تحليل سياسي: ما بعد الدستورية... مواجهة إلى أبعد مدى ومستقبل غامض
● توسع الحكومة في إسقاط الاستجوابات يزيد حالة الاحتقان السياسي● المعارضة مستمرة في التصعيد والحشد والنزول إلى الشارع
ينظر المراقبون إلى مستقبل العلاقة بين الحكومة والنواب على ضوء حكم «الدستورية» الذي ضيّق نطاق اختصاصات رئيس الوزراء.انتهت المحكمة الدستورية من تفسيرها لبعض مواد الدستور بحسب الطلب الذي قدمته الحكومة في ما يتعلق باختصاصات رئيس الوزراء، إلا أن سلسلة الاستجوابات المقدمة لسموه مازالت حاضرة على جدول أعمال مجلس الأمة تنتظر القرار الحكومي تجاهها وردة الفعل النيابية المعارضة.حكم «الدستورية»وبينما عمت الأفراح معسكر الحكومة باعتبار أن التفسير الدستوري ضيق نطاق اختصاصات رئيس الوزراء وحصر أداة المساءلة السياسية في "السياسة العامة للحكومة" دون أعمال الوزراء واختصاصاتهم، بدأ المعسكر المعارض إعادة ترتيب أوراقه وفق المعطيات "الدستورية" الجديدة، واضعاً أمامه الخيارات الجديدة المتاحة له للتعامل مع الاستجوابات المعروضة على جدول الأعمال أو تلك التي يجري الإعداد لها.وعلى جدول دور الانعقاد المقبل استجوابان لسمو الشيخ ناصر المحمد، الأول للنائبين أحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري، والثاني قدمه النائب د. فيصل المسلم، فيما تحضر كتلتا التنمية والإصلاح و"الشعبي" لاستجواب "الإيداعات" و"التحويلات" المليونية الذي أجل موعد تقديمه أكثر من مرة انتظاراً لحكم "الدستورية"، ويتوقع تقديمه الاسبوع المقبل.إسقاط الاستجواباتويقول المراقبون ان خيار اسقاط الاستجوابات الموجهة الى رئيس الوزراء من جدول أعمال مجلس الأمة بات سلاحا جديدا بيد الحكومة وهي التي تملك زمام التصويت في المجلس استنادا إلى كتلتها الوزارية والنيابية، فيما تراجعت حظوظ الإحالات إلى "التشريعية" أو "الدستورية" كخيارات سابقة كانت تلجأ إليها الحكومة لمواجهة استجوابات سموه بعد صدور الحكم، ويضيف المراقبون أن هذا السلاح قد يكون فتاكا في مواجهة الاستجوابين المدرجين على جدول الأعمال ما لم يبادر المستجوبون الى سحبهما وإعادة تقديمهما وفق التفسير الدستوري الجديد، خاصة ان الاستجوابين يحتويان محاور مفصلة لأعمال تقع ضمن اختصاصات الوزراء وليس "السياسة العامة للحكومة". ويرى المراقبون أن تمهل كتلتي "التنمية" و"الشعبي" في تقديم استجواب "الإيداعات" انتظارا لقرار المحكمة كان موقفا سليما لتجاوز إلصاق تهمة "غير الدستوري" به، فالتأجيل أعطى المستجوبين وقتا إضافيا لإعادة صياغة المحاور والخروج بها من إطار "الفردية الوزارية" الى "العامة الحكومية"، مشيرين الى أن هذا التكييف "الدستوري" أصبح مسألة مطلوبة اليوم لتجاوز عتبة تفسير المحكمة.عملية قيصريةوألمح المراقبون الى أن الوضع الجديد للاستجوابات التي ستقدم لرئيس الوزراء من شأنه فتح أبواب واسعة للبحث عن عامل مشترك بين الوزارات والجهات الحكومية يمثل "سياسة عامة حكومية" على ضوئها يتم تقديم أي مساءلة سياسية، ويطرح المراقبون مثالا عن تفشي الفساد في أجهزة الدولة، فهو واقع ملموس من خلال تقارير ديوان المحاسبة، وقد يعكس "فشلا" في سياسة الحكومة لمواجهته، ما يمهد لاستجواب شامل.ويؤكد المراقبون أن الاستجوابات المقبلة لرئيس الوزراء قد لا تولد بالسهولة التي تعود عليها المشهد السياسي، فهي لم تعد مجرد قضية في وزارة أو سرقة في إدارة، بل قد تحتاج الى عملية "قيصرية" لخروجها بالصورة "الدستورية" المطلوبة.مستقبل غامضوبالعودة الى المستقبل القريب لدور الانعقاد، حذر المراقبون من تمادي الحكومة وتوسعها في اللجوء الى خيار اسقاط الاستجوابات الموجهة أو تلك التي ستوجه الى رئيس الوزراء، مشيرين الى أن حالة الاحتقان السياسي التي تمر بها الدولة لا تحتمل مزيدا من عوامل الاستفزاز الحكومي لنواب المعارضة والشارع، فنار أزمة الايداعات مازالت مشتعلة وأي استفزاز يعني سكب الزيت ومزيدا من الاشتعال، وهو الأمر الذي لا تحتمله الأوضاع الحالية المتشنجة.ويستذكر المراقبون هنا التجمعات الشعبية الأخيرة في ساحة الإرادة، وأعداد المشاركين سواء من الكتل النيابية أو القوى السياسية بالإضافة الى الحضور من المواطنين، وما كان يطرح فيها من مواقف تجاه الحكومة أو النواب القريبين منها، وخاصة في التجمع الأخير الذي لوح فيه بخيار مقاطعة الجلسات البرلمانية وارتفع فيه سقف الخطاب المعارض، وهو ما يصف الحالة التي وصلت اليها العلاقة بين نواب المعارضة والحكومة.أبعد مدىالحكومة قد تختار طريق المواجهة الى "أبعد مدى" متسلحة بأغلبيتها وحكم "الدستورية"، وفي المقابل فإن المعارضة مستمرة في التصعيد والنزول الى الشارع وحشده، وكل يراهن على نفسه الطويل وأدواته، ولعل أبلغ وصف للقادم من الأيام هو عنوان "الجريدة" الخميس الماضي... "أربعاء حاشد ومستقبل غامض".