وجهة نظر: أحمد زكي: الولع بالفن

نشر في 28-11-2011
آخر تحديث 28-11-2011 | 00:01
 محمد بدر الدين يقرّ نور الشريف: «أحمد زكي أقدرنا»، ويقول عمر الشريف: «لو تمكَّن أحمد زكي من الإنكليزية لكان أحق بالعالمية أكثر من أي واحد فينا} وأطلق عليه أقرانه وأهل الفن: {رئيس جمهورية فن التمثيل في مصر».

زكي قدوة ومثال لأبناء فنون الأداء كلهم، بالاقتدار والإخلاص للفن إلى حد التفاني، بالدأب والتجويد والصقل المستمر للموهبة المتفجرة، والعطاء حتى النهاية. يظل زكي نموذجاً للولع بالفن الجميل، فهو مثل عاشق هام بسيدة أحلامه وشغف بها حباً، وكقيس مجنون ليلى كان زكي مجنون الفن! لذلك.

لعل أعظم أفلام زكي زكي نفسه! هل يوجد فنان مثله؟ حتى في ذروة المرض القاسي الفتاك، وهو يعلم أن العد التنازلي بدأ نحو مغادرة الدنيا، كان يمثِّل بأعصابه كافة وروحه، وما تبقى من نبضه، دور عبد الحليم حافظ في فيلم «حليم» الذي أخرجه شريف عرفة وكتبه محفوظ عبد الرحمن، وكان هو مريضاً قرب نهاية العمر، يجسد لحظات حليم وهو مريض قرب نهاية العمر! فتوحَّد فن النمر الأسمر وفن العندليب الأسمر! وروح كل منهما، ونبضاتهما، ومرض ونهاية عمر كل منهما!

ينتمي أحمد زكي إلى مدرسة في تمثيل الشخصيات وتقمصها، تتوارى فيها كلياً شخصية الممثل بقسماته وسماته، من دون أن يظهر منها شيء، لتحلّ محلها الشخصية التي يؤديها، بملامح وسمات وروح جديدة، على خلاف أساليب تمثيل لا تغيب فيها جوانب أو تعابير أو «لوازم» معينة، تظل تصاحب الممثل في كل شخصية من الشخصيات التي يؤديها مهما تعددت!

لذلك لا علاقة بين سمات أية شخصية أداها، وبين، مثلاً، «أحمد سبع الليل» في فيلم «البريء» للمخرج عاطف الطيب، مجند الأمن المركزي الغلبان المدرَّب على عدم الدراية بشيء أو الإدراك لمعنى. تحركه أصابع بطش الضباط الكبار لتعذيب المعارضين الوطنيين والشرفاء، مصدقاً أنهم أعداء الله والوطن، فيطاردهم حتى يفتك بهم فهو أداة غباء ورعونة حتى النهاية. قبل النهاية بقليل، حين تشرق في عقله وروحه لحظة ضوء تفضح له سذاجته وضلاله، فيحوّل سلاحه في لحظة الختام إلى الظالم بدلاً من المظلوم، إلى السجان الضابط الكبير بدلاً من الوطني البريء السجين!

لا علاقة بين سمات أية شخصية وقسماتها من الشخصيات التي أداها أحمد زكي في السينما أو التلفزيون أو المسرح. في أفلامه، مثلاً، مع مخرجي جيل الثمانينيات من القرن العشرين، جيل حركة التجديد الواقعي الجميل المحلق، مثل عاطف الطيب (التخشيبة، البريء، الحب فوق هضبة الهرم، ضد الحكومة)، وخيري بشارة (العوامة 70، كابوريا)، ومحمد خان (موعد على العشاء، أحلام هند وكاميليا، زوجة رجل مهم، مستر كاراتيه). كذلك مثل مع المخرج شريف عرفة (الدرجة الثانية، حليم)، ومع المخرج علي بدرخان (نزوة، الراعي والنساء)... وغيرهم.

تظل «الثنائية» التي قدمها مع البارعة القديرة سعاد حسني آسرة دوماً، في «موعد على العشاء» و{الدرجة الثانية» و{الراعي والنساء» والمسلسل الممتع «هو وهي»، الذي كتبه العبقري صلاح جاهين عن نصوص المبدعة سناء البيسي وبإخراج متمكِّن ليحيى العلمي.

قدَّم العلمي زكي مبكراً في أداء شخصية طه حسين في مسلسل سيرته الذاتية الفذة «الأيام»، الذي افتتح به هذا النجم مشروعه النبيل لتعريف الأجيال الجديدة بتاريخ أمتها، وأسماء من مراحل فيها، من جمال عبد الناصر في «ناصر 56» الذي كتبه محفوظ عبد الرحمن وأخرجه محمد فاضل، إلى «أيام السادات» نص أحمد بهجت وإخراج محمد خان، وكان يحلم بتقديم سعد زغلول وسواه.

لم يمهل القدر زكي ليقدم أحلامه وتطلعاته كافة، التي لم تكن تعرف حدوداً في الفن الذي ولع به وتفانى فيه.

لكن ذلك كله، الفنان والفن، الولع والتطلع والاقتدار والإخلاص والأسلوب الخاص... سيبقى كله مضيئاً أبداً، ملهماً، متجدداً سحره على الدوام.

back to top