الشاعر عبدالله العتيبي... عاشق الدار وصوت الكويت المعبِّر عن إحساسها

نشر في 27-08-2011 | 22:01
آخر تحديث 27-08-2011 | 22:01
عُرف الشاعر الراحل د. عبدالله العتيبي بحسّه الوطني والقومي، لذا جاءت قصائده المغناة، سواء الفصحى أو العامية، معبِّرة عن واقع الوطن، مستفيداً في ذلك من علاقاته بالمطربين الكويتيين، لتقديم قصائد خالدة، فاعتبره النقاد صوت الكويت الوفي في الداخل والخارج.

اسمه الثلاثي عبدالله محمد العتيبي من مواليد مدينة الكويت 1943، أتمّ تعليمه الابتدائي في مدارس الكويت وأكمل مراحل الدراسة الجامعية في جامعة القاهرة، فحاز إجازة في كلية دار العلوم وعاد إلى الوطن وعمل مدرّساً في المرحلة الثانوية في وزارة التربية (1967) ثم معيد بعثة (-1968 1978) وحاز الماجستير (1973) ثم شهادة الدكتوراه (1978) في الجامعة نفسها، وكانت رسالته للماجستير حول شعر السلم في العصر الجاهلي، أما رسالة الدكتوراه فكانت في موضوع الحرب والسلم في الشعر الجاهلي وصدر الإسلام إلى العهد الأموي.

كان الشاعر عبدالله العتيبي، رحمة الله عليه، أديباً وشاعراً عربياً من الطراز الأول، له مؤلفات أثرت المكتبة العربية، من بينها دراسات في الشعر الشعبي الكويتي، وكتاب حول الشاعر عبدالله سنان بالاشتراك مع خالد سعود الزيد.

أما شعره فجمعه في ديوانين: «مزار الحلم» و{أغاني الوطن» الذي يضمّ قصائده الوطنية قديمها وجديدها.

مناصب

تولى الدكتور عبدالله العتيبي مناصب من بينها: مساعد عميد لشؤون الطلبة، رئيس قسم اللغة العربية في جامعة الكويت، عميد كلية الآداب بالوكالة، عضو في مجلس إدارة رابطة الأدباء ثم الأمين العام لها، رئيس تحرير المجلة العربية، عضو مجلس إدارة المعهد العالي للفنون الموسيقية، عضو في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، نائب رئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء الكويتية «كونا» وقد ترك، بعد التحرير حتى وفاته، بصماته على هذه المؤسسة الإعلامية الوطنية، إذ ساهم في إعادة بنائها وأدى دوراً كبيراً في تطويرها.

أول قصيدة

انطلقت مسيرة الشاعر مع الكتابة الشعرية عام 1965، وقد أذيعت له أول قصيدة في إذاعة الكويت، في احتفالات عيد الاستقلال، غناها شادي الخليج ولحنها أحمد باقر، تميزت بإحساس الشاعر المرهف، يقول فيها:

أنا عربي والعروبة أمّتي

بالعيد جئت معبراً عن فرحتي

أقسمت أن أهب الحياة رخيصة

لتظل في أفق التحرر رايتي

شعب عريق

عرف الطريق

لعزتي وكرامتي

علاقته بالفن

بدأت علاقة عبدالله العتيبي بالفن انطلاقاً من الشعر ومنه اتّجه إلى كتابة الأغنية، لعلاقته الشخصية بفنانين كويتيين عندما كانوا طلبة في الجامعات المصرية، ومن هؤلاء الأصدقاء: الملحن غنام الديكان والفنان شادي الخليج.

ومن خلال الصداقة بذلوا الجهود لدفع عجلة تطوّر الأغنية الكويتية واحتلالها مكانة لائقة كوجه من وجوه الفن المتعدّد، لإيمانهم الثابت بدور الأغنية في تربية الذوق الاجتماعي وتهذيب المشاعر، بعدما كانت ترفاً يزجي به الوقت من دون إدراك الدور الحقيقي لها كعامل مؤثر في البناء الاجتماعي.

