مارتن سكورسيسي طفل حنون في Hugo.. تخلى عن العنف والانتقام

نشر في 13-12-2011 | 00:02
آخر تحديث 13-12-2011 | 00:02
قد تعتقد أنك قادر على تخيّل ما ستراه في فيلم مارتين سكورسيسي الجديد Hugo. قد تظنّ أنك ستشاهد مشاهد عنف وعراك وضرب، أو بطلة تفقد صوابها وينتهي بها المطاف في مصح للأمراض النفسية، أو قصة عن الانتقام تنطوي على مشاهد إطلاق نار وطعن بالسكاكين.

لكن لا شك أنه لن يخطر على بالك أنك قد ترى في الفيلم طفلاً يتيماً لطيفاً في طور البحث عن عائلة جديدة تتبنّاه.

ألقِ نظرة على أفلام مارتين سكورسيسي مثل Godfellas

وRaging Bull وThe Departed وShutter Island وCape Fear

وGangs of New York، وستجد صعوبة في تقبّل فكرة أن هذا المخرج نفسه يقف وراء فيلم Hugo العائلي والثلاثي الأبعاد. في بعض النواحي، ساهمت اهتمامات سكورسيسي الشخصية والمهنية في حثّه على إخراج عمل لطيف مثل Hugo على رغم أنه يدرك تماماً أن الجمهور يرتعب من أفلامه السابقة.

يبلغ سكورسيسي التسعة والستين عاماً ولديه من زوجته هيلين موريس التي تعمل في مجال نشر الكتب ابنةً تدعى فرانشيسكار (12 عاماً)، يقول: «أخرجت هذه المرّة فيلماً طبيعياً لا يشبه سائر أفلامي، وقد جاء وليد تجربة الأبوة مع طفلة تشاركني حياتي وحياة زوجتي».

تابع سكورسيسي كلامه مفسّراً الأمور التي جذبته إلى هذا المشروع: «صُنعت أفلام رائعة كثيرة عن الأطفال، وثمة أفلام رائعة صوّرت من وجهة نظر الأطفال أنفسهم. لكن ما هي الأمور التي يستطيع الأطفال فعلاً فهمها أو إدراكها؟».

برايان سيلزنيك

اقتبس الكاتب السينمائي جون لوغان (كتب نص  The Aviator من إخراج سكورسيسي) قصة الفيلم عن كتاب برايان سيلزنيك للأطفال الغني بالصور والألوان The Invention of Hugo Cabret.

فيلم سكورسيسي الجديد دراما مكتوبة على طريقة تشارلز ديكنز تحكي عن صبي وحيد يبحث عن السعادة، وتتطرّق أيضاً إلى بعض المواضيع المحبّبة إلى قلب هذا المخرج الحائز جائزة أوسكار، وأبرزها: تاريخ السينما وطرق الحفاظ على الأفلام. إنه فعلاً فيلم درامي وتعبير عن حبّ المخرج لعالم السينما.

على غرار الرواية، يركّز Hugo على العلاقة القائمة بين هيوغو كابريه (آزا بوترفيلد)، صبيّ يحبّ الساعات يعيش في محطّة قطار في باريس في ثلاثينيات القرن العشرين، وبائع ألعاب صعب المراس (بين كينغسلي). في الفيلم، هيوغو يتيم الأب ويتركه عمّه المدمن على الكحول (راي وينستون) يغرق في دوامة الفقر والجوع ويجعله يتعرّض لمضايقات مفتّش المحطة الديكتاتوري (ساشا بارون كوهين) الذي يقرّر إرساله إلى دار للأيتام.

خلال عمله كمسؤول عن الاهتمام بساعات محطّة القطار الضخمة، ينجح هيوغو بإصلاح رجل آلي صغير يتبيّن أنه قادر على نقل رسالة من والد الصبي المتوفى. كذلك يتبيّن أنه يحمل بيانات أخرى في ذاكرته الممحيّة.

في بادئ الأمر، تشكل هذه البيانات خطراً على العلاقة بين الصبي وبائع اللعب، إلا أنها سرعان ما تعزّز العلاقة وتقويها. لاحقاً، يكتشف الصبي أن بائع الألعاب هو جورج ميلييس الذي كان رائداً في مجال السينما والذي صنع أفلاماً ناجحة قبل تحوّله إلى عالم بيع الألعاب. يُذكر أن كاتب الفيلم سيلزنيك، قريب منتج فيلم Gone With the Wind دايفيد أو سيلزنيك، استوحى فكره تأليف الكتاب بعد مشاهدته الفيلم القصير والشهير الذي أخرجه ميلييس في عام 1902 A Trip to the Moon.

