سليم البيك: لا أصدّق من يكتب حسب متطلبات السوق

نشر في 05-01-2012 | 00:02
آخر تحديث 05-01-2012 | 00:02
No Image Caption
أصدر القاص الفلسطيني سليم البيك مجموعته القصصية «كرز أو فاكهة حمراء للتشيزكيك» عن «الدار الأهلية»، التي تتمحور حول هموم العلاقة بين الرجل والمرأة، تحديداً في بعدها العاطفي... معه هذا الحوار.

في زمن ما يسمى الرواية «ديوان العولمة» أو «ديوان الثقافة»، لماذا اخترت أن تكتب القصة القصيرة؟ هل ما زال هذا الجنس الأدبي يعبّر عن الأفكار في زمن سيطرة النثر والثرثرة؟

في الحقيقة، لا أعرف تماماً كيف قرّرت كتابة القصة، أو البدء بهذا المشروع الذي خرج على صيغة «كرز، أو فاكهة حمراء للتشيزكيك». لا أذكر أني اخترته بقرار واع. أذكر أني كتبت بعض القصص، وكانت ذا ثيمة واحدة، رميت بعضها واعتنيت أكثر بأخريات، وأكملت وقرّرت لاحقاً، بعدما كنت قد وجدتُني مسبقاً في منتصف الطريق، أن أكمل الطريق إلى آخرها، أو ليس آخرها، بل أول محطة يمكنني التوقف عندها، وكذا فعلت حين انتهيت من القصة الرابعة والعشرين والآخيرة. لا أدري لماذا، لكني حين انتهيت منها أحسست بأني لا بدّ من أن أتوقّف هنا، هي الرغبة فحسب ربّما، فجأة فقدت الرغبة في كتابة المزيد من القصص لهذا المشروع.

البعض يقول إنّ كتابة القصة أسهل من الرواية مثلاً، والبعض الآخر يقول أصعب. المسألة مركّبة هنا، كتابة الرواية تحتاج إلى نفس طويل يختلف عن كتابة النصوص القصيرة. أما النصوص القصيرة من قصة وقصيدة، ففيها لذّة الكثاقة والتكنيك واللقطة، كذلك القرصة للقارئ.

تتمحور هموم «كرزك» حول العلاقة بين الرجل والمرأة، هل المجموعة انعكاس لتجربتك مع المرأة والعشق؟

ليست كذلك. في الكتابة الأدبية شيء من واقع الكاتب، وهذا طبيعي، لكن الواقع هذا يختلط عند الكاتب بمشاعره وأفكاره وخيالاته ووعيه ولاوعيه وأمور كثيرة غيرها. هنالك نسبة من كل شيء في هذه القصص، لكنها حتماً ليست تجارب شخصية. أنا بكل الأحوال أحب حقيقة أن ثمة نساء في هذا الكون، ولهذا «الحب» حضور في تفاصيل حياتي كلها، وهذه القصص المكتوبة إحدى هذه التفاصيل.

هل المرأة والحب والتلصلص مجرد «ميديا» لدفع القارئ إلى قراءة ما تكتب؟

هذه العناوين الثلاثة حاضرة في حياتنا اليومية، وحين أكتب قصصاً عن تفصيلٍ ما في حياة رجل وامرأة، سأضطر إلى المرور بأحد هذه العناوين أو جميعها. الفكرة أني أكتب بكل حرية من دون أي اعتبارات، وأن تُفهَم كتاباتي على أنها تجارب شخصية أو مجرد «ميديا»، للقارئ الحق في ذلك. وسؤالك هنا طرحٌ مشروع لما نجده في المكتبة العربية من كتب لا تحوي من الأدب بقدر ما تحوي من البزنس والكليشيهات والكبت. المعيار الأساسي عندي هو أن أكون صادقاً فيما أكتب تجاه نفسي، أن أُبسط نفسي في الكتابة، أن أستغلّ ما أمنحه لنفسي من حرية ومن ذاتية ليخرج النص في النهاية كما أريده.

لا أحب الكتابات التجارية، ولا أصدّق الكتّاب الذين يكتبون حسب متطلبات السوق، كأنهم يوصلون «ديليفري» إلى القارئ. الأدب ليس بيتزا نعدّها حسب أفضليات الزبون/ القارئ. أكتب ما أحب فحسب. هذه كتابتي، إن أحبها القارئ كما هي، عال، إن لم يفعل، لا بأس.

