المستشار شفيق إمام: المطالبة بإعادة حل مجلس الأمة لا تخرجنا من حفرة بل توقعنا في "جليب"
قلت في دراستي التي نشرتها جريدة "الجريدة" على صفحاتها يوم الأحد الماضي تحت عنوان "مرسوم حل مجلس الأمة صحيح دستوريا"، إن دراستي ستكون بعيداً عن أي تحليل سياسي، ومن منظور دستوري وقانوني لا أملك سوى أدواته، وهو ما أعتقد أنني نجحت فيه إلى حد ما، وذلك بانحياز الكثيرين إلى الرأي الذي انتهيت إليه بسلامة الإجراءات التي تمت دستورياً.
إلا أن البعض، جرياً وراء سراب البحث عن اليقين، لايزال يطالب الحكومة الجديدة التي يترأسها الشيخ جابر المبارك، بالموافقة على سحب المرسوم الصادر بحل مجلس الأمة، واقتراح إصدار مرسوم جديد بحل المجلس، تفادياً لأي شبهة عدم دستورية، حتى لو كان من باب قطع الشك باليقين، أو كما قال حتى لا نقع في محظور التخبط فـ"نطلع من حفرة لنقع في جليب".وهو ما أردت في بداية هذا المقال أن أحذر منه، لأن سحب مرسوم حل مجلس الأمة وإصدار مرسوم جديد بالحل، ليس طريقاً مفروشاً بالورود والرياحين بل محفوف بالأشواك، بل هو التخبط الحقيقي بعينه، الذي ستقع فيه الممارسة الديمقراطية، بل هو "الجليب" الذي ستقع فيه هذه الممارسة دون أن تكون في حفرة، لأن من تداعياته أن تعود الحصانة البرلمانية لمن سقطت عنهم بصدور مرسوم الحل، وأن تعتبر كل الإجراءات القضائية التي اتخذت في حقهم هي والعدم سواء، بما في ذلك من احتجز منهم في الحبس الاحتياطي، وأن تضيع هيبة القضاء وهيبة الدولة، وأن تطول الفترة التي تعقب الحل، عندما تبدأ المواعيد المقررة لإجراء الانتخابات للمجلس القادم من تاريخ صدور مرسوم الحل الجديد، وهي فترة حرص الدستور على ألا تطول لأكثر من ستين يوماً، فنقع في حومة المخالفة للدستور، ابتناءً على رأي في تفسير الدستور، يحتمل الخطأ مثلما يحتمل الصواب.وأشد ما يؤخذ على هذا الرأي أنه خلص إلى قول أنزله منزلة الحقيقة القانونية والدستورية، بأن مرسوم الحل كغيره من المراسيم- وفق ما يعرفها رجال القانون- هي قرارات مجلس الوزراء ترفع إلى رئيس الدولة، فإن وافق عليها صدق عليها وأصدرها.من الذي قال هذا من رجال القانون أو عمم هذا القول على مرسوم الحل؟من الذي قال من رجال القانون أن الدستور أعطى مجلس الوزراء الاختصاص بحل مجلس الأمة أو حتى بطلب حل مجلس الأمة؟ألا يتعارض ذلك مع مبدأ الفصل بين السلطات الذي يقوم عليه نظام الحكم عندما يكون بقاء مجلس الأمة أو حله رهناً بقرار يصدره مجلس الوزراء؟ وألا يخالف ذلك صريح نصوص الدستور؟هذا ما سنجيب عنه من خلال المعطيات التالية:المعطى الأول: صلاحيات الأمير الدستورية... أنواعهاللأمير صلاحيات يمارسها بوصفه رئيساً للتشريعية، إعمالا للمادة (51) من الدستور التي تنص على أن "السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقا للدستور".وصلاحيات يمارسها بوصفة رئيساً للسلطة التنفيذية إعمالا للمادة (52) من الدستور التي تنص على أن السلطة التنفيذية يتولاها الأمير ومجلس الوزراء والوزراء على النحو المبين بالدستور.أما السلطة القضائية فلا يترأسها الأمير، صوناً لمبدأ استقلال القضاء، بل تتولاها المحاكم باسم الأمير، في حدود الدستور وفقاً لنص المادة (53).هذه أدبيات الصياغة الفنية الرائعة التي صيغت بها نصوص الدستور الكويتي في تحديدها لعلاقة الأمير بالسلطات الثلاث. المعطى الثاني: الأمير يتولى سلطاته بواسطة وزرائهفي سياق النأي بالأمير عن أي مساءلة سياسية لأن ذاته مصونة لا تمس وفقاً للمادة (54) ولإبعاد مسببات التبعة عنه- حسبما جاء في المذكرة التفسيرية للدستور- نص الدستور في المادة (55) على أن يتولى الأمير سلطاته بواسطة وزرائه.