إسرائيل أمام خيار شائك لمواجهة إيران
تبرز المعضلة الكبرى بالنسبة إلى إسرائيل على مستويات عدة: تهديد وجودها مقابل نتائج غير مؤكدة للتحرك العسكري، احتمال صدور رد مدمّر من إيران و«حزب الله»، خطر إلغاء معاهدة السلام مع مصر أو حتى اندلاع مواجهة عسكرية وحرب إقليمية، سخط دولي عارم وشرخ جزئي في العلاقات الإسرائيلية مع الولايات المتحدة.
في النهاية، سيكون القرار بيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قد يطرح كبار المسؤولين في إدارته آراءهم في هذا المجال لكنّ نتنياهو هو الذي سيتخذ أحد أصعب القرارات في تاريخ إسرائيل: هل تجب مهاجمة برنامج إيران النووي؟ لا أحد يحسده على هذا الموقف.في الآونة الأخيرة، انتشرت تكنهات كثيرة في وسائل الإعلام عن احتمال تنفيذ تحرك عسكري إسرائيلي، وقد كان هذا الموضوع محط نقاش بين أشخاص لم يتحملوا يوماً عبء اتخاذ هذه القرارات الوطنية المصيرية. سبق أن اتخذت إسرائيل قرارات مثيرة للجدل على مر العقود، وكان بعضها خاطئاً طبعاً، لكن يمكن التأكيد أنها لا تستخفّ مطلقاً بالتحرك العسكري الواسع، فلم تكن المخاطر كبيرة يوماً بقدر ما هي عليه الآن. يبقى الجدل السائد في إسرائيل حول التهديد النووي الإيراني محدوداً ولكن خطيراً، فلا أحد في إسرائيل ينكر أن إيران النووية ستطرح تهديداً كبيراً على أمن البلد وأنها يجب أن تبذل قصارى جهدها لمنع حصول ذلك. يظن البعض أن إيران هي دولة متطرفة ولكنها ستحرص دوماً على التصرف بطريقة منطقية، وبالتالي يمكن ردعها. لكن يعتبر البعض الآخر أن هذا التهديد "وجودي" (بمعنى أنّ التزام إيران الديني بتدمير إسرائيل قد يدفعها إلى أخذ مجازفات وخطوات لا يتصورها العقل)، وبالتالي يجب أن تقوم إسرائيل بكل ما يلزم لمنعها.لا يمكن أن يتحمل أي طرف إصدار قرار خاطئ في هذه المرحلة، ولا سيما نتنياهو المقتنع بأن إيران تهدد وجود إسرائيل.في هذه الحالة بالذات، يجب أن يتعاطى منتقدو إسرائيل عموماً ونتنياهو خصوصاً بحذر شديد مع هذا الموضوع، فإذا استطاع أحد المراقبين التأكيد أن إيران النووية تطرح تهديداً وجودياً على إسرائيل، فستكون رؤية نتنياهو صحيحة وصادقة.لنتخيّل نتنياهو وحيداً في مكتبه قبل اتخاذ القرار النهائي، فلا شك أنه سيفكر بالمنطق الآتي: من جهة، قد يكون وجود إسرائيل مهدداً فعلاً، وسبق أن واجه الشعب اليهودي محرقة واحدة في تاريخه الحديث، وقد نشأت إسرائيل كي لا يواجه هذا الشعب تهديد الإبادة الجماعية مجدداً.لكن من جهة أخرى، ستكون عواقب التحرك العسكري وخيمة أيضاً، حتى لو افترضنا نجاح الاعتداء المحتمل. تملك إيران أصلاً الوسائل التقنية اللازمة لإنتاج قنبلة نووية وقد يؤدي أي اعتداء إلى تأخير البرنامج لبضع سنوات فقط (قد يكون هذا التحرك مفيداً ولكنه ليس حلاً جذرياً). وفق التقديرات الإسرائيلية، تملك إيران مئات الصواريخ من طراز "شهاب" القادرة على استهداف إسرائيل، كذلك، قدمت إيران وسورية إلى "حزب الله" ترسانة ضخمة تضمّ أكثر من 50 ألف صاروخ، وهي معدة للاستعمال في حال وقوع سيناريوهات مماثلة ويمكن أن تطاول كامل أراضي إسرائيل انطلاقاً من لبنان.لا سبب يدعو إلى التصديق بأن "حزب الله" لن يستعمل هذه الترسانة، فخلال حرب لبنان في عام 2006، أطلق "حزب الله" 4 آلاف صاروخ باتجاه إسرائيل، وكان هذا العدد يساوي حوالي ثلث ترسانته التي شملت 13 ألف صاروخ في تلك الفترة. لو أراد الحزب استعمال العدد نفسه اليوم (وقد يستعمل عدداً أكبر بعد)، فستسبّب هذه العمليات نسبة دمار لم تشهدها إسرائيل يوماً. تملك حركة "حماس" ترسانة صاروخية كبيرة أيضاً ولكنها "تقتصر" على الآلاف.على صعيد آخر، قد تؤدي زعزعة استقرار الأنظمة في مصر وسورية غداة الربيع العربي إلى زيادة احتمال انجرارهما إلى المواجهة، وقد تنضم سورية إلى الصراع لأنها ستستفيد من تحويل الأنظار عن الاضطرابات المحلية من خلال توجيه الرأي العام نحو العدو الخارجي، وقد تشارك مصر في الصراع لأن الحكومة الجديدة التي تضم عدداً كبيراً من الإسلاميين لن تكون ملتزمة بمعاهدة السلام مع إسرائيل بقدر النظام السابق، وقد يجبرها انفجار الغضب الشعبي في الشارع المصري والعربي على التحرك.لا شك أن المجتمع الدولي الذي بدأ أخيراً يتخذ تدابير صارمة للتعامل مع التهديد الإيراني (بعد 20 سنة تقريباً على بدء التحذيرات الأميركية والإسرائيلية) سيردّ بقساوة على أي تحرك إسرائيلي وقد يفرض العقوبات في بعض الحالات. لقد أوضحت إدارة أوباما أنها تعارض بشدة خيار التحرك العسكري مع أن تدابيرها الخاصة فشلت في مواجهة ذلك التهديد.لقد تعايشت إسرائيل مع الانتقادات الدولية في السابق، لكنها لا تستطيع تحمّل أي رد صارم من الولايات المتحدة، أهم حليفة لها، علماً أن إسرائيل ستتكل بشكل أساسي على الأميركيين في فترة ما بعد الاعتداء.تبرز المعضلة الكبرى على مستويات عدة: تهديد وجودي على إسرائيل مقابل نتائج غير مؤكدة للتحرك العسكري، احتمال صدور رد مدمّر من إيران و"حزب الله"، خطر إلغاء معاهدة السلام مع مصر أو حتى اندلاع مواجهة عسكرية وحرب إقليمية، سخط دولي عارم وشرخ جزئي في العلاقات الإسرائيلية مع الولايات المتحدة.وحده نتنياهو سيضطر إلى اتخاذ القرار النهائي، على أمل أن يكون قراره حكيماً.* مسؤول بارز في كلية كينيدي التابعة لجامعة هارفارد، وكان نائباً لمستشار الأمن القومي في إسرائيل في حكومتَي حزب العمل والليكود.