عبد الله خلف يرصد مئة عام من التعليم في الكويت
يوثّق الأديب عبد الله خلف لرحلة التعليم النظامي في الكويت الممتدة على 100 عام، مسجلاً مراحل التطوّر التي طرأت على هذا المجال، ومستذكراً المساهمين في هذه النهضة.أصدر الأديب عبد الله خلف كتاباً جديداً بعنوان «مئة عام من تاريخ التعليم النظامي في الكويت»، ويتضمّن 10 فصول ترصد مراحل تطوّر التربية والتعليم في الكويت.
يرى المؤلف ضرورة تنظيم فاعليات تربوية متنوعة تزامناً مع هذه الذكرى، إذ لم يتوقّع تجاهل المؤسسة التربوية مناسبة مرور مئة عام على بدء مسيرة التعليم النظامي في الكويت، مستغرباً عدم تنظيم فاعليات احتفاء بمرحلة مهمّة من النهضة التعليمية، ويقول: «توقعت أن تكون لنهاية هذا العام اهتمامات في إحياء ذكرى مرور مئة عام على مسيرة التعليم النظامي... ولما لم أجد أي صدى لهذه الذكرى قررت أن أضع هذا الكتاب التذكاري، وكان لا بد من أن أستعرض الكتب التي وضعت في تاريخ التعليم في دولة الكويت واستعنت أولاً بكتاب «تاريخ التعليم في دولة الكويت» الذي جاء في ستة مجلدات وكتاب «تاريخ التعليم في الكويت والخليج» للمؤلف صالح شهاب وكتب أخرى ورد ذكرها في الكتاب».ويشكر خلف رئيس «مركز البحوث والدراسات الكويتية» د. عبد الله يوسف الغنيم لرعايته الإصدار، مركزاً على توثيق ما كتب عن التراث الوطني وتاريخ البلاد الاجتماعي.بدوره، يصف د. عبد الله الغنيم الإصدار بأنه يقدّم تاريخاً تربوياً لبداية التعليم النظامي في الكويت ومسيرته التي بدأت منذ مئة عام، إذ تداعى رجالات الكويت إلى ذلك عام 1911 عندما أحسّوا بالحاجة إلى أهمية العناية ببعض علوم الحياة المعاصرة آنذاك، فضلاً عن مزيد من العناية بالقراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم وقليل من الأحاديث النبوية.المدرسة النظاميّة الأولىيؤكّد خلف في مقدّمة كتابه أن مدرسة المباركية - المدرسة النظامية الأولى في الكويت- جاءت ثمرة لجمع التبرّعات من أهل الخير، وشُكِّلت الهيئة التعليمية لها في عام 1911، سارداً تفاصيل بناء أول مدرسة نظامية في الكويت: «جمعت التبرعات لإنشاء أول مدرسة نظامية في الكويت وافتتحت المدرسة المباركية عام 1911 - 1912 وقد نشأ الشعب الكويت منذ أزمنة سابقة على أعمال الخير في بناء المدارس ودور العبادة وتقديم العون للمعوزين وذوي الحاجة، وأعمال خير كثيرة كانت تُجرى بالسر مراعاة لشعور المتعفّفين».إنشاء مدرسة المباركية كان نقطة تحوّل بين التعليم البدائي والتعليم النظامي في الكويت، إذ كان يعتمد الأول على الكتاتيب التي يشرف فيها «المطوع» على تدريس الطلاب القرآن الكريم وبعض مبادئ الحساب، بينما جاء الشكل الجديد مرتكزاً على أسس ومعايير مختلفة.تعليم البناتعن تعليم الفتيات في تلك الفترة، يشير خلف إلى أن «مجلس المعارف» آنذاك كلّف أحمد شهاب الدين بالتعاقد مع مدرّستين في عام 1936 لتكونا ضمن هيئة التدريس. كذلك، يقدّم المؤلف شرحاً لاستقطاب المعلّمات على رغم معارضة بعض رجال الدين لتدريس الفتيات ضمن مدارس نظامية.