الأزمة المالية تخنق اقتصاد العالم... فماذا نحن فاعلون؟
لا يمكن أن تكون الكويت بعيدة عن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم حالياً، خصوصاً مع الانخفاض السريع في أسعار النفط في وقت أقر مجلس الأمة والحكومة قبل نحو شهرين ميزانية ضخمة تتجاوز الـ19.5 مليار دينار.
لا نائب يسأل ولا الحكومة تبادر... والضحية هو المستقبلأسعار النفط تهوي 10% فماذا عن الإنفاق؟
حتى ساعة الانتهاء من كتابة هذا التقرير لم يتقدم أي نائب في مجلس الأمة بأي سؤال برلماني لوزير المالية أو لرئيس الوزراء حول موقف الكويت المالي من تطورات الأزمة المالية العالمية، التي اشتدت سخونتها خلال الايام الاخيرة أو عن حجم السندات التي تمتلكها الكويت من إجمالي سندات الدين الأميركي.وعلى نفس المنوال، وحتى ساعة الانتهاء من كتابة هذا التقرير لم يناقش مجلس الوزراء- ولو في جلسة طارئة- التطورات الاقتصادية المثيرة بالعالم وآثارها على الاقتصاد الكويتي، وخصوصا على الميزانية والانفاق والاصول الاجنبية.فالعالم يشهد هذه الأيام بوادر ازمة اقتصادية جديدة خصوصا مع اعلان وكالة ستنادرد آند بورز خفضها التصنيف الائتماني للولايات المتحدة لأول مرة بالتاريخ بمقدار درجة واحدة، وتلويحها باحتمال اعلان خفض جديد للتصنيف الاميركي في المستقبل.ورغم أن العالم لايزال يعاني الأزمة الاقتصادية التي تجاوزت المؤسسات المالية لتصل الى الدول، لاسيما في الاتحاد الاوروبي، فإن الازمة الجديدة التي يتخوف منها معظم المحللين ستكون قاسية على الاقتصاد الاميركي، ومن المحتمل ان تنعكس سلبا على العديد من دول العالم، خصوصا الكويت التي اقرت قبل نحو شهرين ميزانية ضخمة تتجاوز الـ19 مليار دينار.فالضرر الذي يواجه الاقتصاد الكويتي من أي تعثر للاقتصاد الاميركي او العالمي قد لا يكون مباشرا، لكنه بالتأكيد يمس مفاصل حيوية تتمثل في مجموعة محاور أهمها:- أسعار النفط: وهو المصدر الاساسي وشبه الوحيد للدخل في الكويت، وقد حقق تراجعات حادة خلال الاسبوع الحالي.- الدولار: صحيح الكويت لا تربط عملتها كما دول الخليج بالدولار إلا ان سلة العملات التي يعتمد عليها الدينار معظمها بالدولار.- الأصول الاستثمارية والسندات: وهي لا شك ستتأثر سلبا لأن للكويت حصصا متنوعة في مؤسسات وصناديق وسندات منها سندات الدين الأميركي إلا ان المعلومات الخاصة بهذه الحصص محدودة، لأن الافصاح عن تفاصيلها اقل من المطلوب.طبعا الكويت غير مسؤولة عن الازمات المالية المتلاحقة في العالم، لكنها مسؤولة على الصعيدين الحكومي والنيابي عن كيفية التعامل الاحترازي مع هذه الازمات.تراجع أسعار النفط سيؤثرفالكويت كما هو معروف تعتمد في دخلها بنسبة تصل إلى 89 في المئة على الإيرادات النفطية، وبالتالي فإن أي تراجع في اسعار النفط سيؤثر سلبا على أداء الاقتصاد الكويتي، خصوصا في ظل تراجع اسعار النفط خلال الاسبوع الجاري بـ10 في المئة، الأمر الذي يجعل اي مراقب يتساءل عن الموقف الحكومي المتوقع من اقتراب سعر البرميل الكويتي من نقطة التعادل في الميزانية البالغة 60 دولارا للبرميل (تقرير الشال يحسب نقطة التعادل بـ88 دولارا نظرا لتنامي المصروفات).وعليه فكلما تدهورت الثقة بالاقتصاد العالمي وزادت احتمالات التراجع في اسعار النفط كلما كانت الارقام في الميزانية بحاجة الى المراجعة والتقييم، لاسيما في ما يتعلق بالمصروفات، فضلا عن تنمية الايرادات غير النفطية مع الاخذ بعين الاعتبار ان الميزانية التي تبلغ قيمتها 19.5 مليار دينار تستهلك 7.5 مليارات دينار للرواتب والأجور و4 مليارات أخرى تذهب لدعم الخدمات والسلع الأساسية ما يعني أن 59 في المئة من ميزانية الدولة مخصصة للصرف بلا أي عائد، وهذا اختلال كبير في الميزانية. وربما يقول قائل: لا يزال النفط الكويتي يتداول بأسعار عالية مقارنة بسعر التعادل في الميزانية البالغ 60 دولارا فسعر البرميل الكويتي لم يتراجع حتى الآن دون 95 دولارا، وبالتالي ليس هناك اي مخاوف مستحقة... ولكن بالمقابل يجب ان نتذكر كيف هوت أسعار النفط عام 2008 من 150 دولارا الى نحو 40 دولارا للبرميل في أقل من 4 أشهر.