المهمة الكبرى يوثق إعدام الأسرى ويكشف كيفية العثور على رفاتهم

نشر في 08-09-2011 | 00:01
آخر تحديث 08-09-2011 | 00:01
كتاب تاريخي لـ «الأدلة الجنائية»

لم تكن عملية العثور على رفات الاسرى الكويتيين الذين أعدمهم النظام العراقي الصدامي البائد، وإعادتها إلى تراب الوطن بالعمل الهين واليسير، بل كانت عملاً محفوفاً بالمخاطر، عرض حياة الفريق العامل في تلك المهمة الوطنية للخطر الشديد.

وثقت وزارة الداخلية، ممثلة في الإدارة العامة للأدلة الجنائية عملية البحث عن رفات الأسرى والمفقودين الكويتيين والمقيمين والمسجلين في سجلات اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى والمفقودين، البالغ عددهم 605 أسرى ومفقودين، في كتاب أطلقت عليه اسم "المهمة الكبرى" يشرح المهام التي قامت بها فرق البحث عن الرفات في الأراضي العراقية وفي المقابر الجماعية الموجودة بالكويت.

كتب مقدمة الكتاب، الذي يوثق مهام فرق البحث، مدير عام الإدارة العامة للأدلة الجنائية اللواء د. فهد الدوسري، الذي لخص العمل البطولي والإنساني لفرق هذه المهمة الكبرى.

وقال اللواء الدوسري في مقدمة الكتاب: "المهمة الكبرى لماذا؟ لأهميتها، فقد كانت قضية شعب كامل أنجاه الله تعالى من براثن غزو واحتلال كامل لكل أراضيه، استمر سبعة أشهر كاملة غير منقوصة، قضية دولة الكويت بأسرها... التي تحررت من براثن الغزو الغاشم في الفترة من الثاني من أغسطس 1990 حتى 26 من فبراير 1991".

واستدرك الدوسري "غير أن فرحة التحرير كانت منقوصة، إذ فوجئ أبناء الوطن بفقدان الأخ والأخت والأب والابن والجد والجدة والصديق والحبيب... (605) من أبناء الوطن ومن المقيمين على ارض هذا البلد الحبيب اختطفتهم يد الغدر والخيانة في فترة احتلال الكويت".

وتابع: "نعم لقد كانت مهمة كبرى شغلت قلب وفؤاد قادة دولة الكويت على جميع المستويات ابتداء من صاحب السمو الأمير وولي عهده الأمين وأعضاء الحكومة الموقرة إلى اللجان المتخصصة إلى أفراد الشعب الكويتي، الذين لم يقصروا تجاه معرفة مصير هؤلاء الأسري والمفقودين".

وأكد أنها "مهمة كبرى استدعت من الدولة أن تشكل لها لجنة وطنية خاصة تعنى بشؤون الأسرى والمفقودين، بذل مسؤولوها وعلى رأسهم المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ سالم صباح السالم الصباح رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى والمفقودين، كل ما في وسعهم في سبيل إنجاز هذه المهمة، وكان ذلك كله تحت رعاية حضرة صاحب السمو أمير البلاد آنذاك الشيخ جابر الأحمد الصباح، الذي حمل هذه الأمانة على عاتقه حتى لحظات وفاته رحمه الله تعالى عام 2006".

وأضاف: "كانت مهمة كبرى من حيث عدد الضحايا، فقد فقدت الكويت 605 من أبنائها الذين لم يعرف مصيرهم خلال عقد من الزمان ونيف، وكبرى من حيث المدة الزمنية التي استمرت في المطالبة بمعرفة مصير هؤلاء الأسرى والمفقودين، من عام 1991 وبعد التحرير حتى هذه الساعة ومازالت حتى التعرف على آخر أسير، وكبرى من خلال عرضها على المحافل الدولية في أرجاء الدنيا كلها".

دور بارز

وعن دور الإدارة العامة للأدلة الجنائية في هذه المهمة قال الدوسري: "لقد كان دورها بارزا ومهما وجاز لها أن تطلق عليه المهمة الكبرى و"عملية العودة للوطن"... فمنذ الأيام الأولى لعملية تحرير العراق وبعد زوال النظام العراقي السابق وحتى اليوم لا تزال الإدارة تقوم بدورها في البحث عن الأسرى والمفقودين، وقد استطاع الفريق التعرف على 236 اسيرا كويتيا، سلمت رفاتهم جميعاً إلى ذويهم وشيعت جنائزهم رسمياً".

