تكاد تضيء وأدمغتي المليون وسامبدروم روايات فائزة بجائزة الرواية العربيَّة ... في حلَّة جديدة
بعد فوزها في مسابقة الرواية العربية التي نظمتها مؤسسة «ديوان العرب» العام الماضي، أصدرت مؤسسة «شمس للنشر والإعلام» في القاهرة، بالتعاون مع «ديوان العرب»، الروايات الفائزة بالمراكز الثلاثة الأولى وهي: «تكاد تضيء» للكاتبة الفلسطينية المقيمة في الإمارات سامية عياش الفائزة بالمرتبة الأولى، «أدمغتي المليون» للكاتبة الفلسطينية إسراء عبد الهادي عيسى من سكان مدينة نابلس الفائزة بالمرتبة الثانية، و«سامبدروم» للكاتبة المصرية هالة عبد الرؤوف الفائزة بالجائزة الثالثة.قدم الناقد الأدبي الدكتور إبراهيم سعد الدين الروايات الفائزة، مشيراً إلى «أن رواية «تكاد تضيء» تستحق الجائزة الأولى، إذ رأى المحكمون – بإجماع الآراء وعبر مراحل التحكيم المختلفة - أنها مغامرة إبداعية مُميزة، على صعيدي الشكل والمضمون، ما يؤهلها لتتصدر واجهة المشهد».
أضاف سعد الدين: «في الرواية موهبة لامعة تتسم بالنضج والثراء وامتلاك كامل لأدوات الكتابة، من حيث البناء الدرامي وتقنية القص وأسلوب السرد ولغة الحَكي، وفيها وعي للتجربة الحياتية والروائية في آن، وحساسية مدهشة في توظيف عناصر التجربة في نسيج النص بتآلف وتناغم وانسجام. منذ الإطلالة الأولى، تشعر بأنك إزاءِ عمل روائي شديد الإحكام، يأخذك - عبر سيل من الذكريات والتداعيات- إلى عالمه رويداً، مازجاً الماضي بالحاضر، الثابت بالمتغير، الآني بالآتي، الذاتي بالعام، في سبيكة ما أجملها وما أنفس معدنها وأصفى جوهرها».تابع سعد الدين مقدماً «تكاد تضيء»: «الجرح الفلسطيني هو لحمة وسداة هذه التجربة الروائية، يختلط فيه كابوس الاحتلال وجرائمه المشينة بالسجن الوحشي والقهر اليومي والتجريد من الهوية والافتئات على الحقيقة والتاريخ، وتمتزج فيه عذابات الشتات والاغتراب والبحث عن الوطن الضائع والتراث المطمور وذكريات الطفولة والصبا النابضة في شرايين الذاكرة، لكن، وهذه سمة أخرى من سمات التميز، على رغم هذا النزف الدائم والارتحال اللاهث عبر الزمان والمكان والفقد المتواتر لكل ما هو عزيز وأثير والتشوه الذي يحدثه واقع الاحتلال في النفس والروح والوجدان، ثمة لمسة سحرية تجذبك إلى الانغماس في هذه التجربة، والالتحام بدقائقها وتفاصيلها، واستشعار المتعة في التنقل عبر وقائعها وأحداثها. إنه سر الفن وجوهر الإبداع الأصيل، الذي يجعلنا نستعذب معايشة الألم بدأب وإصرار على بلوغ الذروة، فشارب الغبطة المعتدل - كما تقول الشاعرة الأميركية الشهيرة إميلي ديكنسون - لا يستحق الينبوع». بالنسبة إلى الرواية الثانية «أدمغتي المليون» ذكر سعد الدين: «ثمة أعمال إبداعية لا تحتاج تقديماً، لأنها تقدّم نفسها إلى القارئ من دون عناء، عند القراءة الأولى لعملٍ من هذه الأعمال تأخذك الأحداث والشَّخصيّات في دوّامة سحر لا تستطيعُ منه فكاكاً، وتُحسُّ بذوبانك في هذه البوتقة الجميلة وانصهارك في تفاعلاتها وتوحُّدك بعناصرها حتى تصبح جزءاً لا يتجزّأ من نسيج هذا الإبداع. هذا ما أحسسته يقيناً وأنا أطالعُ هذه الرواية، على رغم كُلّ ما فيها من وجَع نابض ولهيب مُحْرق وأسىً عميق، ذلك أنّ جلالَ مضمونها وجمالَ صياغتها وعبق الخيال وسلاسة اللغة وانسيابِ السَّرْدِ كمسرى النُّسْغ في قلب النبات الحَيّ، يُضْفي على الأحداثِ دفئاً آسراً وألفةً حميمة وتشويقاً يَجعلنا نستعذبُ الألمَ ونحتملُ النَّزْفَ في إصْرارٍ على بلوغِ ذروة النَّشْوة مع انتهاء صَفحاتها.