تندرج العوامل نفسها التي جعلت من Hugo فيلماً مثيراً للاهتمام في إطار التحدي التجاري الذي واجهه هذا العمل. فرواد السينما الذين يحبّون أفلام سكورسيكي الناضجة قد لا يتحمّسون لمشاهدة فيلم عن صبي في الثانية عشرة من عمره. كذلك قد يلاحظ الأهالي المنفتحون بما فيه الكفاية لاصطحاب أطفالهم إلى مشاهدة فيلم من إخراج سكورسيسي علامات الملل والضجر على وجوه أطفالهم خلال العرض الذي يمتدّ على ساعتين ويغوص في تاريخ إنتاج الصور المتحرّكة. يُشار إلى أن الفيلم يخوض منافسة محتدمة مع أفلام للأطفال صدرت أخيراً مثلThe Muppets وArthur Christmas،

و Happy Feet 2.

لكن على الجمهور، من مختلف الفئات العمرية، أن يبدي أكثر من مجرّد فضول لمشاهدة ما قام به أحد أهم المخرجين الأميركيين في فيلمه العائلي الأخير، لا سيما أنه استعمل في تصويره كاميرات مجسّمة. وعلى غرار ميلييس الذي بدأ مسيرته المهنية كساحر، برهن سكورسيسي في Hugo أنه لا يزال لديه بعض الحيل والخدع للقيام بها.

عندما أُرسل نصّ سيلزنيك في عام 2007 إلى المنتج غراهام كينغ الذي تعاون مع سكورسيس في أفلام Gangs of New York وThe Aviator وThe Departed الذي حاز جائزة أفضل صورة، كان لدى كينغ تصوّر جديد للفيلم وبدا لوهلة أنه مخرج العمل، فقد شعر أن كثرة الصور في النص الرامية إلى تقليد نصوص أفلام الأطفال جعلته يحسّ أن The Invention of Hugo Cabret يحصل أمام عينيه.

فهم كينغ أيضاً أن سكورسيسي، الذي كان قد انتهى لتوّه من تصوير فيلم الحركة  The Departed الذي يتحدّث عن رجال شرطة ويصوّر عمليات مطاردة، كان يبحث عن التغيير، وقال كينغ: «عرفت أن مارتي كان ينوي القيام بعمل مختلف، فيلم يتعلّق بالأطفال».

في الواقع، كان هذا المخرج الذي لم يقم بأي أفلام للأطفال بعدThe Age of Innocence الذي صدر في عام 1993، مهتماً في تلك الفترة ببدء العمل على فيلم Shutter Island. في إحدى المراحل، تم اختيار كريس ويدج (مخرج فيلم Ice Age) لإخراج Hugo إلا أن العمل لم يبدأ معه.

مع مرور الوقت، بدأ سكورسيسي يتقبّل الفكرة ويرحّب بها، لا سيما عندما تلقّى من لوغان نسخة من نص الفيلم أثناء تصويره فيلم Shutter Island. بعد انتهائه من إخراج فيلم الإثارة النفسية هذا، وأثناء انشغاله بالعمل على فيلمه الوثائقي  George Harrison: Living in the Material World، بدأ يفكر بمقاربة لفيلم Hugo.

صحيح أن ابنتي المخرج اللتين أنجبهما من زواجين سابقين قد كبرتا، إلا انه كان لفرانشيسكا تواجد كبير في حياته اليومية في مانهاتن وتأثير في طريقة رؤيته العالم. في هذا الإطار، قال سكورسيسي وهو يضحك ويحرّك يديه: «بدأت أنظر إلى كل ما حولي بطريقة مختلفة للغاية. عشت تجربة الأبوة مرّات عدّة في حياتي، وفي مراحل مختلفة منها، وفي كل مرّة كنت شخصاً مغايراً إلى حدّ معيّن. اليوم، أجد أن أموراً كثيرة مثيرة للاهتمام. في الواقع، لم أفهم الأمر جيّداً إلى أن اضطررنا زوجتي وأنا إلى التعامل معه».

