزماً، ولا يوجد فيها من يتجرأ ويذكر كلمة «تشخيص»، فقد كان ناظر المدرسة «معمماً» مثل مدرس اللغة العربية، الذي ما إن نما إلى علمه من أحد الزملاء أن فريد محمد عبده شوقي، لديه موهبة التشخيص، حتى بدأ يأخذ منه موقفاً عدائياً، ويتعمّد أن يكون أول من يبدأ بسؤاله في أي درس، حتى جاءت اللحظة الحاسمة في الامتحان الشفوي لإتمام مرحلة الدراسة الابتدائية. جلس فريد، ولسوء حظّه كان ضمن لجنة الممتحنين هذا الأستاذ المعمّم، فشعر بأنه راسب لا محالة، وهذا سيحقّق ظنّ والدته، ويخيّب آمال والده. شعر فريد بالخطر، من نظرات التربّص في عيني الأستاذ المعمم، فلا بد من أن يتصرّف وينجح بأي شكل، وإلا النتيجة ستكون الحرمان إلى الأبد من عشقه الأول التمثيل، وقبل أن ينطق الشيخ المعمم بسؤاله الأول في قواعد اللغة العربية من نحو وصرف، رفع فريد يده وفاجأ لجنة الامتحان بطلبه:* لو سمحت يا أفندي... أنا مش عاوز أسقط.= ولماذا سترسب إذا أجبت عن الأسئلة؟* يبقى حضرتك ممكن تسألني في المحفوظات.= هو على مزاج حضرتك... اللجنة هي اللي بتحدد يا ولد... ثم لماذا المحفوظات تحديداً؟* لأني يا فندي بحب الشعر وأقدر من يتذوقون الشعر... وأقدر الشعراء.= ومن انت حتى تقدر الشعراء أم لا؟* أنا يا فندي... فريد محمد عبده شوقي.= طظ.* أنا حافظ قصيدة لشاعر النيل حافظ إبراهيم كتبها عن بلدته ميت غمر لما اشتعلت فيها النيران..؟ وراح يسأل الله الرحمة وغيث السماء.لم ينتظر فريد أن تسمح له اللجنة بإلقاء القصيدة أو حتى تقرّر ما إذا كانت ستسأله في الشعر أم لا، وراح يتلوها:سائلوا الليل عنهم والنهاراكيف بات نساؤهم والعذارىكيف أمسى رضيعهم فقد الأموكيف اصطلى مع القوم ناراكيف صاح العجوز تحت جداريتداعى وأسقف تتوارىربي إن القضاء أنحى عليهمفاكشف الكرب واحجب الأقداراومر النار أن تكف أذاهاومر الغيث أن يسيل انهماراأين طوفان صاحب الفلك يرويهذه النار... فهي تشكو الأواراأشعلت فحمة الدياجي فباتتتملأ الأرض والسماء شرارااندمج فريد في إلقاء القصيدة، وتقمّص شخصية الشاعر وهو يبكي بلدته، فذرفت عيناه الدموع وعلا صوته ممزوجاً بالبكاء، ولم يصدّق عينيه عندما لاحظ انفراج أسارير الممتحن المعمم، والابتسامة تعلو شفتيه للمرة الأولى منذ رآه، وكانت المفاجأة التي تمناها:= أحسنت يا بني... فتح الله عليك... ناجح يا سي فريد محمد عبده شوقي* اشكرك يا فندي.= قوللي بقى يا سي فريد... ناوي إن شاء الله بعد انتهائك من التعليم... ماذا ستعمل؟* هشتغل ممثل إن شاء الله يا فندي.= اخص... الله يكسفك... لو كنت أعلم من البداية لكنت رسبتك... وهل يعلم والدك بهذه الرغبة؟* طبعا يافندي... وهو اللي بيشجعني على تحقيق أمنيتي.= ولله في خلقه شؤون... اتفضل يا بني... بالسلامة.تصريح بالتمثيلخرج فريد من اللجنة وهو يكاد يذهب إلى بيته طائراً، فقد نجح في الشهادة الابتدائية وأصبح رجلاً في الخامسة عشرة من عمره، دخل المنزل، بحث أولاً عن والدته ليزفّ لها الخبر، فهو يعرف مقدار الفرحة التي سيكون عليها والده، لكنه أراد أن يطمئن الوالدة كي يحصل منها على التصريح الذي انتظره طويلا... التصريح بالتمثيل، بلا خوف أو اتهام بالفشل وعدم النفع، التصريح بالتمثيل حتى أمامها هي شخصياً. وكما فعل مع الممتحن ولم يعطه فرصة الاختيار، فعل مع والدته، زفّ إليها خبر النجاح، ثم ركض واعتلى المائدة الموجودة في حجرة الطعام وراح يقلد يوسف بك وهبي في جزء من إحدى مسرحياته، وبطريقة إلقائه الممطوطة في الكلام، وبصوت جهوري:* سيدي الرئيس... حضرات المستشارين... انظروا إلى هذا المتهم الماثل أمام عدالتكم... يرى بعينيه ويسمع بأذنيه الاتهامات واللعنات تنصب فوق رأسه... ولا يجد كلاما يدافع به عن نفسه... لا تأخذكم به شفقة ولا رحمة... احكموا عليه بالإعدام شنقاً.لم يكد فريد ينتهي من جملته حتى دق باب البيت، لتدخل إحدى الجارات وتسأل والدته بلهفة:- مساء الخير يا سمية هانم.= مساء النور يا حبيبتي اتفضلي.- يزيد فضلك... إلا هي مسرحية يوسف بيه متذاعة على محطة إيه في الراديو.ضجّ فريد ووالدته بالضحك، وراحت الأخيرة تشرح الموقف لجارتها بسخرية، وأن ابنها فريد يقوم بالتشخيص ويقلّد يوسف بك وهبي، لكن ما إن لمحت الأم نظرات الإعجاب في عيني هذه الجارة، لمجرد أن ابن الجيران يقلّد يوسف بك، حتى تبدّلت نظرة الأم تجاه ما كان يقوم به فريد إلى تباهٍ وافتخار بابنها، فإذا كانت هذه نظرة الجيران له، فمن الأولى أن تزهو هي وتفتخر بفريد... خصوصاً أن حكم الجارة جاء منصفاً إلى حدّ كبير على موهبته.المدهش في الأمر أن فريد أصبح منذ ذلك اليوم وسيلة التسلية الوحيدة، بل والمفضّلة لدى والدته وجيرانها وصديقاتها، فقد تعوّدت أن تستضيف يوم الإثنين من كل أسبوع بعض صديقاتها في ما يشبه صالوناً نسائياً، كعادة أهل هذه الطبقة، على أن تقوم هي برد الزيارة في أيام أخرى من الأسبوع في بيت إحداهن. أصبح فريد يمثّل جانب التسلية والترويح عن صديقات والدته، فيما هنّ يمتدحنه، وهو يزداد ثقة في نفسه، وتتّسع دائرة جمهوره، فبعد أن كانت من الأولاد أصدقاء الشارع أو المدرسة، أصبح الجمهور من سيدات المجتمع، وأصبح فريد يمارس التمثيل في أي وقت من ليل أو نهار، أمام والدته وكل أفراد العائلة، بلا حرج، بل على العكس فقد أضحى مثار فخر واعتزاز الأم قبل الجميع.البقية في الحلقة المقبلة