رحلة إلى غوايانا الفرنسية

نشر في 21-09-2011
آخر تحديث 21-09-2011 | 00:01
No Image Caption
 يوسف عبدالله العنيزي أثناء عملي في كاراكاس عاصمة جمهورية فنزويلا سفيرا لبلدي في الفترة من 1996 إلى 2000، تلقيت دعوة كريمة من وكالة الفضاء الأوروبية ASE، وذلك لحضور حفل إطلاق القمر الصناعي العربي (عربسات) بواسطة الصاروخ إيريان، والذي يعتبر ناقلة فضاء، حيث يستطيع أن يحمل ما يقارب خمسة أطنان من المعدات والأقمار الصناعية.

هذا وقد رافقني في هذه الرحلة الصديق العزيز د. ريمون قبشة أستاذ القانون في جامعة كاراكاس والمستشار السياسي لرئيس الجمهورية الحالي هوغو شافيز، ود. قبشة ينتمي إلى عائلة لبنانية من منطقة زغرتا في لبنان الشقيق، والتي هاجر الرعيل الأول منها إلى أميركا الجنوبية حيث استقر بعضها في فنزويلا.  ربطنا الأحزمة وبدأت الطائرة بالتحرك على المدرج وما هي إلا لحظات حتى أصبحنا معلقين بين الأرض والسماء تحرسنا عين الله، ويشد عزمنا إيماننا بقضائه، كان خط سير الرحلة يبدأ من كاراكاس إلى جزيرة مرغريتا الفنزويلية، ومنها إلى ترينيداد ثم مدينة جورج تاون ومنها إلى مارايبو عاصمة جمهورية سورينام، حيث قضينا يومين.

يبلغ عدد سكان سورينام حوالي نصف مليون نسمة، ونسبة المسلمين فيهم تتراوح ما بين 20- 25% وتتميز الحياة الاجتماعية بالتسامح الديني الرائع، حيث يمكن أن تشاهد في الساحة الرئيسة للعاصمة مارايبو مسجد سورينام الكبير بجانب كنيس نيفين شالوم اليهودي، وعلى بعد أمتار قليلة توجد كاتدرائية القديسين بطرس وبولس الكاثوليكية، وينتمي المسلمون فى سورينام إلى المذهبين السني والشيعي في تعايش يسوده الود والاحترام مع غياب تام لنشاط الجمعيات الخيرية الإسلامية.

في اليوم التالي استقللنا العبّارة النهرية لمواصلة الرحلة إلى غوايانا الفرنسية التي تقع على الضفة الأخرى لنهر سورينام، وكانت العبّارة متهالكة أكل عليها الدهر وشرب، وربما تكون إحدى مخلفات المكتشف كريستوفر كولمبوس. نظرت إلى الركاب حولي وقد حمل بعضهم أقفاصا من الطيور والحمام والبط، والبعض الآخر يجر أنواعا من الأغنام وجال في خاطري فى تلك اللحظات سفينة سيدنا نوح عليه السلام.

وصلنا الضفة الأخرى للنهر وكان في استقبالنا السيد فرنسوا فرنجية قريب د. قبشة، والذي استضافنا في سكنه الرائع الذي يقع على ربوة تحيط بها الحدائق الغناء والأدغال غير المأهولة وأنواعا مختلفة من الطيور ذات التغاريد الشجية. في المساء وعند جلوسنا في شرفة المنزل الرائعة أبديت للسيد فرنسوا تساؤلا، حيث إننا طوال الطريق من نقطة العبور في المحطة النهرية مرورا بالمدينة حتى وصولنا إلى المنزل لم نشاهد أي مظهر من المظاهر العسكرية من أفراد أو سيارات عسكرية أو حتى شرطة، ما عدا رجال تنظيم المرور، فأفاد فرنسوا أننا في هذه البلاد ليس لدينا وقت للحروب أو النزاعات، فنحن نؤمن بأن الله جعل سيدنا آدم خليفة له في الأرض لتعميرها لا لتدميرها، والحياة مليئة بالمتع التي يجب أن نعيشها، علما أن عدد سكان غوايانا يبلغ حوالي 250 ألف نسمة وتتميز الحياة بمستوى معيشي جيد.

في مساء اليوم التالي ذهبنا إلى قاعدة كوروا الفرنسية المخصصة لإطلاق صواريخ أريان، حيث سيتم إطلاق قمرين صناعيين هما "عربسات" و"ماليزيا سات"، وكم هالني هذا الإنجاز العلمي الذي يعبر عن العقل البشري الجبار! وكم شعرت بالفخر أن يكون بلدي هو الدولة العربية الوحيدة الممثلة في هذا التجمع العلمي الرائع الذي يضم رؤساء وزارات ووزراء وجامعات ومراكز علمية من مختلف دول العالم. ولعل أروع ما رأيت هو أعداد من طلاب وطالبات الجامعات الماليزية والإندونيسية واليابانية، وقد أمسك كل منهم بمذكراته لتدوين كل ركن من أركان القاعدة، وكم تألمت لعدم وجود أي مسؤول من أي دولة عربية أو جامعة أو مركز علمي، مع أن الاحتفال يتعلق بإطلاق القمر الصناعي العربي واكتفاء المراكز العلمية عندنا بتربية الأسماك وأنواع من الحيوان والنبات. جلسنا في القاعة خلف الصف الأول المخصص للعلماء والمشرفين على عملية الإطلاق، وقد غطيت جدران القاعة بشاشات ضخمة تعمل بنظام ثلاثي الأبعاد، وذلك لمتابعة عملية الإطلاق، بينما الجانب المقابل لنا فغُطي بزجاج خاص يسمح لنا برؤية الصاروخ ولا يفصلنا عنه إلا بضع مئات من الأمتار.

وبدأ العد التنازلي، وأخذ الصاروخ بالتحرك محدثا صوتا رهيبا منطلقا في الفضاء مخترقا بعض الغيوم التي تحولت إلى كتل من اللهب، وبعد ما يقارب النصف ساعة وعند نقطة معينة انفصل القمر الصناعي العربي ليأخذ مداره، وعند نقطة أخرى انفصل القمر (ماليزيا سات) ليأخذ مداره، وبعد لحظات من ذلك احترق الصاروخ في الفضاء حيث تلاشى، وألحت على خاطري في تلك اللحظات الآية الكريمة بقوله سبحانه وتعالى "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا".

وقف الجميع احتراما وتقديرا للعلماء على نجاح عملية الإطلاق مع تصفيق حاد لهذه الكوكبة التي استخدمت ما وهبها الله من قدرة عقلية هائلة لخدمة الإنسانية، كم أتمنى أن نرى مثل هذه المراكز في دولنا العربية.

حفظ الله الكويت وقياداتها وأهلها من كل سوء.

back to top