وهلأ لوين؟... نادين لبكي وسينما البهجة

نشر في 23-12-2011
آخر تحديث 23-12-2011 | 00:01
 محمد بدر الدين برزت موهبة نادين لبكي في وقت مبكر، من خلال إخراج الكليبات قبل أن تتجه إلى إخراج الأفلام الروائية الطويلة مع فيلمها الأول «سكر بنات» الذي أظهرت فيه موهبتها، وها هي في فيلمها الثاني «هلأ لوين» تؤكد أصالة هذه الموهبة وتميزها.

سينما نادين هي سينما البهجة والجمال المتدفق في الصورة والإيقاع، في المونتاج والديكور والموسيقى، حتى في المشاهد التي تقطر ألماً. إنها البهجة والجمال اللذان لا يبرحان.

تبدو أصالة نادين في انتمائها إلى واقعها، إنها سينمائية بارة بلبنان، والسينما التي تقدمها سينما بارة بلبنان، جزء لا يتجزأ من روحه وعشق أبنائه للحياة، وتطلعهم الدائم إلى مستقبل مشرق.

وبقدر ما ينخرط «وهلأ لوين؟» (إلى أين؟) في الواقع وتفاصيله، بقدر ما يحلّق بخيال طليق فانتازي في روحه وأسلوبه. يعبر عن الحياة في لبنان من خلال  تصوير واقع إحدى قراه وسكانها بكل ما لهم وما عليهم. كذلك يقدم تحية إلى المرأة اللبنانية، ففي حين نرى رجالاً يتعاركون، تبدو النساء قادرات على رأب الصدع ولمّ الشمل.

يبدأ الفيلم بمسيرة نساء متشحات بالسواد، مسيحيّات في واد ومسلمات في واد ـ أو ناحية من المقابر ـ يلتقين في النهاية، في وداع أحد أبناء القرية المحبوبين الذي يعتبر ابن الجميع، من دون النظر إلى انتماء أو إلى دين.

لعل في هذا المشهد إجابة نادين عن سؤال الفيلم وعنوانه «وهلا لوين؟» لبنان والبشر إلى أين؟!

تبدو ريشة لبكي الساحرة في رسم لوحات الفيلم المشرقة، الحميمة، التي ترافقها  موسيقى عذبة، أو مؤثرات صوتية لصخب أطفال يلعبون، أو ديوك تصيح، ويزداد الفيلم امتاعاً بما نراه فيه من استعراض وغناء، ومن منا لا يستمتع باستعراض النساء الأخاذ، وهن يشتركن في صنع فطائر للرجال، وبالأغنية المرافقة «حشيشة قلبي»، إحدى ذرى البهجة في الفيلم، والحيوية الدافقة التي تشمله، وروح المرح التي تعم!

ولأنها نادين لبكي، فهي تقدم بجسارة، نساء مسلمات يتظاهرن بأنهن صرن مسيحيات، ومسيحيات يتظاهرن بأنهن أصبحن مسلمات، في إطار من البهجة والحيوية والمرح، لكن بعمق ورؤية فلسفية ومجتمعية تؤكد الجوهر المشترك للإنسان، وإمكان الحياة السعيدة المشتركة.

الحقّ أن الحميمية والدفء الإنساني يشعان في مفردات الفيلم وروحه وتفاصيله، من البيوت وطابعها، البشر وطبائعهم، ابتهاج الضيعة بدخول جهاز تلفزيون إليها... لكن ثمة رجال ضاق أفقهم، يريدون، بحمقهم، أن يفسدوا الحياة، فنرى غلياناً طائفياً يتصاعد، لكن لأنه لبنان وجوهر إنسانه، وروحه العذبة التي تجسدها هذه المرأة اللبنانية برحابتها، لا يلبث أن يتغلب الجميع على ضيق الأفق والحمق والغليان المتصاعد.

كما في فيلمها الأول «سكر بنات» تحرص المخرجة على أسلوبية أداء تمثيلي، سلة واقعية أقرب إلى الأداء التلقائي المتقن الذي تصدقه، كأن المؤدين لا يمثلون. كما في فيلمها الأول أيضاً تتأمل المخرجة في حياة المرأة وتسبر أغوارها، لكن من دون اعتبار ذلك اعتداداً بالمرأة، ومن دون أن تدخل في نوعية السينما «النسوية» الضيقة النظرة والأبعاد، إنما تقدم النساء برحابة رؤية، وبالانتباه إليهن ضمن الالتفات إلى جوهر الحياة.

تهتم لكن لا تغالي، لذلك سينما نادين، من زاوية الاهتمام بالمرأة، ليست كما نرى لدى غيرها، سينما عرجاء أو خرقاء لا تنفذ ولا ترى، لا تتجاوز أو تبالغ، بل تلقي أضواء كاشفة، بموهبة عميقة، ورؤية مدققة.

قبل أن تخرج نادين لبكي أول فيلم روائي طويل لها، كنت، كلما أتابع كليب أغنية لها، أقول: «هذه روح وطاقة مخرجة سينمائية متميزة، أرجو أن نرى لها يوماً أفلاماً روائية». لذلك سعادتنا حقيقية بما قدمت حتى الآن، وترقبنا حقيقي أيضاً لما ستقدم من مزيد في سينما البهجة... وهذا العالم الإنساني الخاص، الجميل والحميم».

back to top