وأضاف أنها كانت كبرى بالقياس إلى كبر مساحة مسرح الجريمة، "إذ شمل مناطق كثيرة في دولة الكويت من مقبرة الصليبخات إلى مقبرة الرقة ومنطقة جنوب السرة والعبدلي وصبحان والمطلاع" مبينا أن الإدارة انتقلت بفرق متخصصة إلى خارج حدود الكويت وعاينت مواقع متعددة، وتم رفع رفات وهياكل عظمية من عدة مواقع في العراق شملت مناطق في الزبير والبصرة والقرنة والناصرية والعمارة والسماوة وكربلاء وبغداد والرمادي ونينوى".

وبين أن هذه "المهمة تعدت خارطة الكويت والعراق واتجهت شرقا نحو اليابان وأقصى الغرب باتجاه أميركا الجنوبية باتجاه البرازيل، حيث ساهمت الإدارة العامة للادلة الجنائية في عملية التعرف على صحافي ياباني قتل في العراق وآخر برازيلي قتل هناك أيضاً". وقال إن "أعداد العاملين في هذه الفرق المتخصصة فاقت الـ 100 فني وعامل من مختلف التخصصات الطبية والكيميائية والبيولوجية، إضافة إلى فنيي التصوير الجنائي وخبراء فحص المستندات ومسارح الجريمة".

عمل فني

وذكر الدوسري أن هذه المهمة "حملت بين طيات عملها الفني معنى التحدي والإصرار بكل معنى الكلمة، وكان التحدي العلمي والفني فيها في بداية الأمر بالغ الصعوبة، إذ إن فحص الرفات واستخلاص الأنماط الجينية منه أصعب أنواع الفحوصات، وكان يمثل التحدي الأكبر لقسم الاستعراف بإدارة المختبرات آنذاك، إذ كيف يستطيع مختبر مبتدئ بفحص الـ DNA أن يقوم بهذا الفحص، الذي مازالت المختبرات المتخصصة في دول العالم المتقدم كبريطانيا والولايات المتحدة تعتبره من أكبر الفحوصات تحديا لها؟!".

ورأى أنه رغم هذا التحدي "فقد رأى الوكيل المساعد لقطاع الأمن الجنائي آنذاك اللواء غازي العمر أن تبدأ الإدارة بالفحص وتستخدم الأجهزة المتوفرة لديها مع الخبرات الوطنية الموجودة آنذاك التي لم يتجاوز عددها 15 متخصصا، على أن ترسل عينات من الرفات إلى مختبرات متخصصة في كل من أميركا وبريطانيا وأستراليا والهند، وذلك للتأكد من نتائج الفحص علما أن التكاليف المادية لهذه الفحوص في الخارج كانت تصل إلى 6000 دينار للرفات الواحد".

وبين أن "الإدارة قبلت التحدي، ثم بعد مرور أسبوع تقريبا بدأت النتائج في الظهور، ومن ثم انتظار نتائج المختبرات الخارجية على احر من الجمر، وبعد مرور عدة أسابيع وصلت النتائج من الخارج لتؤكد ما تم التوصل إليه في مختبر الاستعراف بالكويت لجميع العينات، ما يؤكد أن طريقة مختبرنا كانت مطابقة للمواصفات العالمية، وعليه اتخذ القرار بالاكتفاء بفحص العينات داخل البلاد".

وأكد أن "التحدي لم يقف عند هذا الحد، بل قام بعض الباحثين باستخدام تقنيات جديدة لم تستخدم من قبل، وذلك أنهم لاحظوا خلال عملهم وجود بعض الصعوبات في استخلاص وتكاثر الأنماط الوراثية DNA بسبب اختلاف التربة في أماكن دفن الرفات، والتي كانت تؤثر على ذلك بسبب نسبة الأملاح من مكان لآخر حسب المقابر الجماعية ومواقعها، كما أن د. محمد العنزي نال شهادة الدكتوراه عندما تقدم بنتائج بحثه العلمي المتعلق بهذا الموضوع على شكل دراسة اكاديمية في جامعة لانكستر بالمملكة المتحدة".

