أنا أكبر قصيدة شعر في بلادي... توثيق الثورة المصرية
استعاد شعر العامية حضوره في الساحة الأدبية المصرية، وصدرت أخيراً دواوين سطرت يوميات ثورة 25 يناير، من بينها «أنا أكبر قصيدة شعر في بلادي» للشاعر ناصر دويدار (دار ياسمين للنشر)، وهو تجربة فارقة في مسيرة الشاعر ناصر دويدار، ووثيقة شعرية لتجربة عام كامل بعد ثورة 25 يناير.
ديوان «أنا أكبر قصيدة شعر في بلادي» هو التجربة الشعرية الثالثة لناصر دويدار بعد «أمي اسمها فردوس» و{بهيأ روحي لدخولك» ومسرحية شعرية بعنوان «الشاعر». بدأ الشاعر مسيرته قبل نحو 20 عاماً، كتب خلالها قصائد اشتبكت مع الحياة الاجتماعية وخصوصية واقعنا العربي بمعطياته المتجددة، واستدعت لحظات تاريخية فارقة، ووثقت الصلة بين الذات والعام، وجدّدت على مستوى التشكيل الجمالي للقصيدة، واقتفت أثر الشعراء من أمثال: صلاح جاهين، وفؤاد حداد، عبد الرحيم منصور، مجدي نجيب وغيرهم.للشعر، سواء العامي أو الفصيح دور في اللحظات الفارقة في تاريخنا العربي، في رأي الشاعر ناصر دويدار، منذ عبد الله النديم في ثورة عرابي، مروراً بأبي القاسم الشابي وأمل دنقل وشعراء المقاومة الفلسطينية: معين بسيسو، محمود درويش، توفيق زياد، سميح القاسم وغيرهم... فالشعر هو من درجات الفرح بالوجود والتغني بالحرية والتحريض على الجمال والعدل والسلام وكرامة الإنسان.توق إلى الحريّةيتجاوز دويدار في ديوانه خصائص السرد الشعري المباشر، وينطلق إلى فضاءات رحبة ليعانق توق الإنسان العربي إلى الحرية، وتبدو النصوص كقصيدة واحدة تتخللها عناوين دالة وموحية، تعبر عن شحنات انفعالية شديدة التكثيف والرهافة، وترصد مسارات الذات واشتباكها مع المتغيرات الأخيرة، وتطوّع قاموس العامية المصرية للتعبير عن هموم البسطاء وأحلامهم وتغيير الأقنعة، ففلا ينفرد صوت غنائي في القصيدة، بل ثمة أصوات تهدر بالحنين وعشق الوطن والحلم الدائم بغد أفضل. «أنا كل يوم بيدبحني الحنين/ وفي كل طلعة شمس/ بيخش الشجن/ مزيكا ع الرئتين/ دمي ورق نعناع/ وصدري وطن للكمنجات الشريدة».تتشكل تجربة ناصر دويدار من انحياز واضح لماهية الشعر حين يكتب بالعامية، فالأوزان التفعيلية بالنسبة إليه هي أقرب إلى مزاج القارئ المصري والعربي ووجدانه، وتمكّن الشاعر من التدفق من دون عائق لكن مع عدم الانفلات إلى متاهة نثرية واغتراب القصيدة عن خصائصها، والجنوح بموسيقى الشعر إلى السرد القصصي.إذا كان الشعر هو ديوان العرب، فلا يعني التجديد نفي تجارب الأسلاف والتمرد الفوضوي ودخول سراديب لغوية، فالقصيدة الجيدة تحمل مقومات حضورها في الذاكرة الجمعية، وتسهم في تشكيل الوعي والوجدان، وتتجاوز ذاتيتها إلى التعبير عن ذوات الآخرين.في هذا السياق، يقول الناقد د. مدحت الجيار: «التجديد لحظة إبداعية متعمدة تحاول تغيير الأوضاع في المستويات كافة، فنشأت قصيدة جديدة تضرب عمود الشعر كما يفهمه اللغويون والعروضيون والمحافظون والأخلاقيون، ولم يكن هذا الضرب الجديد ملغياً للنص الشعري القديم لأنه عده نصاً مرجعياً ولا نهائياً، ومن ثم جدد بعض الشعراء في ظل النص التقليدي من دون أن يحس المتلقي بتدمير ما في القصيدة العربية من موروثات».يدرك قارئ ديوان ناصر دويدار أن القصائد تحمل خصوصية الزمان والمكان، وتنفتح فيها الحواس على تشكيل لمعان جديدة، ولا تميل إلى ردة زجلية أو إرهاصات من أزمنة فائتة، بل تكشف تعاطي الشاعر أفكاراً مثل الحرية والثورة برؤية متجددة لا تحمل أصداء الأسلاف، بل جينات لها تفردها وطموحها للتحقق في فضاء الشعر، وصوت جيل تفتح وعيه على الوسائط الإلكترونية والإنترنت.يقول دويدار: «بدأت تجربة هذا الديوان عبر صفحتي على موقع التواصل الاجتماعي الـ «فيس بوك»، حيث كنت أسجل انفعالاتي بالأحداث بعد يناير العام الماضي، وقررت جمع هذه النصوص في ديوان، سجلت فيها لحظات استثنائية في الحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، تتراوح بين الرباعيات والقصائد الطويلة والقصيرة، وذات نسق يحتمل الترابط والانفصال، وتنبض برؤية شعرية لربيع الثورات العربية».«الحرية لها تمن/ ومش أي حد/ يستاهل يبقى له وطن/ طالع أنا وعيالي بكره/ يانرجع أحرار/ يايلمنا الكفن»... يستدعي بعض قصائد الديوان خصائص شعر المقاومة والتناص مع الموروث الشفهي والمكتوب ومعاني الفرح والحرية، ويطل صوت الشاعر في قصيدة «أمومة»، وهي ذات وهج خاص وتحمل مستويات الرمز والمناجاة الخاصة بالأم والوطن والثورة، وسنوات الاحتمال لاسترداد البصر والبصيرة... «ماشوفتش أمي من العيد اللي فات/ وأمي ماشافتنيش من عشرين سنة/ إحساس بشع/ بيلف حوالين رقبتك/ لما.. إيد أمك/ تحسس على شعركويرجع لها الشوف/ شعرك الأبيض».يضم الديوان قصائد مقاومة لليأس والخوف ومحرضة على الجمال والنبل الإنساني، ومكاشفة نازفة لكبوات فارس وصهيل جواد يركض في اتجاه الشمس، فإذا هي نوافذ مشرّعة على ضوء ندى وصباحات عذبة وعيون تفتش عن معنى الوجود في عالم يتشكل على نحو جديد، وحناجر تنطلق بنشيد الحرية والخلاص... «خلي الغنا يرمح/ لسه هناك مطرح/ يا مصر.. يا حياة/ امتى البشر يفرح/ حر السنة دي شديد/ والبرد جي أشد/ يا مصر امتى البعيد/ يبقى ريحة ورد».