في العيد الـ 100 لميلاده... عطاء محفوظ المدهش في السينما

نشر في 12-12-2011
آخر تحديث 12-12-2011 | 00:01
 محمد بدر الدين مئة عام على مولد نجيب محفوظ، ذكرى غير عادية لأديب غير عادي، تميّزت علاقته بالسينما بأنها غير عادية أيضاً، ليس لأن السينما المصرية ومن ثمّ العالمية (المكسيكية) قدمت أدبه كأفلام سينمائية فحسب، إنما لكونه أسهم ككاتب للقصة والسيناريو في أهم أفلام السينما المصرية، وفي الستينيات أسندت إليه مسؤولية رئاسة المؤسسة العامة للسينما (القطاع العام السينمائي).

معروف أن مخرج الواقعية الكبير صلاح أبو سيف اكتشف قدرات أديب الواقعية نجيب محفوظ، كسينمائي يكتب سيناريو وقصة خصيصاً للسينما. كانت البداية، في أواخر أربعينيات القرن العشرين، من خلال أفلام أبو سيف: «المنتقم» (1947)، «مغامرات عنتر وعبلة» (1948)، «لك يوم يا ظالم» (1951).

ثم قدمت السينما للمرة الأولى فيلم «بداية ونهاية» (1960) عن رواية محفوظ  الواقعية التي تحمل العنوان نفسه، إخراج أبو سيف أيضاً.

إذا كان محفوظ سيد الرواية العربية بلا منازع في القرن العشرين، فقد أسهم بدور مرموق في رفع مستوى الفيلم المصري، في النصف الثاني من القرن العشرين، سواء بأعماله التي كتبها خصيصاً للسينما: «الفتوة» و{بين السماء والأرض» من إخراج أبو سيف، «درب المهابيل» من إخراج توفيق صالح، «الاختيار» من إخراج يوسف شاهين... أم بالأفلام المأخوذة عن رواياته.

ليس من قبيل المصادفة، أن تقف أعمال محفوظ في صدارة أحسن أفلام مخرجيها على غرار: أبو سيف في «بداية ونهاية» و{القاهرة 30» و{الفتوة»، توفيق صالح في «درب المهابيل»، كمال الشيخ في «اللص والكلاب»، عاطف سالم في «خان الخليلي»، حسن الإمام في «زقاق المدق» و{ثلاثية بين القصرين» و{قصر الشوق» و{السكرية»، حسام الدين مصطفى في «السمان والخريف» و{الشحاذ» و{الطريق»، إبراهيم الصحن في «دنيا الله» وجزء من ثلاثة أفلام قصيرة.

وصولاً إلى أجيال سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته، مثل علي بدرخان في «أهل القمة» و{الجوع» عن ملحمة «الحرافيش»، أشرف فهمي في «وصمة عار» عن رواية «الطريق»، عاطف الطيّب في «الحب فوق هضبة الهرم» و{قلب الليل» و{الهروب» عن رواية «اللص والكلاب».

هنا نلاحظ أن ثمة روايات قدمتها السينما في أكثر من فيلم مثل «الطريق» و{اللص والكلاب» و{ملحمة الحرافيش».

بطبيعة الحال، تفاوت مستوى هذه الأفلام بتفاوت مستوى مخرجيها وكتاب السيناريو والحوار والممثلين... فالتقى المستوى الناضج للواقعية النقدية والمفهوم التقدمي للحياة لدى أبو سيف مع واقعية محفوظ ونقديتها وتقدميتها، وقد أجمع نقاد السينما ومتذوقوها على أن «بداية ونهاية» أحد أحسن عشرة أفلام في تاريخ السينما المصرية.

كذلك التقى الفهم والحس السياسي والاجتماعي الراقي لدى محفوظ مع إحساس المخرج توفيق صالح في «درب المهابيل». يُذكر أنهما صديقان ورفيقان في «شلة الحرافيش» (أشهر تجمّع أصدقاء في الوسط الثقافي الإبداعي المصري في النصف الثاني من القرن العشرين) انتظمت في لقاء أسبوعي فكري وإنساني على مدى عقود، وكان من بين أعضائها الأديب الساخر المرموق محمد عفيفي والنجم الكبير أحمد مظهر وغيرهما.

لكن ثمة مخرجين مثل حسام الدين مصطفى صبغوا أفلام محفوظ التي عرفوا بها بصبغة تجارية، ولم يستطيعوا الفكاك من الطبع مهما حاولوا التطبع، مع ذلك تظلّ تلك الأفلام في سجلهم أفضل ما لديهم.

وما ذكرناه عن المخرجين، بالإمكان قوله عن كتاب السيناريو والحوار والمصوّرين ومهندسي الديكور والموسيقيين والممثلين... كانوا يبذلون قصارى ما عندهم وتتألق لديهم طاقات جديدة، عند الدخول في عالم نجيب محفوظ الفريد الساحر.

فمن ينسى أداء يحيى شاهين وتجسيده لشخصية «السيد أحمد عبد الجواد» في الثلاثية، أو أمينة رزق وسناء جميل وفريد شوقي في «بداية ونهاية»، أو شادية في «اللص والكلاب» و{الطريق»، أو شكري سرحان في «اللص والكلاب» و{درب المهابيل»، أو سعاد حسني في «القاهرة 30» و{الاختيار» و{الجوع»...

يستحقّ عطاء محفوظ في السينما دراسات علمية تعمقه، وجدير بأن نتأمله ونتعلم منه.

إنه محفوظ العملاق في الأدب... كذلك محفوظ العملاق في السينما.

back to top