تقرير اقتصادي: الموازنة الجديدة بنفس عقلية الموازنات القديمة... وبتضخم أكثر
-الانفاق الاستهلاكي يستحوذ على 83% من المصروفات و14% فقط للمشاريع -الدولة تنفق 27 مليون دينار على دعم الأعلاف و10 ملايين دينار لبعثات الموظفين
هناك 3 من أصل 5 أبواب في الميزانية تستهلك 18.4 مليار دينار، أي ما نسبته 83% من الموازنة بشكل استهلاكي دون أي عائد للدولة وهي الأبواب الأول والثاني والخامس، في حين يعتبر الباب الثالث الخاص بالنقل والتجهيزات هو الأصغر بـ470 مليون دينار فقط، والرابع الخاص بالإنفاق على المشاريع بـ3.1 مليارات دينار.أظهر مشروع الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2012-2013 الذي أحاله مجلس الوزراء الأسبوع الماضي الى المجلس الأعلى للتخطيط تمهيدا لتحويله الى مجلس الأمة لإقراره ثبات العقلية الاقتصادية في ادارة الدولة حتى وإن اختلف الأشخاص.فالميزانية الجديدة التي تبلغ قيمتها 22 مليار دينار أتت على نفس فلسفة الميزانيات السابقة التي كان جل الإنفاق فيها يرتكز على الانفاق الاستهلاكي الخالي من العوائد على حساب الإنفاق الاستثماري الخاص بالمشاريع، كما أنها عبرت عن نمو لافت في آليات الصرف من حيث بلوغها هذا الرقم لأول مرة في تاريخ الكويت، إذ نمت الميزانية خلال عامين فقط بنسبة 36% بالمقارنة مع عام 2010-2011 والذي كانت الميزانية فيه 16.1 مليار دينار.ولعل هذه القيمة الكبيرة في نمو الموازنة بنحو 6 مليارات دينار خلال عامين ما كانت لتتم لولا النمو الحاد في زيادات الأجور والرواتب، خصوصا إذا علمنا ان موازنات الكويت بين عامي 2000 الى 2003 ما كانت الواحدة منها تتجاوز بمجملها 5 أو 6 مليارات دينار، أي أن فرق الزيادة في رقم الموازنة بين عامي 2010 الى 2012 يعادل ميزانية الدولة في عام واحد قبل نحو 10 سنوات، وهذا مؤشر خطير جداً، خصوصا أن النمو لم ينعكس على المشاريع أو الاستثمار أو البنية التحتية، بل على إنفاق استهلاكي يذهب معظمه على الرواتب والمنح والدعم للسلع والخدمات.فحسب الموازنة الجديدة، تبلغ قيمة الباب الرابع الخاص بالمشاريع 3.1 مليارات دينار فقط أي ما يوازي 14% فقط من الإنفاق العام وهي نسبة متدنية جداً، إذا ما تم مقارنتها بدول الخليج، فسلطنة عمان تتربع على قائمة الإنفاق على المشاريع مقابل الإنفاق الكلي بنسبة 36%، ثم قطر بـ31%، فالسعودية 22%، تليها الإمارات والبحرين بـ21% لكل منهما، أما الكويت فهي في ذيل القائمة 14%.أبواب الموازنةفي المقابل، يستهلك الباب الأول من الموازنة الخاص بالرواتب والأجور 21.3% بواقع 4.7 مليارات دينار، والباب الثاني الخاص بدعم السلع والخدمات كالتموين والكهرباء وغيرهما 19% من إجمالي الموازنة بواقع 4.2 مليارات دينار، أمّا الباب الخامس (المصروفات والمدفوعات التحويلية) فهو يستحوذ على نصيب الأسد بالموازنة إذ يبلغ 9.5 مليارات دينار من أصل 22 مليار دينار أي بنسبة 43% من الموازنة، وهو الباب المتخصص في سداد حصة الحكومة الخاصة في قسط العجز الاكتواري في التأمينات الاجتماعية ودعم منتجات البترول المكررة والغاز وتمويل الجهات المستقلة كمؤسسة البترول جامعة الكويت ومصروفات دعم العمالة الوطنية والرعاية الاجتماعية للمطلقات والأرامل وخفض تكاليف المعيشة والشؤون القضائية والبعثات الدراسية.إذن، هناك 3 من أصل 5 أبواب في الميزانية تستهلك 18.4 مليار دينار، أي ما نسبته 83% من الموازنة بشكل استهلاكي دون أي عائد للدولة وهي الأبواب الأول والثاني والخامس، في حين يعتبر الباب الثالث الخاص بالنقل والتجهيزات هو الأصغر بـ470 مليون دينار فقط، والرابع الخاص بالإنفاق على المشاريع بـ3.1 مليارات دينار.