«لا يا قلبي»

كانت ثمرة التعاون بين شادي الخليج ود. عبدالله العتيبي وأحمد باقر تقديم أغنيات في مجالات دينية ووطنية وعاطفية... وكانت البداية أغنية «لا يا قلبي» (سجلت عام 1964)، عاطفية من ألحان أحمد باقر وغناء شادي الخليج الذي كان يدرس في المعهد العالي للتربية الموسيقية، يقول الشاعر في مطلعها:

لا يا قلبي أنا تكفيني ابتسامة من حبيبي

ولا نظرة ولا كلمة حلوة تطفي لي لهيبي

لا يا قلبي...

لا يا قلبي خايف اكشف حبي له واشرح غرامي

لا يا قلبي يبعد عني ويزعل من كلامي

«حالي حال»

بعد عام 1965 توقّف شادي الخليج عن الغناء واكتفى بتقديم بعض الأصوات الشعبية في المناسبات، في عام 1976 عاد إلى الغناء في «حالي حال»، أغنية عاطفية من كلمات الشاعر الدكتور عبدالله العتيبي وألحان الفنان القدير غنام الديكان، سجلت في استديوهات القاهرة واعتبرتها الأوساط الغنائية في الكويت دفعاً للأغنية الكويتية إلى الأمام.

«قوافل الأيام»

الحديث عن الشاعر الدكتور عبدالله العتيبي ومساهماته في مجال الأغنية الوطنية الكويتية يمرّ عبر الفنان شادي الخليج والملحن غنام الديكان، إذ شكلوا ثلاثياً غنائياً مهماً من خلال الترابط والانسجام بين بعضهم البعض من نواحي الكلمة والأداء واللحن. وقد اشتهر الدكتور عبدالله العتيبي بكتابة الشعر الوطني الذي أصبح إحدى سمات الثقافة الكويتية وسجّلت له قصائد وطنية غناها الفنان القدير شادي الخليج ومن ألحان غنام الديكان، من بينها ملحمة «قوافل الأيام» (1981)، يقول فيها:

قوافل الأيام جاءتنا من

الماضي تحيي ركبنا

وقائد الأيام ماضينا

إلى التاريخ يهدي دربنا

قوافل الأيام

عادت لوادينا

عطرية الانسام

من نفح ماضينا

استخدم غنام الديكان فيها إيقاعات متعددة من بينها إيقاع السنكني الذي استعمله للمرة الأولى، وإيقاعات شعبية مختلفة.

«الزمن العربي»

إحدى القصائد الرائعة التي كتبها الشاعر الراحل «الزمن العربي»، تحكي الواقع العربي وظروفه الحاضرة كنموذج لارتباط الفن بواقعنا وواقع الوطن، غناها شادي الخليج، ولحنها غنام الديكان ووزّع اللحن الفنان سعيد البنا. من أبياتها:

إذا رأيت سماء لا يفارقها

دفء الشموس وإطلالة القمر

وإن عبرت حدوداً لا تبارحها

غنائم الحسن فترى حلوة الصور

قلادة الزمن الماضي ومبدؤه

يخضرّ شوقاً إليها سالف الزمن

قُدمت هذه الأغنية في حفلة ختام «مهرجان الخليج الثالث للإنتاج التلفزيوني» (1982) من إخراج فيصل الضاحي، وهي مزيج من القصيدة والفولكلور الخليجي المتوارث وألحان خليجية متوارثة من بينها: فن العدساني، فن الخماري، التوشيحة، صوت شامي، العرضة البرية والعرضة البحرية، بمعنى أن القصيدة كاملة بألحان خليجية.

«أنا الآتي»

إحدى الملاحم المميّزة التي قدّمها الدكتور عبدالله العتيبي «أنا الآتي»، لحّنها الفنان غنام الديكان وغناها المطرب شادي الخليج (1982)، يقول فيها:

أنا الآتي أخي الإنسان

أغنية خليجية

تموج بأعذب الألحان

تهدي ألف أمنية

يوضح الملحّن غنام الديكان المذاهب الموسيقية التي استخدمها في اللحن: «تمثل البداية كأي بداية لرحلة بحرية، استخدمت نغماً من الفولكلور الشعبي، وهذا ما يطلقه البحارة عادة على ظهر السفينة عند بدء رحلة ما».

تتوجه الأغنية إلى الإنسان الخليجي، لذا بدأ المؤلف الأغنية مستخدماً «الياهي»، نوع من الدعاء ينتهي كل شطر منه بكلمة «يا ربّ صلي على أحمد».

