تبديد العاصفة الإرهابية

نشر في 14-09-2011 | 00:01
آخر تحديث 14-09-2011 | 00:01
No Image Caption
 راديك سيكورسكي في الحادي عشر من سبتمبر 2001، وبالتحديد في الثالثة مساءً بتوقيت وارسو، كنت أتحدث على الهاتف مع القنصل العام لبولندا في نيويورك، ولقد أبلغتني بأن طائرتين اصطدمتا بالمركز التجاري العالمي، وآنذاك، أدركت أن تلك اللحظة كانت أكثر من مجرد حادث تحطم طائرة، وأن الولايات المتحدة، والعالم، بل حياتنا ذاتها، على وشك أن تتغير بشكل جذري.

وبعد مرور عشرة أعوام، بات من الواضح أن المتعصبين وراء تلك الهجمات استندوا إلى حسابات خاطئة في جانبين أساسيين، فقد نظروا إلى الديمقراطيات الغربية باعتبارها كيانات ضعيفة، غير راغبة أو غير قادرة على الرد على تطرفهم الشرير، كما تصوروا أن المجتمعات والبلدان الإسلامية في مختلف العالم سوف تنهض وتحتشد خلف نظرتهم للعالم التي تستند إلى مبدأ التغيير الجذري.

ولكن بعيداً عن عدم اليقين والافتقار إلى الحسم، فإن استجابة العالم الديمقراطي للاعتداءات الإرهابية من كل الأشكال والأحجام كانت تتسم بعزيمة لا تلين، وفي مختلف أنحاء أوروبا وفي أميركا، وضِعَت ترتيبات جديدة لتجميع المعلومات عن أي هجمات إرهابية محتملة واتخاذ التحركات السريعة (والقوية في بعض الأحيان) المطلوبة لمنع هذه الهجمات أو تعطيلها، كما نعمل بشكل وثيق، حيثما كان ذلك ممكنا، مع الهند وروسيا وباكستان ودول الخليج، وغير ذلك من الشركاء الدوليين الرئيسيين.

وتشكل المؤسسات والسياسات التي وضعها الاتحاد الأوروبي مثالاً حياً للفوائد المستترة للتكامل الحديث عبر الحدود، وتتبادل بلدان الاتحاد الأوروبي معلومات استخباراتية وشرطية بالغة الحساسية بقدر غير مسبوق، وهذا يعزز بدوره من الأمن العام في حين يحافظ على مستوى عالمي من المعايير القانونية والديمقراطية، ويتم تكميل هذه التدابير التنفيذية بسياسات مدروسة بعناية وتهدف إلى الإقرار بالتنوع الاجتماعي ولكنها تعمل في الوقت نفسه على تقليص المساحة السياسية المتاحة للتعصب وعدم التسامح.

ولا يأتي النجاح بسهولة، صحيح أن أغلب قادة تنظيم القاعدة لقوا حتفهم، ولكن أنظمتنا الديمقراطية تشهد عن حق مناقشات محتدمة حول الوسائل والغايات، وحول التوازن بين الحرية الفردية وسلطة الدولة، وفي ظل المناخ الاقتصادي العالمي العصيب حاليا، فإن المخاوف العامة فيما يتصل بالهجرة والقدرة على الحصول على الوظائف آخذة في التنامي حتما، الأمر الذي يزيد من خطر نشوء أشكال متنافسة من الشعوبية الحمقاء وما يرتبط بها من توترات. وفي المقام الأول من الأهمية، كانت الحملة الفعّالة التي شنها الغرب على التطرف المحلي ميالة إلى دفع الإرهابيين المحتملين- الذين يتمركزون غالباً في مناطق نائية من العالم، حيث يأملون في مزاولة أعمالهم والإفلات من العقاب- إلى مستويات أعلى من التطور التقني. ونتيجة لهذا، نشأت معضلات سياسية مؤلمة، وقد تؤدي هذه المعضلات إلى الانقسام حتى بين أقرب الحلفاء، ولكن ما الوسيلة الأفضل للاستجابة إذا كانت بعض الدول غير قادرة أو غير راغبة في اتخاذ الخطوات الضرورية لإحباط التخطيط الإرهابي على أراضيها؟ وكيف يكون التعامل مع الأدلة التي تشير إلى التخطيط الإرهابي والتي يتم تجميعها من دول يشتبه في ممارستها للتعذيب مع المشتبه فيهم الذين تحقق معهم؟ إن اللاعقلانية العَدَمية التي يتسم بها الإرهاب تعمل بمنزلة اختبار إجهاد لمعتقداتنا على نحو لم يسبق له مثيل في شدته وصعوبته. ورغم ذلك فإن الضربات الإرهابية التي وجهت إلى نيويورك ولندن ومدريد على مدى العقد الماضي لم تنجح في زعزعة أركان الديمقراطيات الغربية، بل أصبحت مجتمعاتنا أكثر مرونة وانفتاحاً وتنوعاً من أي وقت مضى. ولكن النجاح ليس قدراً محتماً على الرغم من ذلك، فحتى السياسات الاجتماعية القائمة على نوايا حسنة قد تؤدي إلى عواقب غير محمودة، وهنا يتعين علينا أن نكون شاكرين في المقام الأول لقوات الشرطة والوكالات الاستخباراتية التي تساعد بعملها الشاق المتفاني بعيداً عن أعين الجماهير في الحفاظ على سلامتنا.