على غرار هيوغو، ابتكرت فرانشيسكا عالم الأحلام الخاص بها فأصبح سكورسيسي لاعباً فيه، وقال: «عندما كانت ابنتي تبلغ عاماً ونصف العام كانت ترى غرفاً خيالية في غرفتها وكنت أجاريها في لعبتها فأدّعي أنني أسبح في مختلف أنحاء الغرفة. كنت أستمتع بذلك}.

كانت هذه التجارب أشبه بإجراء امتحان دخول للفيلم، لا سيّما وأن كتاب سيلزنيك ونص لوغان كانا يعرضان حياة هيوغو الصاخبة والمحفوفة بالمخاطر. في هذا الإطار، ذكر سكورسيسي: «جعلت مشاهد العنف، والمشاهد المضحكة، والمشاهد التي تمنح فيها الحيوانات صفات إنسانية، الفيلم غنياً ولافتاً. كي يستطيع الإنسان أن يكون حرّا وغير مقيّد بأي قواعد، عليه أن يراقب الأطفال، لا سيما أولئك المبدعين، وأنا أعمد إلى مراقبة الكثير منهم لأنهم يجسّدون الحرية المطلقة».

تابع سكورسيسي: «بقيت أتساءل عن المقاربة التي سأنتهجها في إخراج الفيلم وعما إذا عليّ أن أظهر الطريقة التي يرى فيها الصبي الأمور. كان لا بد من إلقاء الضوء على الوحدة التي يعيش فيها، فهي العنصر المفتاح الذي جذبني إلى القصة».

على صعيد آخر، قال لوغان إن أحد أبرز التحدّيات كمن في أقلمة الرواية لتصبح نصاً سينمائياً. صحيح أن الكتاب مليء بصور يمكن إبرازها في فيلم سينمائي، إلا أنه اضطرّ إلى أن يترجم أفكار هيوغو الداخلية بحركة سينمائية. لذلك، أضاف بعض الشخصيات الثانوية والمركّبة بغية ملء محطة القطار بالناس. في الوقت عينه، بحث لوغان وسكورسيسي عن طرق لإضفاء عامل التوتر على القصة من خلال إبراز آليات عمل الساعة.

نخبة الفنانين

بالنسبة إلى الميزانية،، لم يبخل سكورسيسي وكينغ في الإنفاق على هذا الفيلم (يقول المنتج إن ميزانية الفيلم لم تتجاوز الـ150 مليون دولار). ذاك أن المخرج حشد نخبة من مدراء الأقسام الذين فازوا بجوائز أوسكار: مصمم الإنتاج داني فيريتي (The Aviator، Sweeney Todd)، المصوّر السينمائي روبرت ريتشاردسون (The Aviator, JFK)، المحرّرة ثيلما سكونمايكر (The Departed, Raging Bull)، ومصمّمة الأزياء  ساندي بويل (Shakespeare in Love, The Young Victoria)، والمؤلف الموسيقي هاورد شور (The Lord of the Rings, The Silence of the Lambs)

بعد عملية بحث مكثّفة عن الحياة الباريسية في الثلاثينيات، بنى فريق الإنتاج محطة قطار كاملة داخل استوديوهات Shepperton Studios في بريطانيا ليستفيد بذلك من الإعفاءات الضريبية في برطانيا، ومن قرب البلد من بعض المواقع الخارجية التي صور فيها الفيلم. لكن ما هي الطريقة المثلى لتصوير فيلم Hugo؟ كيف لطفل يتمتّع برؤية مبالغة إلى الأمور أن يترجم وجهة النظر هذه؟ كيف من الممكن دمج رواد السينما في عالم هيوغو وجعلهم يختبرون صخب الحياة في محطة القطار الباريسية هذه؟ أجاب سكورسيسي: «وجدت عملية ابتكار واقع غني بالشخصيات والأحداث وجعل الجمهور يغوص فيه عملاً ساحراً». فعلاً، توصل سكورسيسي إلى طريقة لجعل الجمهور يفعل ذلك. لقد كمن السرّ في اعتماد الصورة الثلاثية الأبعاد.

ذهل ملييس، الذي توفي في عام 1938، عندما شاهد عرضاً للأخوين لوميير يرقى إلى عام 1895، وكتب عندما شاهد أول الأفلام التي عرفتها السينما: «جلسنا وأفواهنا مفتوحة من شدّة الدهشة. لم ننبس ببنت شفة». استطاع ملييس باعتماده تقنيات كان يستخدمها في عروضه السحرية وباختراعه تقنيات أخرى، أن يبتكر ويعيد تطوير تقنيات تصوير كثيرة لا تزال تستخدم حتى يومنا، ومن بينها تصوير الفترات الزمنية المتباعدة، والمؤثرات الخاصة التي تسمح بالقيام بتحويلات وتغييرات.

