الحركة الخضراء في إيران حققت هدفها
ما موقع المعارضة الإيرانية اليوم بعد سنتين على تحركها الأخير؟ لقد كان ثمن التعبير عن الرأي باهظاً، ومع ذلك، حققت الحركة هدفها الأساسي عبر التفوق أخلاقياً على الفريق الآخر، والكشف عن الوجه الحقيقي للنظام الإسلامي، وتجريده من معظم شرعيته السياسية.
بعد أن اعتُبرت الحركة الخضراء الإيرانية، في يونيو 2009، نموذجاً للاحتجاجات السلمية ضد النظام الاستبدادي، سرعان ما فقدت هذه الحركة زخمها وتراجعت قدرتها على تعبئة الشعب داخل إيران، بينما نجحت أحداث ربيع العرب في الإطاحة بعدد من الأنظمة في أنحاء المنطقة.إن حسني مبارك قيد الاحتجاز في مصر، أما في إيران، فقد وُضع المرشحان اللذان هُزما في الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في يونيو 2009 ولعبا دوراً مهماً في إنشاء الحركة الخضراء– مير حسين موسوي، رئيس حكومة سابق، ومهدي كروبي، رجل دين ومتحدث سابق باسم البرلمان- تحت الإقامة الجبرية ومُنعا من التواصل بأي شكل من الأشكال مع العالم الخارجي. على عكس توقعاتهما وتكهنات عدد كبير من المعارضين والمحتجين الإيرانيين، يبدو أن الكفة تميل لمصلحة المتشددين، وتحديداً الحرس الثوري الإيراني.ماذا حصل إذن؟ وما موقع الحركة الخضراء بعد سنتين على الاحتجاجات الحاشدة؟لا شك أن ثمن التعبير عن الحقيقة فاق جميع التوقعات بالنسبة إلى الناشطين المدنيين الإيرانيين، فقد أدى إلى حملة اعتقالات واسعة، ومحاكمات استعراضية بما يشبه أسلوب ستالين، فضلاً عن ارتكاب أعمال التعذيب والاغتصاب والقتل، كذلك، أدت طبيعة النظام الإيراني، بما يتمتع به من نفوذ للتفريق بين محوري السلطة- أي الرئيس والقائد الأعلى- إلى تعقيد عملية التغيير وإبطائها.ومع ذلك، حققت الحركة الخضراء هدفها عبر التفوق أخلاقياً على الفريق الآخر، والكشف عن الوجه الحقيقي للنظام الإسلامي، وتجريده من معظم شرعيته السياسية، فضلاً عن ذلك، نجحت الحركة في تسريع نهاية ظاهرة "الخمينية" عبر الكشف عن الشرخ السياسي القائم داخل السلطة السياسية الإيرانية.نتيجة الأزمة السياسية الراهنة في إيران- وتحديداً تلك القائمة بين الرئيس ومستشاريه ووزرائه من جهة، والمحافظين في المجلس والحرس الثوري من جهة أخرى- بلغ الوضع أقصى حدود المواجهة الآن، ومن المستبعد أن ينتهي الأمر بطريقة سلمية وودية.نظام متصدعلقد ارتكب الرئيس محمود أحمدي نجاد الآن غلطة سبق أن ارتكبها رئيس إيراني آخر، وهو أبو حسن بني صدر، منذ 30 عاماً حين أُجبر على التنحي من السلطة واضطر إلى الذهاب إلى المنفى، وتتعلق تلك الغلطة بتحدي المؤسسة السياسية التي يحكمها القائد الأعلى، لكن هذه المرة، يشتق هذا التحدي من سلطة مزدوجة يرسخها دستور الجمهورية الإسلامية.يمنح الدستور الإيراني كامل النفوذ لحكم الشريعة وتكون السلطة مبنية على الإرادة الإلهية، ولكنه يذكر أيضاً إرادة الشعب وسيادته. لكن نشأت الانتفاضة الجمهورية للشعب الإيراني في المقام الأول بسبب هذه السيادة المزدوجة داخل الإطار السياسي الإيراني والانقسام الحاصل في المناصب العليا بين رجال الدين ومؤيدي نظرية الحكم المطلق. وكان مبدأ سيادة الشعب هو الذي دفع بالمرشحَّين للرئاسة، موسوي وكروبي، وداعميهما من رجال الدين، بمن فيهم آية الله الكبير يوسف صانعي، إلى تحدي أساليب الحكم الاستبدادية التي يعتمدها آية الله خامنئي.إنها المرة الأولى منذ ثورة عام 1979 التي يؤدي فيها اتساع الشرخ بين كبار رجال الدين في البلاد إلى تهديد نظرية ومؤسسة السلطة المطلقة للفقهاء، بحسب مقاربة آية الله خميني. بالتالي، لا يتوقف تصدع النظام الإيراني على مستقبل الاحتجاجات فحسب، بل على الأزمة المرتقبة على مستوى خلافة القائد الأعلى أيضاً. لسوء الحظ، من المتوقع أن يكون المتشددون، الذين يشغلون راهناً مناصب أساسية في السلطة ويتمتعون بنفوذ كبير في محيط آية الله خامنئي، هم الأكثر قدرة على تحديد مستقبل السلطة السياسية في إيران، لكن يمكن أن تغيّر مجموعة من العوامل الخارجية والداخلية السياق الذي سينشأ فيه الصراع على الخلافة.