هي رحلةٌ إبداعية تصحبنا فيها إسراء عيسى في غور الجرح الفلسطينيّ الفاغر فاه بامتدادِ كل شبر على أرض فلسطين، يتوحّد مع نبضه - سواء بسواء - فلسطينيّو الأرض المحتلة أينما وحيثما كانوا؛ في الضفة وغزة والشتات وكل أرضٍ مُستباحةٍ للعربدة الصهيونيّة. ويمتزجُ فيه القهر الاجتماعي الذي يعيش في ظلّه المواطن الفلسطينيّ – خصوصاً المرأة - بقهر الاحتلال الغاشم وجرائمه الموصومة بعار التاريخ ولعنة الإنسانيّة. رحلة لها مذاق خاص ونكهة مميزة تجمع بين دَهشة الإفاقة من الحلم وبكارة الرؤيا وبراءة الخلق الأول»...أما الرواية الثالثة «سامبدروم»، فقال الدكتور إبراهيم سعد الدين عنها: «عنوانها يثير - بالتأكيد- دهشتك وفضولك، لكن تريَّث قليلاً، فما يستثيرُ الدهشة في هذه الرواية كثيرٌ، وما يحفِّزُك على الانتهاء من قراءتها وفضّ مغاليقها أكثر».أضاف سعد الدين: «سيلْفتُ انتباهَكَ، منذ البداية، ذلك التَّرْقيم لفقراتها الذي يبدأ من حيث يَنبغي أن تَنْتهي أحداث الرواية، بحيث يَتبادَرُ إلى ذِهْن القارئ الكريم أنه رُبَّما كانَ هُناك خطأ طِباعيٌّ في التَّرْقيمْ. لكنّي أدعوكَ هُنا أيْضاً إلى التَّمَهُّلِ في الحُكْم، فلا خطأ هنا ولا سَهْوَ ولا نِسْيان، وإنَّما هي طبيعةُ البناءِ الدِّرامي لهذه الرّواية، التي راقَ لكاتبتها أن تَسْتَهِلَّ الحِكايَةَ فيها من آخرها. ولِمَ لا..؟! لماذا نُبْقي على القوالِبِ الجامدة في الكتابة الأدبيّة بحيثُ نُرَتِّبُ الأحْداثَ وفْقَ تَسَلْسُلِها المَنْطقيّ ما دامت الحياة ذاتها بأحداثها ومُلابساتها تَفْتقرُ أحياناً إلى المنطق المُتعارَفِ عليْه..؟! ألَيْسَ للنَّصِّ الإبْداعيِّ منطقُه الخاصّ، تَماماً مثلما لِكُلِّ كائنٍ حَيّ هويَّةٌ وتاريخٌ وسماتٌ وعلاماتٌ فارقَة..؟! المُهِمّ أن يَتَّسقَ الشَّكْلُ مع المَضْمون، والبِنْيَةُ مع الدّلالةِ والمَعْنَى، وهما هُنا مُتَّسِقان ومُتناغِمان تَماماً. لكنها ليسَت السِّمةَ الوحيدة التي تُمَيِّزُ هذا العمل الرّوائي، فَثَمَّة الكثير من ملامح التَّميّزِ التي تَسْتوقفُك مُبَكِّراً عند قراءتك للرّواية، لَعَلَّ من بينها عُنْصُر التَّشْويق الذي يَتَّسمُ به أسْلوب السَّرْد، فالأحداثُ تمضي في نَبضاتٍ مُتسارِعةٍ كخفقاتِ القَلْبِ الواجِفْ، وتتلاحقُ كأنفاسٍ مبهورَة تتَعَجَّلُ الوصولَ إلى الذِّرْوَة وبلوغَ آخرِ الشَّوْط. من بين هذه الخصائص أيضاً تلك العناية الفائقة بالتفاصيل الصَّغيرة والدَّقائق المُتناهية الصِّغَر والتي تُشَكّلُ - من حيث لا نَشْعر - الجَوَّ العام للرّواية، والحضور المُكثَّف للمَكانِ والزَّمانِ في كُلِّ تفصيلةٍ وواقِعَةٍ ومَشْهَدٍ وحَدث».تابع سعد الدين: «من فضائلِ هذه الرواية - أخيراً وليس بآخر- تلك المقدرة على التَّعامل مع مفردات الحياة اليومية وإحالتها إلى مادةٍ للفنِّ بالغة الخصْب والثَّراء، بحيث يتحول العاديُّ والمألوفُ إلى جوهرٍ لامعٍ ومُتوهِّج في سياقِ هذا الإبداع. هناك الكثير الذي يمكن أن يُقال في تعدادِ الملامح المُميِّزة لهذا العمل الروائي، لكني أخْشَى الإطالَة، والأهم من ذلك أنني لا أريد أن أصادرَ على حَدْسِ القارئ وخياله ولذَّة المغامرة ومتْعة الكشْفِ عن مكنون هذا العمل واستجلاء أسرارِه وتفسير رموزه، فالقارئ ليسَ متلقِّياً سلبيّاً وإنَّما هو شريك فاعل في أيّ إبداع أدبي وفني، وهو طرف أصيل في عمليّة الخلق. بذلك يتحقَّق للعمل الأدبيّ أو الفنِّي وجود جديد وحياة أخرى وبعث متجدد مع كل قراءة ومع كل قارئ له».