اليوم، بعد مرور قرن على ذلك، يبدو أن سكورسيسي الذي لو لم يصبح مخرجاً سينمائياً لكان أصبح عميد كلية الدراسات السينمائية في إحدى الجامعات، يتّبع خطى سلفه باستخدامه أحدث التقنيات وباعتماد التصوير الثلاثي الأبعاد. فسّر سكورسيسي هذا الأمر: «كان ملييس يطمح إلى العمل بهذه الطريقة، فثمة اليوم في فرنسا لقطات صوّرها بتقنية التصوير الثلاثي الأبعاد».

لكن، تعدّ كاميرات التصوير الثلاثي الأبعاد المستخدمة اليوم ضخمة وتتطلّب تقنيات إضاءة معقّدة. إضافة إلى ذلك، حدّت هذه التقنية من ساعات العمل اليومية فلم يكن بوسع سكورسيسي العمل مع ممثليه الشباب سوى أربع ساعات يومياً. كذلك كان يشتكي المخرج بين الحين والآخر من عدم التقاط هذه الكاميرات لقطات دقيقة. لكن هذه المشكلة كانت تحّل ما إن يضع نظاراته الثلاثية الأبعاد.

منذ اللحظة الأولى التي يبدأ فيها الفيلم، تلاحظ أن سكورسيسي يستخدم كاميراته المجسّمة ليعطي العمل عمقاً محدّداً، وتظهر غالباً محطة القطار مليئة بالبخار والدخان المتصاعد من مراوح حرارية ومن أنابيب ومن مركبات وحتى من كعكات الكرواسان الساخنة، ما يساعد على الفصل بين المشهد الأمامي والمشهد الخلفي.

تكنولوجيا التطوير

بينما يعمد سكورسيسي إلى إخفاء حقيقة أن تكنولوجيا التصوير الثلاثي الأبعاد قد أساء البعض استعمالها، قائلاً: «هذه التقنية عرفت بعض الحيل على مرّ الأعوام»، يقول من جهة أخرى أنه كان متأكداً بعد مشاهدة فيلم Avatar لجايمس كاميرون أن خياره كان صائباً: «جمّعت كثيراً من الصور الثلاثية الأبعاد على مرّ الأعوام. عندما كنت طفلاً، كانت لدي بطاقات بريدية عليها صورتين. كنت أضعها في المجسام وأنظر إليها. لن أنسى في حياتي صورة تيدي روزفلت وصورة فرقة Rough Riders وهذا النوع من الصور. عندما تشاهد فيلم Hugo بتقنية الأبعاد الثلاثة، تشعر وكأنك مشارك في الفيلم. تشعر بأنك موجود في الفيلم وقادر على لمس الغبار. يحملك هذا الإحساس إلى عالم آخر».

قال المنتج كينغ إنه يعي أن الجمهور في حاجة إلى بعض التوعية: «إخبار الأهل أنهم يستطيعون إصطحاب أطفالهم لمشاهدة فيلم من إخراج سكورسيسي مهمّة صعبة». في المقابل، يقول مخرج الفيلم، الذي يعترف بأنه لم يستطع أن يري أياً من أفلامه الأخيرة لابنته الصغيرة، إلى الأهالي والأطفال على حدّ سواء: لا تتردّدوا في مشاهدة الفيلم، فهو عملي الوحيد الذي يعتبر فيلماً عائلياً، وقد أخرجته لإعجابي بالصبي».

بعد انتهاء سكورسيسي من عمله الأخير، لم يقرّر بعد في أي من المشاريع يبدأ العمل. ختاماً، قال لوغان إنه مهما بدت أفلام سكورسيسي درامية، ثمة عامل مشترك يجمع ما بينها: «مارتي شخص عالي الإنسانية. ما يحمّسه في عالم السينما هو ليس العمل التقني وطرق التصوير فحسب، إنما أيضاً الرغبة في الغوض في أعماق البشر. إذ قد يتحمّس لتصوير شخصية ترايفيس بيكل في فيلم  Taxi Driver أو شخصية هيوغو كابريه. قلماّ يهمّ ما يفعل. المهمّ أنه يبدع في ما يفعل».

back to top