هل تشعر أن لديك روحية خاصة في كتابة القصة؟

لا أعرف صراحة. كتابي الأول كان نصوصاً نثرية، والجديد يحتوي على قصص، وفي بالي الآن مشاريع مختلفة. لا تقنعني فكرة أن الكاتب لا بد من أن يلتزم بشكل أدبي دون غيره. الأدب هو هو، الأجناس تختلف في المقاربة والتكنيك أساساً، عدا ذلك كلّه أدباً. للخلفية الثقافية والإبداعية والمعرفية تأثير كبير هنا، معظم الكتّاب حاولوا الكتابة بأكثر من جنس أدبي، وتميّزوا في ما كتبوا. كثير منهم كتب المقالة، والمقالة كتابة إبداعية كذلك، أحكي عن مقالة الرأي والنقد، الذاتية والموضوعية، لا عن التقارير الصحافية الميكانيكية. النقد بحد ذاته فعل إبداعي يمارسه الكثير من الأدباء. أعتقد بأن الكتابة عالم لا يمكن حصره في حدود شكل بعينه.

كتبت قصصك بطريقة حميمة وشعرية وقدمت تفاصيل في الوصف، لكن ما المعيار الذي فكرت فيه أثناء كتابتك بعض الجمل بالعامية الفلسطينية؟ هل تفكر في مستقبل اللغة وأنت تكتب، أم أنك تريد اللغة أيضاً من الواقع الذي تكتبه؟

لا بد أن تخرج اللغة في الأدب من الواقع الذي نعيشه ما دام الأدب يحكي عنه. لكني أميل إلى أن يكون النص حصراً بالعربية الفصحى. بالنسبة إليَّ، لن أقرأ نصوصاً كاملة بالعامية الفلسطينية أو غيرها، قد أسمعها ملقاة، لكني لن أقرأها. في اللغة العربية تراكيب ومفردات غاية في الجمال، لن تصلها قدرات اللهجات المحكية. لكن الحوارات القصيرة ضمن قصة أو رواية، أفضّلها بالعامية. قد أكون على خطأ، لكن العامية البسيطة والقليلة هنا ستشكل نكهة محلّية للنصوص، لا بدّ منها.

إلى من تعود من كتاب القصة حين تود أن تقرأ؟

لا أقرأ بالضرورة القصة أكثر من غيرها. للسينما مثلاً تأثير في كتابة هذه القصص أكثر من القصة. الرواية كذلك، قصائد النثر، أحدهم ظنّ هذه القصص قصائد نثر، لكنها تفتقد للقصديّة والمجانية التي تكتب بها قصيدة النثر، وتفتقد للسرد الذي تكتب به الرواية، وتفتقد لكثير من المنطق الذي قد تكتب به القصة. لا أستطيع أن أسمي لك اسماً واحداً أثّر في كتابة هذه القصص، وإلا لما كان تأثيراً بقدر ما كان محاكاة مقصودة. فعلاً ليس هنالك ما يمكن أن أصرّح لنفسي به على الأقل، بهذا الخصوص.

أي أفق تنتظر لمجلتك «رمّان»، وهل ثمة احتمال لجعلها مجلة عربية، وهل يمكن لمجلة أن تواجه طوفان الانترنت؟

تعرف حال الثقافة العربية وصحافتها. لا أستطيع أن أتوقع أفق المجلة المقبل. كما تعلم هي مجلة «بي دي أف»، غير مطبوعة، حاولت تحويلها إلى مطبوعة وبحثت عن داعمين ولم أتوفق حتى الآن. الثقافة في بلادنا هي المشروع الأقل حظاً والأجدر بالفشل تجارياً، أتأمل خيراً. نعم، ثمة سعي إلى أن تخرج «رمّان» من الحلقة الفلسطينية لتصير مجلة تعنى بالثقافة والفنون العربية إجمالاً، لكن مسؤولية كبيرة كهذه تتطلب التزاماً والمجلة في الطريق إلى ذلك. المجلة انترنتّية بالأساس.

back to top