خبرات كويتية

ويخلص الدوسري إلى أن الخبرات الكويتية في هذا المجال سبقت مثيلاتها في المنطقة من حيث عدد الرفات وأنواع الفحوص التي قامت بها، وبذلك يتبين أنها كانت مهمة كبرى حتى على المستوى العلمي والتقني والفني.

وبذلك يتبين أنها "لم تكن مهمة كسائر المهام التي اعتدناها خلال سنوات عملنا في مجال معاينة الجرائم.. فقد اعتدنا أن نعاين جريمة قتل إنسان في شقة أو حديقة أو شارع، أما أن نعاين مقابر جماعية تحتوي على عشرات الجثث لأشخاص قتلوا غدرا وبدون أي ذنب ارتكبوه في صحراوات قاحلة تبعد مئات الكيلومترات عن المدن.. وتبعد آلاف الأميال عن منازل الضحايا، واستخدمت الجرافات في حفر تلك المقابر على أعماق تزيد على خمسة أمتار ومضى على دفن الضحايا فيها أكثر من 13 عاما، فتلك مهمة لم نشهدها قبل ذلك".

المهمات التي لم يعثر فيها على رفات

مهمة الزبير

انتقل فريق الأدلة الجنائية يومي 12، و2003/5/13 الى منطقة الزبير وتم حفر 50 حفرة ولم يتم العثور على أي رفات.

مهمة المطلاع

انتقل فريق الأدلة الجنائية يوم 2003/6/4 الى منطقة المطلاع وتم حفر المنطقة المبلغ عنها وما حولها ولم يتم العثور على أي رفات.

مهمة الكرخ

انتقل فريق الادلة الجنائية يوم 2003/6/21 الى منطقة الكرخ وتم حفر المنطقة المبلغ عنها وما حولها ولم يتم العثور على أي رفات.

مهمة القشعانية

انتقل فريق الأدلة الجنائية يوم 2003/9/25 الى منطقة القشعانية وتم نبش القبور ولم يعثر على اي رفات.

مهمة الناصرية

انتقل فرق الأدلة الجنائية الى منطقة صحراوية في منطقة تل اللحم جنوب مدينة الناصرية يوم 2004/5/2 وتم حفر 34 حفرة في خمسة مواقع متوسط اطوال الحفر 15 إلى 32 مترا وبعمق حوالي 1.30 متر حتى ظهور المياه في الحفر ولم يتم العثور على أي رفات وانتهى العمل في يوم 2004/5/9.

مهمة الناصرية الثانية

انتقل فريق الأدلة الجنائية الى منطقة صحراوية في منطقة تل اللحم جنوب مدينة الناصرية يوم 2010/12/18 وتم الحفر في ستة مواقع ولم نستطع حفر أحد هذه المواقع لظروف أمنية ولم نعثر على أي رفات وانتهى العمل يوم 2010/12/24.

العثور على رفات الأسرى والمفقودين

من خلال تضافر الجهود تم الانتهاء من المطابقة الفنية والاستعراف على 236 حالة من الأسرى والمفقودين الكويتيين، شملت 89 حالة انطباق بمدينة السماوة، 82 حالة انطباق بمدينة كربلاء، و27 حالة انطباق بمدينة الرمادي، و34 حالة انطباق في مدينة العمارة، و4 حالات انطباق في صبحان بالكويت.

المهمات التي عثر فيها على رفات ولم تتطابق مع الأسرى

مهمة الحبانية

تم الانتقال الى منطقة الحبانية التي تقع على بعد 90 كيلومترا تقريبا الى الغرب من بغداد وتم العمل بالموقع في الفترة من 18-2003/5/20 وعثر فيها على مجموعة من العظام ولم تتطابق السمات الوراثية في اي منها مع السمات الوراثية للاسرى والمفقودين.

مهمة مقبرة السكران

تم الانتقال الى مقبرة السكران في بغداد وتم العمل بالموقع في 2003/6/22 وعثر فيها على 3 رفات ولم تتطابق السمات الوراثية في اي منها مع السمات الوراثية للاسرى والمفقودين.

مهمة النجف

بتاريخ 2004/2/15م تم تسلم حقيبة من قبل فريق البحث على الأسرى وبداخلها 5 رفات ولم تتطابق السمات الوراثية في اي منها مع السمات الوراثية للاسرى والمفقودين.

هذا وقد تمت إعادة 43 رفاتا الى الجمهورية العراقية بعد أن تبين عدم تطابقها مع السمات الوراثية للاسرى والمفقودين.

back to top