من كتب رواية عالم صدّام حسين؟

نشر في 28-06-2011 | 00:01
آخر تحديث 28-06-2011 | 00:01
No Image Caption
لا يلبث السجال حول غياب الروايات العربية التي تصوِّر الديكتاتور العربي أن يخمد حتى يعود إلى الواجهة مجدداً. فيُحكى عن غياب الروايات التي تتطرّق إلى هكذا شخصيات بسبب الرقابة والقمع، إذ يلجأ الكتَّاب غالباً إلى فنون التورية أو إلى الحديث عن جوانب هامشيّة في حياة الطغاة العرب، مثل السجون والمنافي والمخابرات وما شابه، فيما يتجنّبون التطرّق إلى شخص الطاغية خوفاً من بطشه.

لعل «عالم صدام حسين» لمهدي حيدر (اسم مستعار) هي الرواية الوحيدة التي تناولت الديكتاتور بشكل مباشر.

محنة رواية «عالم صدام حسين» أنها كُتبت باسم مستعار ولا أحد يعرف صاحبها حتى الآن باستثناء الناشر خالد المعالي الذي يرفض الإفصاح عنه، مصراً على كتمان إسم المؤلف الحقيقي لأن عقداً قانونياً يمنعه من ذلك، ويقول إن الرواية بقلم «كاتب عربي مرموق».

الإسم المستعار، وإن كان أحيط بتساؤلات وتأويلات كثيرة، لكنه أثّر سلباً على حضور الرواية وجعلها في خانة «اللقيطة» إذا جاز التعبير، خصوصاً أننا في نسيج ثقافي عربي يحب «ثقافة التكريس» ويفضّل الأسماء الكبيرة على جوهر ما يقال، كأن للثقافة قادتها وطغاتها أيضاً، فلا ينشغل العاملون فيها إلا بما يقوله «زعماء» الثقافة، ويهملون كل شيء له ملمح ديمقراطي أو ثقافي حرّ كما يفعلون مع كتابات جديدة كثيرة، خصوصاً في سورية ولبنان ومصر.

وإذا كانت «عالم صدام حسين» أشبه باللقيطة، ولم يتم تناولها نقدياً بشكل جدّي ورصين ولم «يطبِّل» لصاحبها هواة الدجل والتبجيل والتبخير، إلا أننا علمنا في المقابل عبر بعض المصادر أن كتاباً عرباً كثراً يتمنون لو أنهم من كتب هذه الرواية، خصوصاً في هذه المرحلة بالذات مع موجة سقوط الطغاة واندحارهم. وبحسب معلومات لـ{الجريدة» قال الروائي المصري جمال الغيطاني في جلسة خاصة أنه يتمنى لو أنه هو كاتب هذه الرواية («عالم صدام حسين»)، مستنكراً ما يُشاع عن أن رواية صدام حسين مثل «زبيبة والملك» وغيرها.

وإذا كان الناقد الأردني فخري صالح لم يقرأ الرواية المذكورة لأسبابه الخاصة، فالشاعر اللبناني عباس بيضون قال عنها في مقالة له: «إذا تذكرنا «حفلة التيس» لماريو فارغاس يوماً و{خريف البطريرك» لغارسيا ماركيز و{السيد الرئيس» لفوانتس أمكننا أن نلاحظ أن الروايات الثلاث، وبينها اثنتان لحائزي نوبل وثالثة لكاتب لا يقل وزناً عنهما، هي روايات ديكتاتور، وإذا بحثنا عن مقابل لها في أدبنا فإننا لن نجد على رغم تسيُّسنا الذريع والوبائي روايات ديكتاتور كثيرة ولعلّنا إذا كنا متطلّبين لن نجد سوى واحدة هي «عالم صدام حسين»، الرواية التي تموّه اسم مؤلفها ولم يعد لها ثانية على رغــم أن الروايــة جزء أول وكان يؤمل بأن يليه ثانٍ».

تكهّنات

يشاع الآن أن مؤلف الرواية سيكتب الجزء الثاني منها في وقت صدرت الطبعة الرابعة من الجزء الأول، وما زال اسم كاتبها أشبه بحكاية، إذ تعدّدت التكهنات حوله ولم يصل أحد إلى نتيجة. قيل إن صاحبها هو اللبناني ربيع جابر الذي يخشى من المشاكل فاختار أن يكتبها باسم مستعار، لكن المصادر توضح أن جابر أبعد مَن يكون عن هذه الرواية خصوصاً أن مضمونها يدلّ على أن كاتبها يعرف بالواقع العراقي الداخلي. لكن هذه التوضيحات يمكن دحضها بسهولة، لا سيما أن جابر اشتهر بالتهام الكتب التاريخية تحديداً ومعظم رواياته عن شخصيات حقيقية يضفي عليها خياله وينفي عنها صفة الواقع حرصاً على ألا يلجأ الأبطال إلى القضاء، ولا عجب في أن يتخيّل كاتب من لبنان رواية تقترب من الواقع العراقي وطاغيته.

