إبراهيم البليهي: مازلنا نتوارث ثقافة التخلف منذ مئات السنين

نشر في 12-01-2012 | 00:02
آخر تحديث 12-01-2012 | 00:02
«تنوير» أقام ندوة «كيف نفلت من قضبة التخلف؟»

ضمن محاضرة اتسمت بجمهور غفير وآراء متباينة ناقش المفكر السعودي ابراهيم البليهي إشكالية التخلف العربي وأسبابه، وكذاك الانقسام الثقافي، ومفهوم السيطرة الغربية، ودورها في ما نحن فيه من وضع راهن.

أقام مركز تنوير أمس الأول ندوة بعنوان "كيف نفلت من قبضة التخلف"، حاضر فيها عضو مجلس الشورى السعودي، المفكر إبراهيم البليهي وأدارتها د. ابتهال الخطيب.

فـــــي مستهـــــل الندوة قـــــدمـــــت د. ابتهال الخطيب كلمة تعريفية، تناولت فيها السيرة الذاتية للضيف، وابرز اصداراته، ومنها "بنية التخلف" و"وأد مقومات التخلف" و"حصون التخلف" وغيرها، إضافة إلى تسليطها الضوء على مشروعه الفكري في تحليل بنية التخلف وتفكيك بنية الجهل، وهي نظرية ثورية يحاول البليهي من خلالها ان يوحد مجموعة من النظريات المتباينة حول فلسفة التاريخ والتعلم والثقافة.

خنادق مظلمة

في مفتتح المحاضرة، رحّب البليهي بالجمهور الغفير، كما تقدم بالشكر للقائمين على مركز الحوار (تنوير)، ليبدأ بعدها محاضرته مؤكداً أنه لم يحضر ليقدم معلومة وإنما لإثارة التساؤلات ومحاولة الإجابة عنها، قائلاً: "نحن نعيش على هامش العالم كنا ومازلنا، فقد كان حرياً بنا قبل أكثر من قرنين أن نكون قد تخلينا عن هذا التخلف الذي نعيش فيه، وخرجنا من الخنادق المظلمة التي تظللنا، إلا أننا وللأسف بقينا ندور في هذه الخنادق دون أن نحاول أن نخرج منها، بل اننا كثيراً ما نزعم أننا في أحسن حال، وعلى الآخرين أن يبقوا معنا في هذه الخنادق، لأننا نشعر بأننا الأكمل والأكثر اكتفاء" معرباً بدوره عن قلقه إزاء الثورات في العالم العربي، وبأن ما يجري إجهاض لها كما أجهضت الصدمة الحضارية قبل أكثر من قرنين، وذلك عندما فوجئ المسلمون والعرب بان أوروبا قد تغيرت تغيرات نوعية، واستطاعت أن تغزوهم دون استطاعتهم مواجهتها، مما أثار لدينا كعرب صدمة حضارية، كانت كفيلة بأن تخرجنا مما نحن فيه، لكننا أوهمنا أنفسنا بأن لدينا الاكتفاء وبأن ما لدى الغرب ما هي الا بضاعتنا وردت إلينا!

مستطرداً حديثه عن الشعور الذي ينتاب غالبية العرب، من ان الغرب مدينون لهم وانه لولا ما اخذه الغرب منهم، لما تقدموا، موضحا أن هذه الفكرة ما هي الا خديعة كبرى خدرت عقولهم، وعقول اجيال بعدهم، ليكرروا ويرددوا هذه المقولات التي وصفها بـ"السخيفة"، زاعمين أن الغرب قد اخذ من ابن رشد ومن ابن الهيثم وغيرهما، في وقت نبذ فيه ابن رشد واحرقت كتبه، وما هي الا مهزلة من مهازل العرب التي لا تنتهي، بحسب ما جاء به البليهي.