في ملحمته الرائعة أرّخ عبدالله العتيبي للماضي وبطولاته وأمجاده، فاستحثّ عزيمة الأجيال في مسيرتها، مذكراً إياها بماضيها التليد وعراقتها، عارضاً الآفاق الرحبة لبناء مستقبلها الزاهر، يقول:

وفي صبر الرجال السمر

بين الموج والظلمة

وفي الأسفار والغربة

وليل الغوص والكربه

أغني رغم آهاتي

وأحلم بالغد الآتي

«دفعها الله»

عام 1985 كتب عبدالله العتيبي «دفعها الله»، أغنية خاصة ابتهاجاً بسلامة حضرة صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله، وسلامة الكويت من الاعتداء الغاشم الذي تعرّض له موكبه...

أدى الأغنية شادي الخليج ولحّنها غنام الديكان الذي وظّف الفن الشعبي في صياغة هذا اللحن، وتنقّل بين الجمل الموسيقية على فن اليامال والإيقاع البحري والعرضة البحرية وختمه بإيقاع الدزة.. يقول مطلع الأغنية:

دفعها ربك القادر

على كل ظالم غادر

دفعها وانجبر خاطر

جميع اللي سكن الكويت

بغوها نار زلزال

وطفاها ربك العالي

ونجا شيخنا الغالي

وصلى شاكر كل بيت

«أهل الكويت»

في أول احتفالية لشعب الكويت بالعيد الوطني وعيد التحرير (فبراير 1992) قدّم الشاعر عبدالله العتيبي قصيدة «أهل الكويت»، ألحان المبدع غنام الديكان، غناء شادي الخليج يقول فيها:

نحن أجلنا أغاني العيد للعيد الجديد

حين يأتي أهلنا الغياب من سجن العبيد

حين ينمو شجر الصبر على قبر الشهيد

حين يأتي يا كويت حلمنا العذب السعيد

عندها سوف نغني ونغني

وسنطوي صفحة اليأس

إلى سفر التمني

«صدى التاريخ»

قدّم الشاعر العتيبي ملحمة «صدى التاريخ» (1986) وهي تحكي تاريخ الكويت قبل انبثاق النفط وترسم، ببساطة، الوجه الحقيقي للشعب الكويتي من خلال 24 لوحة فنية شارك فيها أكثر من مائة عازف ومؤدٍّ...

قدّمت الملحمة ترنيمات وأهازيج أصحاب المهن القديمة... من خلال فنون الصوت العربي وفنون الخماري والحدادي والسامري وبعض أهازيج وأغاني البادية والأطفال... لحّن الملحمة غنام الديكان وغناها شادي الخليج، ومن كلماتها:

يا صدى التاريخ

يا صدى التاريخ

من كاظمة... عادت الذكرى فكن أنت المغني

رجع الأيام من أولها

وأعد ركب المنى حيث التمني

حديث السور

في 25 فبراير 1988 لمناسبة العيد الوطني الكويتي قدّم الدكتور عبدالله العيتبي «حديث السور»، ملحمة غنائية رائعة من ألحان غنام الديكان وغناء شادي الخليج، تضمّنت خمس لوحات استخدم فيها الملحن إيقاعات كويتية معروفة منها: الصوت، التوشيحة، السامري، إيقاع الدوسري، ويقول فيها:

كويت يا كويت

يا خطوة تجاسرت عل المحال

كويت يا كويت

يا غاية بمثلها لم يحلم الخيال

يا ديرة المحبة

والأهل... والأحبة

يا شاطئ الحنان

يا ديرة الجدود

مفتوحة الحدود

لطالب الأمان

«مواكب الوفاء»

ضمن احتفالات وزارة التربية في العيد الوطني المجيد (1990)، قدّم الدكتور عبدالله العتيبي «مواكب الوفاء»، ألحان الفنان القدير غنام الديكان، غناء فنان الكويت شادي الخليج، وقد شارك في هذا العمل الضخم حوالى ثلاثة آلاف طالب وطالبة إلى جانب الكورال والموسيقيين... هؤلاء قدموا إحدى أروع الملاحم الشعرية المعاصرة التي كتبها الشاعر عبدالله العتيبي وجسّد فيها تقاليد الأعراس في 22 دولة عربية وما تتضمّن من فولكلور غنائي ورقص شعبي تراثي وملابس وحلي من الذهب والفضة وغيرها من العادات التقاليد لهذه الاحتفالية العربية الأصيلة، يقول في المقدمة:

كويت والعربُ

الأهلُ والنسبُ

كأنهم حولها

العينُ والهدبُ

في ليلة العرسِ

كويتنا تمسي

وقد تحنت لها

بشائر الأنس

تتبّع العتيبي في «مواكب الوفاء» أصوليات الإيقاعات المختلفة لإعادة صياغة الألحان، وقد استمع الثلاثي شادي الخليج وغنام الديكان والدكتور عبدالله العتيبي إلى تسجيلات وطالعوا كتباً لاختيار المناسب من فولكلور كل دولة من الدول العربية، كذلك راعى العتيبي أن تكون الأغنية لكلّ الناس... كل حسب مستواه الثقافي والفكري، وأن تكون معانيها وألفاظها قريبة من فهم الإنسان العادي... يقول:

طرح الحب في رياض الأحبّة

فاقطفي يا كويت زَهَرَ المحبّة

إن من يمنحُ الليالي هلالاً

سوف تهدي قوافل النور دربه

«مواكب الوفاء» عمل فني ضخم استلهم فيه العتيبي ملامح التاريخ الاجتماعي والشعبي للبلاد العربية، من خلال رسم لوحات شعرية تمثل كل واحدة أهم السمات التاريخية والحضارية لكل بلد عربي، وبانوراما شعرية للفنون الشعبية العربية خصوصاً تلك المستخدمة في الأفراح والمناسبات السعيدة.. ومما قال في ملحمة «مواكب الوفاء»:

الحب والأمل

والشمل مكتمل

يا ليلة كتبت في غرة الزمن

نحي بفرحتنا

أسباب وحدتنا

يا راية خفقت في عيدنا الوطني

أغنيات وطنيَّة

استكمالاً للأشرطة التي قدّمها الفنان القدير شادي الخليج بعنوان «الله أكبر يا كويت» في فترة الاحتلال، صدر في مارس 1991 الجزء الخامس من هذه المجموعة التي لاقت رواجاً، تضمن أربع أغنيات وطنية رائعة تميزت، بالإضافة إلى المستوى العالي في الأداء واللحن، بالكلمات القوية التي كتبها الشاعر عبدالله العتيبي وجاءت مناسبة مع الحدث:

«كل العالم» من ألحان يوسف المهنا يقول فيها:

في وجه الطوفان الأسود

كل العالم فليتوحّد

حتى نحفظ وجه الدنيا

وغيوم الرحمة لا تتبدّد

«أنا الكويت» من ألحان غنام الديكان ويقول مطلعها:

أنا للرياح الجامحة لجامُ

وأنا بك من الصامدين حسام

أنا نهمة البحار في أهواله

أنا نخوة البدوي حين يضام

«نصر الكويت» من ألحان غنام الديكان يقول مطلعها:

أعزف على أوتار قلب الكويت

تأتي لك الأنغام من كل بيت

يأتيك لحن عبقري الصدى

يعطّر الدنيا بذكر الكويت

«صوت الشهداء»، من ألحان غنام الديكان، ويقول في مطلعها:

يا نجوم هوت فوق أرض الجدود

وارتفعتم بها في سماء الخلود

أنتم الأوفياء أيها الشهداء

قد وفيتم لها والليالي شهود

عاشق الدار

آخر الأشعار التي كتبها الدكتور عبدالله العتيبي قصيدة «عاشق الدار» التي قدمها شادي الخليج من ألحان غنام الديكان في حفلة تكريم خريجات مركز الدراسات الموسيقية (الثلاثاء 24 يناير 1995)، ويأتي هذا العمل تتويجاً لجهد الثلاثي (العتيبي والديكان وشادي الخليج)، يقول مطلع الأغنية:

سلمتك يا وطني أمري

وكتبت هواك على عمري

وتركت ممالك أشواقي

كي يسكن قلبك في صدري

ولأن سفائن أيامي

في غير بحارك لا تجري

وفاتــــه...

في 15 يناير 1995 فقدت الكويت أحد أبنائها البررة الأديب والشاعر الدكتور عبدالله محمد العتيبي الذي وافته المنية في لندن عن عمر يناهز الثالثة والخمسين. كان رحمه الله أديباً وشاعراً عربياً من الطراز الأول.

back to top