رحلة في أدغال إفريقيا

نشر في 11-08-2011
آخر تحديث 11-08-2011 | 22:01
ما أعظم هذا الدين الذي بدأ من وسط الجزيرة العربية من رجل ثم رجل وامرأة وطفل، وغدا الآن ينشر ظله من أدغال إفريقيا إلى غابات الأمازون، ومن جبال الهملايا إلى مرتفعات الأنديز ومن بحر العرب إلى المحيط الأطلسي.
 يوسف عبدالله العنيزي في بداية عام 1990 صدر مرسوم أميري كريم من سمو أمير دولة الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح- طيب الله ثراه- بتعييني سفيرا غير مقيم لدى جمهورية النيجر محالا من الجزائر الشقيقة، وبناء على هذا التكليف الكريم فقد شددت الرحال إلى ذلك البلد الصديق، ولقد كانت رحلة متعبة وشاقة من الجزائر إلى مدينة نيامي عاصمة النيجر.

بعد تقديمي أوراق اعتمادي للجنرال علي دوبو رئيس جمهورية النيجر السابق، سألني نائب مدير المراسم علي أهمادو إن كان لدي رغبة في زيارة أماكن معينة في بلاده، ولقد وجدتها فرصة فرددت عليه بسرعة برغبتي في زيارة أدغال إفريقيا التي لم يحدث فيها الإنسان أي تعديل.

وبناء على ذلك فقد وجدت عند باب الفندق في اليوم التالي سيارة جيب مع السائق وأحد المرشدين، فركبنا السيارة التي بدأت تنهب الطريق الرملي الوعر في رحلة تعد من أمتع اللحظات التي يمكن أن يعيشها الإنسان.

في الطريق رأيت أحد السكان الأصليين لتلك الأدغال، وقد وقف على ربوة مرتفعة بعض الشيء، وبدأ يؤذن لصلاة الظهر، وفي تلك اللحظات من الخشوع جال في خاطري مؤذن رسول الله سيدنا بلال- رضي الله عنه- ببشرته السوداء وقلبه الأبيض المملوء بحب الله ورسوله.

طلبت من السائق التوقف وتقدمنا من الجمع الذي يتكون من رجال ونساء وأطفال لا يستر أجسادهم إلا القليل من الملابس، بعد الصلاة تحدثت مع المؤذن الذي أمّ الصلاة، حيث أفاد بأنه درس اللغة العربية وقليلا من القرآن الكريم في المدينة المنورة على نفقة إحدى المؤسسات الخيرية الكويتية، عند الاستفسار منه عما إذا كان أحد المصلين يتكلم اللغة العربية أو يحفظ شيئا من القرآن فأفاد بالنفي، وبعضهم يعرف الشهادتين وعبارة الله أكبر.

ما أعظم هذا الدين الذي بدأ من وسط الجزيرة العربية من رجل ثم رجل وامرأة وطفل، وغدا الآن ينشر ظله من أدغال إفريقيا إلى غابات الأمازون، ومن جبال الهملايا إلى مرتفعات الأنديز ومن بحر العرب إلى المحيط الأطلسي. نظرت إلى الجمع وقد بدا البؤس مرسوما على جباههم، وتمنيت لو كان بإمكاني نقلهم إلى أحد البلاد الإسلامية لكسوتهم وتعليمهم وعلاجهم، والانتقال بهم من حياة الفطرة إلى حياة الحضارة، ولكن سرعان ما اصطدمت هذه الفكرة بعراقيل لا حصر لها، مثلا ماذا سنكسوهم؟ قفطان، جبة، دشداشة قصيرة، عمامة، بدلة بربطة عنق أو بدونها، والنساء حجاب، نقاب، عباءة، شادر، فستان، بنطلون... إلخ.

ثم قفزت إلى التعليم على أي مذهب سيدرسون أصول دينهم: السني، الشيعي، الوهابي، السلفي، الإخواني، الزيدي، الإسماعيلي، المالكي، الحنبلي... إلخ. ولائحة لا تنتهي من المذاهب والملل والنحل... أعدت النظر إليهم وقد حمل كل منهم على ظهره متاعه الذي هو كل ما يملك في هذه الحياة، وقلت في نفسي دعهم يعيشوا على الفطرة التي عاشوا عليها حتى يلاقوا ربهم وقلوبهم ناصعة صافية لم تلوثها الأفكار، ولم تعبث بها الحضارة.

back to top