ثقافة طاليس

وانتقل للحديث عن الانقسام الثقافي قبل 25 قرناً، واصفاً اياه  بالانقسام الثقافي الشديد، والذي بدوره كان جزءاً منه قائماً على الترديد والتقليد، والجزء الآخر على ثقافة العقل والنقد والتقدم المستمر، حيث ولد في فترة متقاربة بوذا وكمفشيوس وزراديشت وطاليس، وهم من اسسوا ثقافة التقاليد، اما طاليس فقد اسس ثقافة العقل والصعود المستمر، فلولا تأسيس الفكر الفلسفي في العالم، لكنا كما كنا قبل قرون، الا ان التأسيس الفلسفي وإنشاء ثقافة العقل، هما من نقلا العالم من واقع إلى واقع، مؤكداً أن هناك الكثير من الناس يقولون ويكررون بأن أوروبا ايضاً متخلفة، فهي بالفعل تخلفت عندما تخلت عن العقل الفلسفي في العصور الوسطى، بتأثير مباشر من الشرق عندما انتقل الفكر النقدي والمتمثل بالفكر النقلي إلى أوروبا، توقف العقل النقدي حينها ودخلوا في مرحلة العصور والوسطى، وسميت بذلك لأنها تفصل بين ثقافة التأسيس التي أسسها اليونانيون، وبين العصر الحديث.

مفهوم التخلف

ليتناول بعدها البليهي مفهوم التخلف، وهو مفهوم حديث كونه مقارنا بوضع المتقدمين، فالتخلف هو الأساس أما التقدم فهو العمل الذي يكون بحاجة إلى جهد خارق من أجل تغيير الواقع الذي نعيشه اليوم، فالإنسان بطبيعة الحال كائن تلقائي على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع، فهو سيبقى كما هو إلى أن يأتيه شيء ويدفعه ليتجاوز الواقع، لافتا إلى ان الأطفال في الغالب ما يبرمجون بثقافة أهلهم، تبرمجا كاملاً باللغة وطريقة التفكير والثقافة وغيرها، ويبقى هكذا حتى يموت غالباً، ولهذا ابناؤنا باقون كما هم، على الرغم من تعدد المدارس والجامعات في بلداننا، كما انهم يبتعثون إلى أرقى جامعات العالم ويحصلون على أعلى الشهادات، ليعودوا أكثر انغلاقاً، والسبب هو أن الإنسان كما أسلف كائن تلقائي فهو بحاجة إلى أن يصدم، حتى يعود لترتيب بنيته، موضحاً بأننا كعرب ومسلمين نتناسل ثقافياً منذ مئات السنين، وما زلنا نزداد تخلفاً ، فكل شيء بحسب البليهي نموه من جنسه، ولذلك تزداد مشاكلنا ومآسينا.

لقطات

• جاءت محاضرة البليهي مثيرة للجدل نظراً لاختلاف الآراء وتباينها داخل قاعة المحاضرة.

• حضر الندوة كم هائل من الجمهور مما حال دون جلوس عدد كبير من الضيوف.

• حدثت مشادة كلامية بين عدد من الجمهور، نعت كل منهم الآخر بـ"المتخلف" فعلى ما يبدو تأثير المحاضرة جاء سلبياً وبردة فعل عكسية على البعض، الذين لم يبدوا اهتماماً بمحاضرة البليهي ضد التخلف!

• أكد البليهي أننا لسنا متخلفين فقط، بل نتقهقر ونجر العالم إلى التخلف، فكلمة تخلف ليست كافية فهي لا تصور الواقع فهو أسوأ بكثير ولا تستطيع أي مفردة أو أي لغة أن تصور أوضاعنا كعرب.

• أشار البليهي إلى أن موارد البترول لدينا في الدول الخليجية، ما هي إلا موارد اقتصادية ريعية، بعيدة عن الاقتصاد الإنتاجي، فكيف يصنف البعض نفسه ضمن الدول المتقدمة!

•  أوضح البليهي ان غالبية رجال الدين للأسف يريدون ان يكبلونا مستخدمين الدين أداة، للترهيب والتخويف، مؤكداً أن الله لم يخلقنا للتعاسة بل لنحيا سعداء لنكون مع الحياة وليس ضدها.

• طالبت احدى الحاضرات بان يرشح البليهي نفسه في انتخابات 2012 في الكويت، حتى يرحم الناخبين من تخلف بعض نواب مجلس الأمة.

back to top