كذلك، أشيع أن العراقي صموئيل شمعون هو كاتب «عالم صدام حسين»، خصوصاً أنه ذكر في خاتمتها أنها كتبت من كتمندو (نيبال) 1992 ـ الى ليما ( بيرو) 2002، وهذا يتقاطع مع تجوّلات شمعون وسفراته الكثيرة. لكن المصادر تفيد بأن شمعون يحب النجومية ولا يفوّت فرصة لأن يكون مشهوراً من خلال هذه الرواية، ووضع أسماء في الخاتمة قد يكون مجرد إيهام فحسب. تحدّث البعض أيضاً عن أن الكاتب المجهول هو الروائي والشاعر فاضل العزاوي، وهذا بحسب النقاد احتمال بعيد تماماً لأن العزاوي لو كان قد كتبها فعلاً لأعلن ذلك بلا تردّد، فلا سبب يمنعه من ذلك، إضافة إلى أن المؤلف غير المعروف على دراية تفصيلية بوقائع حربية جرت خلال الحرب العراقية الإيرانية وهي تفاصيل بعيدة جداً عن تجربة العزاوي الخارج من العراق نهاية السبعينيات.

في سياق التأويلات أيضاً، استنتج الكاتب حمزة الحسن أن مؤلف هذه الرواية الحقيقي هو الروائي العراقي محمد شاكر السبع مؤلف رواية «المقطورة»، وهي أحد الأعمال الروائية العراقية المهمة الصادرة في القرن العشرين. ومن أعماله الروائية الأخرى: «النهر والرماد، المقبرة، الحقول البيضاء». لكن الناشر خالد المعالي ينفي هذا الاستنتاج، فيما تظهر تلميحات إلى العراقي فؤاد التكرلي والى عبد الرحمن منيف.

خيال موازٍ للواقع

«عالم صدام حسين»، بحسب ما جاء في المفتتح «ليست نصاً تاريخياً، بل هي عمل من نسج الخيال، يستغلّ الواقع لبناء عالم خيالي مواز للعالم الواقعي، يتطابق معه أحياناً ويختلف معه في أحيان أخرى، فتعطى شخصيات معروفة مصائر مختلفة عن الواقع التاريخي بحسب ما تقتضيه الحاجة الفنية. كذلك يحوي هذا الكتاب اقتباسات عربية وأجنبية من أعمال أدباء مؤرخين وصحافيين وسياسيين وشعراء». وهي تظهر تفاصيل مسار صدام المتعرّج والكابوسي، الرئيس الراحل الذي نشأ في قرية شويش البائسة (قرب تكريت) وحتى تحرير الكويت والهزيمة التي سماها «أم المعارك» أو «المنازلة الكبرى».

وليست رواية مهدي حيدر ببعيدة عن مناخات الروايات التي تتناول شخصية الديكتاتور في الأدب الأميركي اللاتيني، فالمؤلف يذهب إلى استنباط سيرة صدام الشخصية، مضفياً على بعض محطاتها التصوير الغرائبي، مثل وصفه جلد صدام بأنه مثل تمساح، وفي الوقت نفسه يبيّن الحقائق النفسية للحاكم العراقي، الذي يختلف عن أقرانه في أميركا اللاتينية، وتدلّ تفاصيل صدام حسين على مدى سياسة الاعتباط التي تنتجها الديكتاتوريات، وتظهر كيف أن الديكتاتور يملك السياسة فضلاً عن ملكيّته البلاد نفسها ومن عليها، في المعنى الحرفي لكلمة «ملكية».

ليست رواية «عالم صدام حسين» عن ديكتاتور فحسب، بل هي عن «عالم» الزمن (الثوري) العربي بعد الاستعمار، الزمن الذي يضجّ بالهزائم والانكسارات والحطامات والظواهر، وتوّجته الانقلابات المتكرّرة والتصفيات الدموية والمنافي الى الأقاصي، وليس صدام سوى الصورة المثلى للانقلابيين. «إنه الأسمى» الذي حارب على جميع الجبهات حتى حاربه العالم، ضاع وضيّع محيطه في النصف الثاني من القرن العشرين.

«عالم صدام حسين» هي حزء من سلسلة رواية، ربما ينبغي كتابتها راهناً عن سلسلة طغاة عرب يسقطون. وإذ كان بعض النقاد المصاب بالضحالة الفكرية يعتبر أن العالم العربي يفتقد إلى الروايات عن الطغاة، فهو في هذا الإطار كأنه لا يقرأ. إذ ثمة روايات تبيّن ملامح من الواقع الطغياني في العالم العربي وتبدو أشد زخماً وقوة من رواية تتناول شخصية الطاغية بشكل مباشر، وربما علينا أن نعود في المجال إلى رواية «إذا الأيام أغسقت» لحياة شرارة أو رواية «السجينة» لمليكة أوفقير و{الزعيم يحلق شعره» لإدريس علي...

back to top