إلى ذلك يؤكد أيضاً اتساع نطاق مدارس البنين آنذاك، إذ افتتحت مدارس جديدة وهي مدرسة الأحمدية (1921) والمدرسة القبلية (1935) والمدرسة الشرقية (1938)، ويقول ضمن هذا السياق: «هكذا اتسع نطاق التعليم النظامي حتى شمل كل أحياء العاصمة، ثم مدارس الفحيحيل والجهراء وباقي الضواحي وتقلّصت الكتاتيب حتى انتهى وجودها. وبعد اكتمال الخدمات الدراسية صدّرت البلاد الخدمة التعليمية إلى بعض دول الخليج العربي، وذهبت البعثات للدراسة في بغداد والقاهرة وبيروت ودمشق ودول أوروبية وأميركا». مراحل متنوّعةيرصد المؤلف مراحل تطوّر التعليم في الكويت في 10 فصول، وأبرزها: «المحسنون الذين دعموا التعليم النظامي، الطلبة المبعوثون إلى بغداد، الطلبة المبعوثون إلى القاهرة، رواد التعليم النظامي في الكويت، رواد التعليم في المدارس الأهلية، تطوّر المدارس الأهلية، أعضاء مجلس المعارف في عام 1936، البعثة التعليمية من دولة فلسطين»... وغيرها من فصول متعلّقة بالجانب التربوي والتعليمي في الكويت.إضاءاتيسلّط المؤلّف الضوء على نقاط محدّدة في كتابه تبيِّن دور الشخصيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في تطوّر التعليم، مركزاً على أول مُدرّسة كويتية وتدعى مريم عبد الملك الصالح التي تتلمذت على يد «المطوعة» زهرة بنت السيد عمر متقنة الكتابة والحساب، وعقب افتتاح مدرسة الوسطى اختيرت لتكون ضمن أعضاء هيئة التدريس.إلى ذلك، يستعرض المؤلف رواد التعليم النظامي في الكويت، وهم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي وهو أحد علماء الكويت الذين تركوا بصمة في التعليم لإيمانه بأهميته، إذ كرّس جهده في البحث عن إمكان إنشاء مدارس يستطيع بها أبناء الكويت أن ينهلوا من معين العلم والمعرفة.كذلك، عمر الأزميري الذي امتهن التدريس لمدة أكثر من 30 عاماً في مدرسة المباركية، وعُرف بصوته الجميل في تلاوة القرآن الكريم، والشيخ عبد العزيز الرشيد الذي له مساهمات كبيرة في مجال التعليم، إذ اقترح إنشاء المدرسة الأحمدية وإدخال بعض الجغرافيا والتاريخ واللغة الإنكليزية إلى مواد التدريس، وكانت له إسهامات أخرى في الأدب. إحدى الشخصيات الأخرى، عبد الملك الصالح المبيض الذي عمل مدرساً للغة الإنكليزية إلى جانب مهامه الأخرى في مجلس المعارف، وعُرف بإخلاصه في العمل وتفانيه. شارك أيضاً مع زميله عبد العزيز الرشيد في إنشاء مدرسة خاصة. أضف إلى هؤلاء الشاعر خالد محمد الفرج الملقّب بشاعر الخليج والشيخ عبد المحسن البابطين.معايير مختلفةفي ما يتعلّق بتطوّر التعليم، يحدّد خلف أن التعليم الحديث بخططه ومناهجه بدأ في عام 1936 عقب تشكيل أول مجلس للمعارف، إذ أوصى المجلس باستقدام المدرّسين من البلاد العربية، ويؤكد ضمن هذا السياق: «منذ ذلك الحين أخذ التعليم يخطو خطوات سريعة نحو التوسع، كما بدا في إرسال البعثات والتوسع في استقدام المدرّسين من فلسطين ومصر، وعقب استخراج البترول شهد التعليم تطورا كبيراً متخذاً شكلاً منهجياً ومخططاً وتعاقبت البعثات التعليمية من البلاد العربية للإشراف على النواحي العلمية والفنية رغبة في مواكبة تطور التعليم».يُذكر أن الكتاب يتضمّن مجموعة إحصاءات وجداول توضح تطوّر التعليم في الكويت، تتخلّلها صور نادرة لشخصيات ساهمت في حركة التنوير في الكويت.