وجهة نظر: جرعة سياسية زائدة في معالجة معضلة اليورو

نشر في 11-12-2011
آخر تحديث 11-12-2011 | 00:01
No Image Caption
 د. عباس المجرن للمرة الرابعة هذا العام، اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي يومي الثامن والتاسع من شهر ديسمبر الجاري للبحث عن مخرج من أزمة الديون الأوروبية التي أضعفت الثقة بمستقبل اليورو. اجتماعهم هذه المرة كان في بروكسل عاصمة ومقر المؤسسات الاتحادية، وعاصمة بلجيكا التي باتت هي ذاتها ضمن دائرة المتاعب حيث كانت مؤسسة التصنيفات الدولية "ستاندرد آند بورز" قد خفضت في الخامس والعشرين من نوفمبر الفائت تصنيفها الائتماني من AA+ الى AA.

التناغم المالي

لقد أعاد الاتفاق الجديد الذي توصلت إليه القمة الأوروبية قاطرة منطقة اليورو بالتحديد إلى مكانها الصحيح، إذ قبل قادة أوروبا متأخرين، وبعد خسائر فادحة، واحدة من بدهيات الاقتصاد تتعلق بأولويات قيام الاتحادات النقدية، التي تنص على ضرورة تحقيق التناغم المالي بين اقتصادات منطقة الاتحاد قبل اطلاق العملة الموحدة. وهذه قاعدة لم تكن بالطبع غائبة عن قادة أوروبا وجلهم محاط بعدد من المستشارين الاقتصاديين المرموقين، ولكن تجاوزها كان بدافع رغبة عدد من أولئك القادة في تحقيق مكاسب عاجلة تصب في مصلحتهم أو مصلحة الأحزاب التي ينتمون إليها عندما تحين مواعيد الاقتراع أو الانتخاب.

الجرعة السياسية

وإذا كان معنى ذلك أن الجرعة السياسية في قرار إطلاق العملة الأوروبية كانت أكبر من الجرعة الاقتصادية، فإن الحلول المطروحة في الوقت الحاضر للخروج من أزمة الديون الأوروبية ومن ورائها أزمة منطقة اليورو لا تخلو من جرعات سياسية زائدة. فقادة القاطرة الأوروبية، وأعني بالتحديد ألمانيا، ومن بعدها فرنسا يشعرون بقدر كبير من الحرج أمام ناخبيهم قبل شعورهم بالحرج أمام أصحاب رؤوس الأموال أو المستثمرين أوالشركات، وهم يرون الوقت يمر والقمة تتلوها القمة دون أن يتمكنوا من تحقيق تقدم يذكر على صعيد معالجة الأزمة. إن هذا البعد السياسي، أي تفكير قادة ألمانيا وفرنسا بأصوات الناخبين يلعب دوراً أساسياً في إصرار ألمانيا وفرنسا وجهودهما الحثيثة لمعالجة هذه الأزمة الائتمانية الحادة.

المرحلة التالية

ولاشك أن التصدي لهذه الأزمة لا يقتصر على البعد السياسي بالنسبة إلى ألمانيا وفرنسا، ففي هذا التصدي والنجاح في ردع تداعياتها فوائد وعوائد اقتصادية جمة، فألمانيا التي تملك أقوى اقتصادات أوروبا وأكثرها ديناميكية وتفوقاً على الإطلاق تحقق منافع كبيرة من سوق منطقة اليورو، بينما يرتبط استقرار الاقتصاد الفرنسي إلى حد كبير باستقرار اقتصادات البلدان الأوروبية الأخرى.

إن انكشاف المصارف الفرنسية على الديون الإيطالية واحتمال خفض التصنيف الائتماني لفرنسا ذاتها، وهي إحدى الدول الأوروبية الست الحائزة تصنيف AAA، وهو تصنيف اقترب موعد خضوعه للمراجعة الدورية في شهر يناير المقبل من جانب مؤسسة التصنيفات الدولية "موديز" يؤرق القيادة الفرنسية، وقد يدفعها إلى تقديم تنازلات لألمانيا في تنافسهما التاريخي على قيادة قاطرة منطقة اليورو، وهي تنازلات قد لا ترغب ألمانيا في اتساع أفقها، لأنها من جانب آخر لا ترغب في التفرد في قيادة تلك القاطرة، وقد تشكل التنازلات الفرنسية عناوين المرحلة التالية من مراحل الأزمة المالية – النقدية الأوروبية.

* أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت

back to top