الغريب أن هذه الطريقة في إعداد الموازنة هي نفس الطريقة التي تنتقدها الحكومة خلال الفترة الأخيرة، خصوصا بعد تولي سمو الشيخ جابر المبارك منصب رئيس الوزراء، إذ صرح رئيس الحكومة تصريحات انتقد فيها بشدة الاختلالات الهيكلية في الموازنة، وأنه لم يعد ممكنا الاستمرار في سياسة الإنفاق الاستهلاكي من دون ضوابط. ومع ذلك تأتي الموازنة المقبلة لتحمل نفس فلسفة الموازنات السابقة بكل الاختلالات التي تحملها. ورغم اتفاق معظم التقارير الاقتصادية، بما فيها تقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية المعروض على سمو أمير البلاد، على ضرورة تحفيز الاقتصاد من خلال رفع نسبة الانفاق على المشاريع في ظل الاستفادة من الوفرة المالية والتي بلغت خلال 9 أشهر فقط نحو 13.2 مليار دينار، فضلاً عن تراكمات الفوائض المالية خلال السنوات الماضية، إلا أن إعداد الموازنة لم يراع كل هذه التقارير لينسج على منوال الموازنات السابقة بكل ما فيها من عيوب ورغم أن تقرير الاستشارية الاقتصادية يشير بوضوح إلى أن استمرار آليات الصرف الحالية سيعني دخول الكويت في أول عجز مالي عام 2020 ليتفاقم لمرحلة خطرة جداً في عام 2030.سعر البرميلواعتمدت الموازنة على فرضية سعر تعادل لبرميل النفط مع المصروفات عند 65 دولاراً للبرميل، مقابل 60 دولاراً للبرميل في عام 2011، لكنه كان عام 2010 عند مستوى 40 دولاراً، وبالطبع يتم إعداد الموازنات عالميا على أساس افتراض الاسوأ. فصحيح أن النفط الكويتي اليوم يتداول بأسعار تتجاوز 120 دولاراً للبرميل، لكن بالمقابل يجب أن نتذكر كيف انزلقت اسعار النفط عام 2008 خلال 4 أشهر من 150 دولاراً إلى 40 دولاراً للبرميل.وبالطبع، لا تزال حالة عدم اليقين تسيطر على الأسواق العالمية، خصوصاً في ظل تراجع الأعمال في أوروبا وما يمكن أن يؤثر على الطلب العالمي على النفط، فضلاً عن عودة النفط الليبي للإنتاج والذي أدى توقفه إبان الثورة على القذافي الى ارتفاع الأسعار ما بين 15 إلى 20%، إضافة إلى أن الإنتاج العراقي الذي سيكون بمستويات عالية خلال السنوات المقبلة.وهذه الفرضيات تعني أن المصدر الرئيسي الداعم للموازنة مرتبط بعوامل السوق والعرض والطلب، وهي عوامل لا نتحكم فيها نحن، وغير خاضعة لقراراتنا أو رغباتنا، لذلك فإن أي أزمة عالمية أو اختلال في الأسعار سينعكس حتماً على الموازنة في الكويت، وربما يعجل بدخول الكويت في دائرة العجز المالي.ومن الملاحظات اللافتة في الموازنة السابقة، والتي لا يتوقع أن تتغير في الموازنة الحالية، هي أن الدولة تصرف 27 مليون دينار على دعم الأعلاف مقابل 10 ملايين دينار فقط على البعثات الدراسية لموظفي الدولة، في حين شهدت موازنات بعض الوزارات ارتفاعاً لافتاً مثل وزارة التربية التي ارتفعت موازنتها من مليار دينار العام الماضي الى 1.7 مليار دينار مدعومة بإقرار كادر المعلمين.إن النهج الجديد في إدارة الدولة يستوجب تغيير العقلية التي تدير الملف الاقتصادي كما السياسي، وعليه فإن استنساخ فلسفة الموازنة السابقة على الحالية لن يعالج أياً من اختلالات الاقتصاد الذي طالما تحدثت عنه الحكومات السابقة دون أي تحرك فعلي، وبالتالي فمن غير مصلحة الحكومة الحالية ولا من مصلحة الدولة أن تتعامل السلطة التنفيذية مع هذا الملف بنفس العقلية القديمة. -رئيس الحكومة انتقد الاختلالات الهيكلية في الموازنة ومع ذلك تأتي الموازنة المقبلة لتحمل نفس فلسفة الموازنات السابقة بكل الاختلالات التي تحملها-الموازنة وضعت على فرضية سعر تعادل للبرميل مع المصروفات عند 65 دولاراً للبرميل مقابل 60 دولاراً للبرميل في عام 2011 لكنه كان عام 2010 عند مستوى 40 دولاراً-الموازنة نمت 6 مليارات دينار خلال عامين بنفس قيمة موازنات الكويت في سنة واحدة بين عامي 2000 إلى 2003