مخرج المركب عثمان أبو لبن: تعاملت بديكتاتوريّة مع الممثلين
في تجربته الإخراجية الرابعة يواصل المخرج عثمان أبو لبن تقديم نوعية مختلفة من الأعمال السينمائية التي تتّسم بالواقعية والجرأة في التنفيذ.عن فيلمه «المركب» والمصاعب التي واجهته أثناء تصويره، كان معه اللقاء التالي.
استغرق التحضير لفيلم «المركب» وقتاً طويلاً، لماذا؟بدأت التحضير للفيلم قبل أكثر من عام، إذ استغرقت ستة أشهر في ترشيح أبطاله لا سيما أن غالبيّتهم من الشباب والوجوه الجديدة، بالإضافة إلى محاولة إيجاد حالة من الانسجام بينهم قبل بداية التصوير كي تبدو الصداقة التي تجمعهم في الفيلم غير مصطنعة. كذلك أوقفنا التصوير لفترة قصيرة بسبب أحداث الثورة على رغم أنه كان يتمّ في مناطق بعيدة عن بؤرة الأحداث.ما الصعوبة في ترشيح أبطال شباب والساحة مليئة بالأسماء المتميّزة؟لا خلاف حول ذلك، إنما كان لا بد من توافق الشخصية المرشّحة مع الدور، ومن حماستها للسيناريو لذا كان لكل شخصية ثلاثة مرشحين، لكن الحمد لله لم نلجأ الى الاستعانة بالترشيح الثاني أو الثالث في الفيلم لأن كلّ من قرأ السيناريو أُعجب به ووافق عليه فوراً.لماذا اخترت التصوير في البحر شتاءً ولفترات طويلة؟كي يشعر المشاهد بالواقعية. خلال التصوير، كنا نسير بالمركب لمدة ساعتين حتى نصل إلى مكان بعيد لا نرى فيه أحداً، أما في ما يتعلق بالإصرار على تصوير مشاهد البحر خلال الشتاء فذلك راجع الى أمرين أوّلهما أن «المركب» تقرّر عرضه خلال موسم الصيف وبالتالي كان لا بد من الانتهاء منه مبكراً، وثانيهما أن مياه البحر الأحمر تكون غير مستقرّة صيفاً ما فرض حتمية التصوير في تلك الأجواء على رغم أن درجة حرارة المياه كانت تقترب من التجمّد تقريباً.حاولت جعل المشاهد يعيش مع الأحداث من بدايتها ويتفاعل معها وينفصل تماماً عن الواقع المحيط به لأن الفيلم حالة وبالتالي كان لا بد من أن يشعر بأنه أحد أفراد المركب من خلال إضفاء أكبر قدر من الواقعية على الأحداث، فمثلاً خلال تواجد الأبطال في البحر في انتظار قوارب الإنقاذ وضعت قطرات مياه على الكاميرا كي تزيد توتّر المشاهد، كذلك جعل خيال سمكة مرّت في المياه المشاهد يعتقد بأنها سمكة قرش قد تفتك بالأبطال.هل وجدت صعوبة في إقناع أبطال الفيلم بالعمل في ظلّ هذه الظروف الصعبة؟إطلاقاً، لأن كل شيء كان متفقاً عليه من البداية بالإضافة إلى أنني تعاملت بديكتاتورية شديدة في هذا الأمر وكانت التعليمات واضحة وصريحة ولم أسمح لأحد بمخالفتها أياً كانت الأسباب، لأن الديمقراطية والتشاور والحديث كثيراً في مثل هذه الأوقات كلّها أمور تؤدي إلى الإضرار بالعمل. ثم إن سبل الحماية كافة كانت متوافرة للممثلين جميعهم سواء من طواقم إنقاذ أو ارتداء سترات النجاة خلال فترة تواجدهم في المياه.اعتبر البعض أن ترشيحك الفنانة ريم هلال لدور فتاة محجّبة، على رغم أدائها أدواراً مثيرة وصادمة كثيرة، كان مقصوداً.