وهنا يتعين التفرقة بين الصلاحيات التي يمارسها الأمير بوصفه رئيساً للسلطة التنفيذية، والتي يتحمل تبعاتها رئيس مجلس الوزراء والوزراء ويساءلون عنها سياسياً والصلاحيات التي يمارسها الأمير بوصفه رئيساً للسلطة التشريعية، ولا يساءلون عنها سياسياً ولا يتحملون تبعاتها.يتعين التفرقة بين هذين النوعين من الصلاحيات، ومن ناحية الحدود التي يمارس مجلس الوزراء أو الوزراء اختصاصهم في كل منهما، فالصلاحيات التي يمارسها الأمير بوصفه رئيساً للسلطة التنفيذية، هي التي يعملون فيها تقديرهم كاملاً، طالما يتحملون تبعاتها ويسألون عنها سياسياً.أما حل المجلس فهو اختصاص أصيل للأمير بوصفه رئيساً للسلطة التشريعية، فلا تكون بطلب من مجلس الوزراء، بل يكون بطلب من رئيس الدولة، ولا يعدو قرار مجلس الوزراء في ذلك أن يكون استيفاءً لشكل نص عليه الدستور في المادة (55) سالفة الذكر.ولا أدل على هذا من أنه في كل الحالات التي تم حل مجلس الأمة فيها، كان الأمير هو الذي يطلب من رئيس مجلس الوزراء أو المجلس إذا اجتمع به، حل مجلس الأمة وإعداد مرسوم الحل لتوقيعه، عندما يتقدم رئيس مجلس الوزراء باستقالة الحكومة شارحاً الأسباب التي تحول دون استمرارها في الحكم.المعطى الثالث: مجلس الأمة يراقب الحكومة وليس العكسيؤدي القول إن حل مجلس الأمة يتم بقرار من مجلس الوزراء يرفع إلى الأمير ليوافق عليه، أولا يوافق عليه، إلى تسليط رقابة الحكومة على مجلس الأمة، وهي رقابة تتساوى ورقابة مجلس الأمة التي يسلطها على الحكومة عندما يرى المجلس عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، إثر استجواب يوجه إليه، فيرفع الأمر إلى الأمير، وللأمير في هذه الحالة أن يعفى رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة أو أن يحل مجلس الأمة.ولا يمكن أن يقال في هذه الحال عندما يستخدم الأمير صلاحيته في حل مجلس الأمة، إن ذلك قد تم بناء على طلب مجلس الوزراء، لأن الأمر كان مرفوعاً من مجلس الأمة بعدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، وقد اختار الأمير حل مجلس الأمة، وطلب من مجلس الوزراء إعداد مرسوم الحل ورفعه إليه لتوقيعه.المعطى الرابع: الأمير حكماً بين السلطتينلعل ما يؤكد عدم سلامة القول بأن مرسوم الحل هو قرار من مجلس الوزراء يوافق عليه الأمير، ما أفاضت المذكرة التفسيرية للدستور في بيانه عندما قررت أن الدستور استعاض عن الأصل البرلماني في إسقاط الوزارة بكاملها بقرار عدم ثقة يصدره مجلس الأمة، واستعاض عن ذلك الأصل بنوع من التحكيم يحسمه الأمير بما يراه محققاً للمصلحة العامة، وذلك إذا ما رأى مجلس الأمة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء (مادة 102)، وبشرط ألا يصدر قرار بذلك إلا بناء على استجواب وبعد الانتهاء من مناقشته، "والاستجواب لا تجوز مناقشته أصلاً إلا بعد ثمانية أيام على الأقل من تقديمه ما لم يوافق من وُجه إليه الاستجواب على الاستعجال". ويجب أيضاً أن يكون قرار المجلس بعدم التعاون صادراً بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس "فيما عدا الوزراءـ مادة 101". فإن أمكن اجتياز هذه العقبات جميعاً وصدر قرار المجلس بعدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء لم يترتب على ذلك تنحيه (والوزراء بالتالي) عن الوزارة، كما هو مقرر بالنسبة للوزير، وإنما يكون الأمير حكماً في الأمر، إن شاء أخذ برأي المجلس وأعفى الوزارة، وإن شاء احتفظ بالوزارة وحل المجلس، وفي هذا الحالة إذا استمر رئيس الوزراء المذكورة في الحكم وقرر المجلس الجديد- بذات الأغلبية المنوه عنها- عدم التعاون معه اعتبر معتزلا منصبه من تاريخ قرار المجلس الجديد في هذا الشأن، وتشكيل وزارة جديدة.وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.