لمحة مسبقة عن العالم في 2012: لا سلام ولا ازدهار ولا تطور!
من المتوقع أن يقع الأسوأ في مناطق الصراع بدءاً من الشرق الأوسط، مروراً بإفريقيا، وصولاً إلى الأنظمة الاقتصادية المضطربة في أوروبا.من الممتع أن ندعي الشعور بالحماس لاستقبال عام 2012، لكن لا شك أن الوقائع السلبية ستقف في طريق التفاؤل، ففي الشؤون الدولية على الأقل، يبدو أن العام المقبل سيكون مأساوياً ومن المتوقع أن تحمل المرحلة المقبلة عنوان: "لا سلام، لا ازدهار، لا تطور!".
في مناطق الصراع (الشرق الأوسط، إفريقيا، آسيا)، ثمة أمل ضئيل بانفراج الأوضاع في عام 2012 وتبرز أسباب مقنعة توحي بأن الأسوأ لم يحصل بعد، فعلى المستوى الاقتصادي، تهدد أزمة الديون النقدية والسيادية التي تطاول أوروبا والولايات المتحدة بتلطيخ سمعة الأسواق العالمية والتسبب في كساد عام.على المستوى السياسي، ستمتد مظاهر غياب حس القيادة لإدارة شؤون العالم من عام 2011 حتى عام المقبل، وذلك بسبب عودة ظهور النزعة القومية، وخدمة المصالح الشخصية، والعمليات الانتخابية الفاسدة، فضلاً عن التركيز المتزايد على سياسة الخوف والحسد، في ما يتعارض بشدة مع سياسة الأمل التي روّج لها أوباما في عام 2008.لكن على الرغم من ذلك كله، لن يقتصر الوضع على السلبيات، بل قد تظهر بعض النواحي الواعدة أيضاً في عام 2012. سيشبه الوضع الشعار السعيد (والخيالي) الذي أطلقته الخطوط الجوية الملكية النيبالية: "عند التحليق فوق الهيمالايا، يجب أن يتذكر الطيار مقولة: بعد كل غيمة تشرق الشمس!".الدعاية الانتخابيةسيكون عام 2012 ملفتاً لأن أربعة بلدان من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا، وتستبعد بريطانيا) ستخوض انتخابات على أعلى المستويات، ومن المتوقع أن تحوّل هذه الاستحقاقات الأنظار عن القضايا الأساسية، وأن تخفف التزام القادة بالشؤون الدولية.تشكل الولايات المتحدة خير مثال على هذا الوضع، إذ سيسعى أوباما إلى إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية في شهر نوفمبر، فقد سبق أن بدأ بتقليص دور السياسة الخارجية بما يناسب طموحاته السياسية، وكان احتفاله المبالغ فيه بالنجاح الأميركي في العراق، مع التشديد على أنه نفّذ وعده بإنهاء الحرب وإعادة القوات العسكرية إلى ديارها، يهدف إلى استمالة الناخبين الأميركيين مباشرةً، ولكنه أغفل بذلك استمرار الاضطرابات السياسية الحادة في العراق. فقد هزّت مجموعة من التفجيرات البلد قبل عيد الميلاد، ما أثار المخاوف من تجدد الصراع الطائفي.من المتوقع أن تفتقر حملة أوباما الانتخابية لعام 2012 للحوافز التشجيعية التي ميّزت حملته منذ أربع سنوات، فهو سيركز على الدفاع عن سجله واعتبار الجمهوريين مصدر تهديد خطير، فوفق الأوضاع القائمة، سيكون ميت رومني أو نيوت غينغريتش أحد خصومه المحتملين. يتمتع الرجلان بالخبرة السياسية ولكنهما يفتقران إلى الأفكار الجديدة بقدر ما يفتقران إلى الجاذبية، فبعد تدهور الوضع الاقتصادي ووصول معدل البطالة إلى أعلى المستويات منذ عقود في هذه السنة الانتخابية، ستكون النتيجة متقاربة حتماً.ديمقراطية مُوجّهةمن المنتظر أيضاً أن تحصل انتخابات (من نوع آخر) في الصين وروسيا، إذ كان من المتوقع أن ينتزع فلاديمير بوتين الفوز وأن يعود إلى سدة الرئاسة الروسية بسهولة في شهر مارس قبل أن تتغير الخطة بسبب اندلاع الاحتجاجات الشعبية الحاشدة أخيراً على خلفية تزوير نتائج الانتخابات البرلمانية.