أعرف أن الاختيار كان صادماً، لكن السؤال: هل كانت مناسبة للدور وهل اقتنع الجمهور بأدائها؟ في تصوّري أنها قدّمته على أكمل وجه ونجح في إبراز مواهبها التمثيلية.صرّحت يسرا اللوزي في أكثر من لقاء بأنها كانت تطمح الى تقديم الدور الذي أدته فرح يوسف وليس دورها، ما تعليقك؟ كانت يسرا على اقتناع كامل بدورها لكن يبدو أن تصريحاتها أسيء فهمها، فهي أُعجبت بدور فرح يوسف عندما قرأت سيناريو «المركب» بالكامل، ثم بالنسبة إليّ لم أكن أراها إلا في دورها الذي وافقت عليه لأني لا أعطي للممثل الحق في اختيار شخصية لا أراه فيها.تشارك الفنانة رغدة في «المركب» بعد غياب طويل عن السينما امتد لأكثر من 10 سنوات تقريباً، فكيف رشّحتها للفيلم؟ولماذا لا تكون رغدة؟ فهي نجمة كبيرة وممثلة عظيمة ولها حضور قوي على الشاشة ومحبوبة، بالإضافة إلى أن دور الأم مناسب لها، وعندما رشّحتها للفيلم سمعت الكثير عنها لكن عند لقائي بها تحمّست كثيراً للعمل معها خصوصاً أنها معجبة بأداء يسرا اللوزي، وقد طلبَتْ الجلوس مع فريق العمل قبل التصوير وكان وجودها مفيداً للغاية إذ استفاد الشباب من خبرتها. ومن جهتها، التزمت خلال التصوير بتنفيذ كل ما طلبته منها، فهي ممثلة ملتزمة ومطيعة.لكن ثمة انتقادات تتعلّق بصغر المساحة المخصّصة لدورها.جميع الأدوار الموجودة في أحداث «المركب» مؤثّرة أياً كانت مساحتها لأن لكل ممثل تأثيره في الأحداث ولا يمكن الاستغناء عن دوره. ثم إن حذف دور رغدة كان يعني إلغاء خط درامي كامل يتعلّق بتفاصيل حياة يسرا اللوزي التي أدت الى سقوطها في وسط البحر وغرق زميلها ما تسبّب لها بأزمة نفسية طوال الأحداث.على رغم أن رغدة قدّمت دور الأم المستهترة التي لا تعرف أي شيء عن ابنتها إلا أنها كانت في انتظارها بعد إنقاذها في نهاية الأحداث.كان ذلك مقصوداً، لأنه في مشهد النهاية توقّع الجميع ألا يرى رغدة لكنها ظهرت لتحتضن ابنتها، وقد تعمّدت أن يكون هذا المشهد غير ممهّد له بتفاصيل، أي مفاجأة، كي يترك أثراً طيباً لدى الجمهور.تردّد أن الرقابة حذفت مشاهد عدة في الفيلم.لم يتضمّن الفيلم أيّ مشاهد تستحقّ أن تُحذف، لكن واجهنا بعض الصعوبات لنحصل على تصريح بالعرض من دون أن يُحذف أيّ مشهد.ثمة أفلام عُرضت في موسم الصيف أُدخلت فيها أحداث الثورة، ألم تفكّر في السير على الدرب نفسها؟إدخال أحداث الثورة في الأفلام أمر خاضع لوجهة نظر المؤلف والمخرج. بالنسبة الى «المركب»، لم يكن ثمة أي مجال لذلك لأن القصة لا علاقة لها بالأحداث السياسية وكان الأمر سيبدو غير مبرّر درامياً، ثم إنني لا أحبّ ركوب موجة الثورة.ألم تقلق من توقيت عرض الفيلم؟فكّرت في تأجيل عرضه بالفعل لكن صناعة السينما لا بد من أن تتحرّك وتطرح أعمالاً جديدة لأنني ضد توقّف عجلة الإنتاج، بالإضافة إلى أن «المركب» مناسب للعرض الصيفي.