لذلك فإن الحديث عن وجود (هامش مريح) في سعر النفط الكويتي لا قيمة له في الازمات الحادة، لأن البرميل قد يفقد (كما حدث قبل أيام) 6 في المئة من قيمته خلال جلسة تداول واحدة، لذلك فإن حدوث تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي لابد أن ينعكس بالضرورة على الطلب على النفط، وبالتالي تتراجع الاسعار الى جانب أن ما بين 20 و30 في المئة من اسعار النفط مدعومة بعوامل المضاربة، وعليه فإن تقهقهر الطلب وتراجع شهية المضاربين سيؤثران دون شك على الاسعار الحالية ويوجهانها نحو الهبوط.سؤال برلماني أو بيان حكوميولعله من المفيد القول إن "حسن حظ" الكويت من خلال الهيئة العامة للاستثمار في عام 2008 جعلها تنجو من خسائر كبيرة، اذ كانت الهيئة وقتها تمتلك نسبة كبيرة من السيولة... أما اليوم فالوضع يستحق سؤالا برلمانيا أو بيانا حكوميا لبيان المركز المالي للاقتصاد الكويتي بصورة صحيحة.الأسبوع الماضي أعلنت الحكومة عن تشكيل لجنة وزارية للتنمية تتولى عملية الاشراف على تنفيذ خطط التنمية المعدة في الخطة قبل عامين، وقبلها بأسبوعين شكلت الحكومة لجنة منبثقة عن اللجنة الوزارية الاقتصادية والمجلس الأعلى للتخطيط، للعمل على تحديث دراسات الإصلاح الاقتصادي، ولعله من المفيد القول في هذا الاطار إن تاريخ الاقتصاد الكويتي مع اللجان الحكومية غير سار بالمرة، لأن هذه اللجان تضع الدراسات والخطط الفنية المطلوبة بينما القرار السياسي يمنع تنفيذ هذه الدراسات او على الأقل يشوه تنفيذها.ولا يمكن لمنصف أن ينكر وجود خلل واضح في الميزانية، وأحد أوجه هذا الخلل يتركز في ضعف لافت في الايرادات غير النفطية، مع ان هناك عشرات الدراسات الحكومية الخاصة بتعزيز هذه الإيرادات عبر إعادة تسعير العديد من الخدمات غير الأساسية وإطلاق برنامج تنفيذي لقانون الخصخصة الذي أقر قبل نحو عام ونصف وظل حبيس الادراج دون تنفيذ (...)، فضلا عن أن ترشيد الانفاق في ظل ازمة اقتصادية طاحنة هو اقل ما يمكن فعله من اجراءات احترازية مع الأخذ بعين الاعتبار ان كلفة الزيادة على الرواتب والبدلات بلغت خلال 4 سنوات 3 مليارات دينار، بينما بلغت كلفة المنحة الأميرية في فبراير الماضي 1.2 مليار دينار.حالة إقليمية لا محليةاللافت في أمر الأزمة المالية العالمية ان سوء التعامل الكويتي ليس حالة محلية خاصة بل اقليمية، إذ ان معظم دول مجلس التعاون الخليجي تعاني ضبابية عالية في اعلان اي بيانات عن الازمة، فحتى اليوم تلتزم الكويت والسعودية وقطر الصمت تجاه بيان أي افصاح عن ملكيتها في سندات الدين الاميركي، كذلك فإن الازمات الاقتصادية التي عادة ما تكون شاغلا لرؤساء الدول في أميركا وأوروبا وآسيا لم تحظ في مجلس التعاون حتى باجتماع طارئ لوزراء المالية.++++++++الميزانية 19.5 مليار دينار منها 7.5 مليارات دينار للرواتب و4 مليارات لدعم الخدمات +++++الأزمة تستدعي عقد قمة خليجية... إلا أن وزراء المالية لم يعقدوا اجتماعاً واحداً ++++الحكومة لديها عشرات الدراسات لتنويع مصادر الدخل وتهمل تنفيذها+++ "حسن حظ" الكويت في عام 2008 جعلها تنجو من خسائر كبيرة لكن اليوم يجب بيان المركز المالي للاقتصاد+++في عام 2008 هوت أسعار النفط من 150 دولاراً إلى 40 دولاراً للبرميل في أقل من 4 أشهر... فلنتعظ إذن