النصف الأول من سينما 2011... أبعاد أخرى (2ـ2)

نشر في 08-08-2011
آخر تحديث 08-08-2011 | 22:02
 محمد بدر الدين على رغم قصر موسم الصيف السينمائي هذا العام (وهو ذاته سينما نصف العام الأول)، إلا أننا نجد فيه مؤشرات وملامح تفيد في قراءة سينما المرحلة المقبلة.

يستمرّ تعدّد المستويات الفنية والتقنية، بل اختلاف الأفلام الشديد من اتجاه سينمائي ينشد تقديم سينما رفيعة ويعبّر عن فن وفنان حقيقيّين («حاوي» لإبراهيم البطوط)، إلى اتجاهات (أو بالأحرى تفاهات!) واضحة الابتذال تمتلئ بها السينما التجارية والاستهلاكية، مروراً بمحاولات لتقديم سينما قد تجمع بين تواضع الشأن فنياً وطموح إلى مساهمة متميّزة في عنصر ما، أو تجمع بين سينما التسلية المحضة وعدم الوقوع في الابتذال.

يؤكد «حاوي» أن السينما المصرية شهدت في مراحلها المختلفة محاولات تقديم فن ينتمي إلى الفن وليس الإتجار به، من خلال تجربة وأسلوب خاصّين عن رؤية الفنانين لمجتمعهم والعالم الذي يحيون فيه، هؤلاء تؤرقهم قضية تطوير السينما كوسيلة تعبير إبداعي شغفوا بها، ويجسّدون رؤاهم و{حياتهم وأعصابهم» من خلالها، كذلك قضية تطوير المجتمع الذي يعيشون فيه ويعانون مشاكله، وهم يتّخذون الفن وسيلة وسلاحاً لتحقيق إسهامهم في القضيّتين.

عادةً، يوصف البطوط بأنه «الأب الروحي» لاتجاه السينما المستقلّة (وإن كان يفضّل تعبير السينما البديلة أو المختلفة)، وليست المسألة في هذه النوعية من الأفلام تصويرها بكاميرا ديجيتال، أو كونها نوعية محدودة التكاليف الإنتاجية نسبياً، فهذه تفاصيل واختلافات في الوسائل والتقنية والظروف (من خارج العملية الإبداعية ذاتها)، لكن الإبداع لدى البطوط وأقرانه ممن ينتمون إلى الاتجاه نفسه، هو معنى التعبير عن روح الفنان وروح العصر في آن.

فمن يشاهد «حاوي» يدرك أن صاحبه لا يقيّد نفسه بأساليب سابقة للسرد السينمائي أو لرسم الشخصيات وطبيعة العلاقات بينها، ويستخدم المونتاج والديكور والإضاءة والموسيقى والمؤثرات بصورة جديدة طازجة. حتى الأداء التمثيلي يلجأ فيه إلى ممثلين غير محترفين غالباً (وحدها حنان يوسف محترفة)، فيشرح لهم المشهد والموقف بطريقة دقيقة وافية، لكن يترك لهم مساحة ارتجال وإبداع خاص، فيأتي الأداء مختلفاً عن المعهود. والحقّ أن المسألة في مجمل عناصر الفيلم ليست اختلافاً في الحرفية أو التقنية فحسب، إنما هي تعبير، في الأساس، عن اختلاف رؤى فكرية لجيل جديد، يتجاوز، باختياره وحسّه، قوالب الإيديولوجيات الجامدة، فيقدّم فناً (عابراً للنوعيات) ورؤى حداثية (أو بعد حداثية) وهو جزء أصيل من جيل عصره، ولا يستعير أي عصر سبق فكره أو روحه.

يرتبط مستقبل السينما المصرية والعربية ومدى تقدّمها المنتظر بأصالة الفنان المصري والعربي، وعمق موهبته ورؤاه، وصدقه في التعبير عن ذاته وروحه وحلمه في تطوير الفن والمجتمع والحياة، إلى حدّ التغيير الكلي الجذري و{الثورة» ذاتها.

كلّما انتصر هذا الاتجاه، خبا واندحر نوع المتسلّقين أو المتطفّلين لاستغلال الفن والإتجار به والتربّح من ورائه، كما رأينا خلال الموسم في نماذج: «سامي أوكسيد الكربون»، «الفيل في المنديل»، «فوكك مني»، وسيشعر أصحاب المشاريع السينمائية المتوسّطة القيمة بالقلق والارتباك إن لم يكن التهاوي، أو تلك التي حاولت أن تجمع بين الجدية والاستسهال كما رأينا في: «الفاجومي»، «صرخة نملة»، «المركب»...

back to top