كان الخطأ الثاني الذي وقع فيه الإرهابيون الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر أنهم تصوروا أن هجماتهم الإرهابية من شأنها أن تحدث طفرة لا تقاوم في التطرف الإسلامي المناهض للغرب، والواقع أن التطرف من هذا النوع تمكن بالفعل من بعض الناس في بعض أجزاء من العالم، ولكن منذ الحادي عشر من سبتمبر، كان أغلب ضحايا التطرف الإرهابي الذي يمارسه إسلاميون- الذي يتخذ غالباً شكلاً خسيساً من التفجيرات الانتحارية- من بين المسلمين، سواء في العراق أو باكستان أو أماكن أخرى من العالم. فضلاً عن ذلك فإن الجماعات الإرهابية باتت مضطرة للجوء إلى الجريمة المنظمة لتمويل عملها. نستطيع أن نقول باختصار إن التعصب العنيف الذي يمارسه تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات أصبح اليوم أشبه بشكل يثير الاشمئزاز ولكن يمكن التعامل معه من أشكال النفايات الإيديولوجية السامة، بدلاً من أن يؤدي إلى نوع ما من الثورة الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، وفي عامنا هذا تحول التركيز على نحو حاسم بعيداً عن ذلك الاتجاه، فقد بدأ الملايين من الناس في شمال إفريقيا والشرق الأوسط في المطالبة بمجتمع طبيعي يقوم على الحقوق الديمقراطية الأساسية، وأولها حكم القانون وسيادته، وهم يرحبون في هذا السياق بقدر محسوب ومحترم من الدعم من جانب الولايات المتحدة وأوروبا. وفي مواجهة هذا التحدي غير المتوقع، لجأ بعض الحكام اليائسين، وخاصة في سورية الآن، إلى استخدام أساليب قمعية بل حتى إرهابية ضد شعوبهم، والآن تزداد الضغوط الأوروبية كثافة على نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وفي ليبيا انهار طغيان العقيد معمر القذافي المروع؛ وسوف يكون الاتحاد الأوروبي سخياً في مساعدة الشعب الليبي في البدء في بناء مجتمع تعددي حديث.  وقد تلعب المبادرة البولندية لإنشاء صندوق أوروبي للديمقراطية دوراً رائداً في هذا السياق، وفي إتمام الدور الأوروبي الذي لم ينته فيما يتصل بتعزيز الديمقراطية في بيلاروسيا وأماكن أخرى من العالم، مثل أوكرانيا المتراجعة. إن قِلة من الناس قد تقرر ارتكاب اعتداءات إرهابية، ومن بين من يتخذون مثل هذا القرار فإن جزءاً بسيطاً ينفذه بالفعل، ولا ينجح في التنفيذ بالفعل إلا عدد ضئيل من هؤلاء الأخيرين، ولكن الدرس الرئيسي المستفاد من الحادي عشر من سبتمبر هو أن أي مجتمع حر يحتوي على عدد ضئيل من هؤلاء القادرين على استغلال حرياتهم لإحداث ضرر واسع النطاق، وخاصة عندما يكون الدافع وراء ذلك مفكك وغير متماسك، ويتجلى هذا بشكل مختلف للغاية في موجة القتل المسعورة التي شهدتها النرويج في شهر يوليو، ثم الآن إطلاق "ويكيليكس" على نحو مشين لأعداد هائلة من البرقيات الدبلوماسية السرية.

ربما يتخذ التهديد الإرهابي بعد عشرة أعوام من الآن أشكالاً أكثر تنوعاً وأقل توقعا، ففي أوروبا هناك العديد من الجماعات المتطرفة المحلية المنشأ التي تتبنى "قضية واحدة" والتي تحتاج إلى مراقبة لصيقة، وفي كل من هذه الحالات نرى أشخاصاً مهووسين ينتحلون لأنفسهم الحق في تقرير مصير آخرين، ويستخدمون التكنولوجيا الحديثة لتحقيق أغراضهم الخبيثة، والواقع أن هذا النوع من التهديدات المتفرقة والتي تتمتع رغم ذلك بقدر هائل من التركيز يكاد بطبيعته يجعل محاولات تحديده واعتراضه مسبقاً في حكم المستحيل. بطبيعة الحال، لا يستطيع العالم الديمقراطي أن يبني من حوله حصناً منيعاً مضاداً للقنابل، ولكن بوسعنا أن نقلص المخاطر إلى أدنى حد ممكن من خلال اليقظة والتمسك الدائم بالقيم التي تستند إليها مجتمعاتنا.

* وزير خارجية بولندا.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top