علماء تحت راية الإسلام: ابن باجة... شهيد العلم

نشر في 26-08-2011 | 22:01
آخر تحديث 26-08-2011 | 22:01
ظاهرة العالم الموسوعي التي عرفتها الحضارة الإسلامية كان لها صداها في مختلف البلدان الإسلامية، وفي الأندلس بخصوصيتها التاريخية والحضارية كان هناك العديد من فرسان الحضارة الإسلامية وعلى رأس هؤلاء يظل ابن باجة علما متفردا بذاته، فهو الطبيب الفلكي الرياضي والموسيقي والفيلسوف المتمكن الذي أسس مدرسة فلسفية شديدة التطور خصبة العطاء في الأندلس، فأحيا الفلسفة بعد أن هجرها أهل المشرق الإسلامي بعد هجوم الغزالي على الفلاسفة واتهامهم بالإلحاد، فكان ابن باجة محيي الفلسفة بعد اندثارها ومؤسس مدرسة كان أبرز تلاميذها ابن طفيل ومن بعده ابن رشد.

ولد أبوبكر محمد بن يحيى بن الصائغ التجيبي الأندلسي المعروف بابن باجة (التي تعني باللاتينية الفضة وهو ما يؤكد الأصول الإسبانية لابن باجة)، في  السنوات الأولى من القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، في مدينة سرقسطة (غرب الأندلس بالقرب من برشلونة الإسبانية) فقضى سنواته الأولى فيها، حتى سقوط المدينة بعد حصار في يد ألفونس الأول ملك أرجون عام 512هـ/1119م.

وودع ابن باجة المدينة بعد سقوطها وداعا لا لقاء بعده، متجها صوب مدينة إشبيلية ومنها صوب مدينة غرناطة التي أقام بها فترة قبل أن يواصل ترحاله من جديد صوب بلاد المغرب، فاستقبله أمراء المرابطين في حاضرتهم مراكش.

وأثبت ابن باجة تفوقه على جميع علماء المغرب، واشتهر كطبيب كبير، فما كان من أعدائه إلا أن قرروا التخلص منه أكثر من مرة باستخدام السم، حتى نجحت إحدى تلك المؤامرات أن تنال منه فمات مسموما شهيدا، فقد كان جزاء نبوغه القتل بالسم في سنة 533هـ/1139م، ودفن في مدينة فاس المغربية.

وقد عمد ابن باجة في مشروعه الفكري إلى فصل الفلسفة عما لحقها من اضرار نتيجة ارتباطها بنظريات عرفانية وغنوصية تعتمد على الفيض الرباني ما يجعلها غيبية ما ورائية، وأسس بناءه الفلسفي على أسس من العقلية والمنهج الأرسطي، فكان أول من فصل الفلسفة عن الدين، وجعلها نشاطا عقليا صرفا، فكان ممهدا بذلك لفلسفة ابن رشد العقلية.

ورغم إبداع ابن باجة في مجال الفلسفة ونبوغه، لكن إسهاماته في المجالات العلمية الأخرى لا تقل عنها، فقد نبغ في العلوم الطبيعية، والرياضية، والفلك، والطب، والموسيقى.

وكانت له ملاحظات قيمة على النظام الفلكي الذي وضعه بطليموس، فقد انتقد هذا النظام وبين مواضع الضعف فيه، وصوب أخطاءه، وهو الملاحظات والإصلاحات التي تأثر بها علماء الفلك المسلمون والأوروبيون من بعده، كما أن ابن البيطار عالم النبات الشهير استشهد في كتابه «الأدوية المفردة» بابن باجة، واعتمد على رسالته في الطب باعتباره أحد أطباء المسلمين الكبار.

back to top