نضال الشعبأكثر ما يشغل المواطنين الإيرانيين العاديين اليوم هو تدهور الوضع الاقتصادي، وأكثر ما يثير قلق الإيرانيين هو ارتفاع الأسعار وتراجع فرص العمل. بحسب المصادر الرسمية، يقارب معدل البطالة ما نسبته 11%، وتشير بعض التقديرات إلى أنه سيرتفع إلى 15% هذه السنة. وفقاً لصندوق النقد الدولي، تواجه القوى العاملة الإيرانية أكبر موجة "استنزاف للأدمغة" في الشرق الأوسط، إذ يغادر أكثر من 180 ألف إيراني موهوب ومثقف البلد سنوياً بحثاً عن فرص عمل في أوروبا وأميركا الشمالية وهرباً من البيئة القمعية السائدة في إيران.يُضاف إلى هذه المشكلة اختبار جدي آخر تواجهه الجمهورية الإسلامية في قطاع إصلاحات الطاقة، فقد تراجع الدعم على فواتير الماء والكهرباء مقارنةً بالسنوات الماضية. صحيح أن ارتفاع أسعار النفط في الفترة الراهنة يمنح الحكومة الإيرانية دعماً موقتاً، لكن هذا الأمر لا يكفي لمنع تدهور الاقتصاد. من الواضح أن تردي الوضع الاقتصادي لا يؤدي حصراً إلى تصاعد التوتر داخل النظام الإيراني، ولكنه يلطخ سمعة النظام أيضاً.كذلك، يُعتبر السياق الإقليمي عاملاً مهماً في هذا المجال، فبسبب أعمال القمع العنيفة ضد المجتمع المدني الإيراني والتصدع الحاصل داخل الطبقة الإيرانية الحاكمة، تشوهت صورة النظام الذي كان في طليعة الجهات التي تقاوم الطغاة في العالم الإسلامي. كانت الثورات الأخيرة التي اجتاحت الشارع العربي للتصدي للأنظمة الدكتاتورية الفاسدة في تونس ومصر وأماكن أخرى أقرب إلى شكل التظاهرات السلمية في طهران منها إلى عصابات الباسيج التي أخمدت الثورة. لقد كسب النظام هذه السمعة دولياً باعتباره نظاماً إسلامياً قويماً يتصدى للأنظمة الفاسدة في أنحاء الشرق الأوسط، لكن ها هي السياسات المحلية المعادية للديمقراطية تجرد النظام تدريجاً من شرعيته كبلد "شعبي" و"إسلامي".تماماً مثل مصر وتونس، يواجه النظام الإيراني التحدي الأكبر من فئة الشباب- بما أن ثلثي الشعب الإيراني تحت سن الثلاثين- ويعتبر الشباب أن استفحال الفساد يسلبهم مستقبلهم.مع تراكم هذه العوامل كلها، لا نعرف بعد طبيعة الفتيل الذي قد يشعل موجة الاحتجاجات السلمية المقبلة عبر وسائل الإعلام، غير أن جميع الموجات المماثلة التي تؤكد المبادئ الجمهورية لسيادة الشعب تؤدي إلى إضعاف شرعية النظام الديني الإيراني.هل ستصل موجة الإصلاحات السلمية إلى إيران؟حتى الآن، تعتبر الحركة الخضراء نفسها ديمقراطية لأنها تكشف عن نقاط الضعف الفكرية والأعمال الوحشية السياسية للنظام الإسلامي، وتطالب بتحرير المعتقلين السياسيين واحترام حقوق الإنسان الأساسية. تماماً مثل الحركات الديمقراطية السلمية الأخرى في الشرق الأوسط، تنادي هذه الحركة بمطلب غير إيديولوجي: الكرامة؛ لهذا السبب، تفتقر هذه الحركة، كغيرها من الحركات التي اجتاحت المنطقة، إلى القيادة الحقيقية. إنها نقطة قوة ونقطة ضعف في آن.بعد مرور سنتين على التحرك الأخير، تقف الحركة الخضراء اليوم في موقع الترقب، وهي تستعد لاقتناص الفرصة التالية لإثبات وجودها مجدداً.تتعلق المسألة الأساسية في إيران بمعرفة مدى إمكانية إصلاح النظام السياسي بطريقة سلمية عبر العملية الانتخابية، فماذا سيتبقى من الحلم الإيراني بالديمقراطية في ظل استحالة تلبية مطلب الشعب بالتغيير بطريقة سلمية؟قد يضطر الإيرانيون إلى انتظار جيل آخر لتحقيق هذا الحلم على أرض الواقع، لكن بغض النظر عن النتيجة النهائية، سيحدد مستقبل النضال الديمقراطي في إيران مسار الشرق الأوسط في العقد الثاني من القرن الحاد والعشرين.