لا يزال بوتين المرشح الأوفر حظاً ولكنه فقد بريقه، وستنذر الولاية الرئاسية الثالثة بقيادة بوتين بانتشار النزعة القومية الشوفينية وتزايد المواجهات المحلية، إذ لم تحدث بعد ثورة روسية ثانية ولكن التحركات الأخيرة تستحق الانتباه.في بكين سيعين الحزب الشيوعي، خلال مؤتمره في شهر أكتوبر، عضو الحزب شي جين بينغ في منصب الأمين العام والخلف المنتظر للرئيس هيو جينتاو، ما لم تحدث اضطرابات غير متوقعة. ستكون "الاستمرارية" شعار المرحلة المقبلة.لكن تواجه الصين اضطرابات داخلية متزايدة بسبب الوضع الاقتصادي، وتبرز أيضاً مشكلة السوق العالمية التي فقدت شهيتها لشراء الصادرات الصينية. على صعيد آخر، يؤدي الحشد العسكري والدبلوماسي الصيني المستجد في أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى استياء الدول المجاورة. يجب الحذر إذن من تصعيد النزاع على الأراضي والموارد في بحر الصين الجنوبي والشرقي.ابتعاد فرنسا عن محورها الأصليأخيراً وليس آخراً، سيسعى الرئيس الفرنسي الفصيح وغير اللائق نيكولا ساركوزي إلى كسب ولاية رئاسية ثانية خلال انتخابات فصل الربيع، وسيتواجه مع المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند، ومرشح الوسط فرانسوا بايرو، ومرشحة اليمين المتطرف ماري لوبان.سيترشح ساركوزي وفق برنامج انتخابي يتماشى مع عقيدة ديغول ويطرح شعار "فرنسا أولاً"، مع التخلي عن رسالته الإصلاحية السابقة، ولا شك أن الأحكام ستُطلَق عليه في المقام الأول بحسب طريقة تعامله مع أزمة منطقة اليورو وأثرها السلبي في الاقتصاد وفرص العمل في فرنسا.لا يزال تخفيض الإنفاق الحكومي موضوعاً "محرّماً" في فرنسا لكن لا مفر من التطرق إليه في نهاية المطاف، حيث بدأ ساركوزي أصلاً ينسب المشاكل الفرنسية إلى جهات خارجية، وعلى رأسها بريطانيا طبعاً، لكن قد يزداد توتر العلاقات مع ألمانيا بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل في حال تعمّق أزمة اليورو. الربيع العربي الثانيلم يَمْضِ عام واحد على أحداث الربيع العربي ولم تتضح بعد نتائج هذه التحركات الشعبية غير المسبوقة التي طالبت بالديمقراطية وتقرير المصير، بدءاً من اليمن والجزائر وصولاً إلى مصر وليبيا. وحدها تونس تشكّل قصة نجاح حقيقية، أما حملات القمع المستمرة ضد الانتفاضة السورية، فتُعتبر أخطر المظاهر حتى الآن.تتعدد المسائل المحورية في عام 2012، أبرزها صمود أو سقوط أبرز حاكم ارتكب جرائم ضد الإنسانية لعام 2011، بشار الأسد. قد يؤدي سقوطه إلى نشوء انتفاضة في لبنان حيث يسيطر "حزب الله" (حليف سورية) على الوضع، وفي فلسطين حيث تدين حركة "حماس" بسلطتها في غزة إلى الدعم السوري، وفي العراق حيث يمكن أن تسعى الأقلية السنّية إلى تقليد السنّة السوريين وزعزعة وضع المراوحة.لكن قد تكون إيران، حليفة سورية غير العربية، أكثر جهة ستتأثر بنجاح الثورة السورية، فسيكون سقوط الأسد بمنزلة لطمة موجعة في وجه طموحات النظام الإيراني في المنطقة، وقد يشجع هذا الوضع إسرائيل على استغلال الفرصة لتوجيه ضربة ضد خصمها الإيراني الأساسي.قال مسؤول كبير في الجيش الأميركي إنه كان يستيقظ كل يوم وهو يشعر بالقلق من أن تهاجم إسرائيل المنشآت النووية المشبوهة في إيران، وأكد أن الولايات المتحدة كانت تتحاور مع تل أبيب "يومياً" لإقناعها بعدم الحاجة إلى تنفيذ اعتداء مماثل، لكن ستتزايد الضغوط حتماً في عام 2012 للتحرك بهدف معالجة الملف الإيراني، وقد يصبح هذا الملف مرتبطاً بالانتخابات الأميركية.حروب إضافيةسيشهد عام 2012 صراعات أخرى أكيدة أو محتملة. يخشى البعض أن يؤدي التوتر الحاصل في جنوب السودان (الذي استقل عن الشمال في عام 2011)، بسبب النزاع على الحدود والموارد، إلى انهيار أحدث دولة في العالم. تشير النزاعات التي وقعت بعد الانتخابات في جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى انغماس البلد في أعمال العنف، ولا شيء يدلّ على تراجع أعمال القتل العشوائية التي ترتكبها جماعة "بوكو حرام" الإسلامية على خط التماس بين المسيحيين والمسلمين في نيجيريا (أكثر بلدان إفريقيا اكتظاظاً).في شرق آسيا، انتشرت مخاوف كثيرة بعد وفاة رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ إيل، ويشكك كثيرون في أن يكون ولي العهد الشاب كيم جونغ أون أهلاً لهذا المنصب كونه يفتقر إلى الخبرة اللازمة. وفي بورما، قد يحدد عام 2012 ما إذا كان التطور الأخير لإنشاء نظام حكم متعدد وشامل سيبقى دائماً وفاعلاً أم أنه كان مجرد تحول ظاهري يهدف إلى إعادة تأهيل النظام القديم.من المتوقع أن تبقى اللعبة الطويلة في أفغانستان دموية وعقيمة ومربكة، إذ ستبدأ قوات القتال الأميركية الإضافية بمغادرة البلد في عام 2012 وستسرّع بريطانيا مغادرتها أيضاً، فلا بد في هذه الحالة من أن تنجح القوات الأفغانية في استلام الوضع الأمني، لكن ستكون هذه المهمة حاسمة ومعقدة في آن.يمكن أن نتوقع أيضاً تزايد الاضطرابات المزمنة في باكستان طالما تستمر المواجهة مع الولايات المتحدة بسبب استراتيجيات مكافحة الإرهاب، وطالما يبقى اتفاق السلام بين الأفغان و"طالبان" مبهماً. تشتد المخاوف في باكستان من استيلاء الجيش على الحكم مجدداً. قد يؤدي الانقلاب إلى تصعيد وتيرة الصراع بين أفغانستان وباكستان وتوسيع نطاقه.الوضع المالي هو عنوان المرحلة المقبلةفي أوروبا، سيتذكر الجميع عام 2011 على أنه العام الذي أصبح فيه حلم اليورو كابوساً مزعجاً، بعد أن عجزت اليونان عن الوفاء بديونها، وبعد أن خسرت دول أخرى (منها إيطاليا) قادتها تزامناً مع تراجع تصنيفها الائتماني وانتشار الذعر في الأوساط المالية.قد يشهد عام 2012 أحداثاً أسوأ بعد لأن أعضاء الاتحاد الأوروبي (باستثناء بريطانيا) الذين وافقوا على وضع ميثاق جديد لتنظيم ميزانيات الحكومات وديونها سيختلفون على التفاصيل. يمكن تجنب هذه النتيجة لكن قد يحصل ذلك بعد فوات الأوان.لا شك أن الأسواق ليست معجبة بجهود الإنقاذ التي بذلها الاتحاد الأوروبي حتى الآن، وقد تقع أنظمة اقتصادية بارزة مثل فرنسا ضحية الأزمة في المرحلة اللاحقة. إذا حصل ذلك، فسينهار المحور الفرنسي الألماني الشهير في اللحظة نفسها بسبب تراكم الضغوط، مما ينذر بنهاية منطقة اليورو ككل.استحقاقات مرتقبةسيكون عام 2012 عاماً مهماً جداً بالنسبة إلى رئيس فنزويلا المريض هوغو تشافيز، إذ من المنتظر أن يترشح لولاية جديدة. سيحصل الأمر نفسه مع الرئيس الكبير في السن روبرت موغابي الذي قد يجري انتخابات مبكرة في زيمبابوي، ما ينذر بحصول سيناريو مألوف يقوم على عوامل التزوير والعنف والترهيب.سيؤدي تغيير قيادة فنزويلا إلى تداعيات كبرى على حليفتها الصغرى، أي كوبا الشيوعية الكاثوليكية برئاسة كاسترو. ستستضيف كوبا بابا روما في أحد أغرب أحداث هذه السنة المرتقبة، وقد يكون مشهد اجتماع فيدل كاسترو والبابا بينيديكت عرضاً مثيراً للاهتمام فعلاً.أما بالنسبة إلى أبرز شأن بيئي في هذه السنة (التغيير المناخي)، فأفضل ما يمكن قوله هو أن المناخ سيتابع تغيراته من دون أن تعيقه جهود التفاوض الدولية التي لا تزال ضعيفة وعقيمة حتى الآن.