علماء تحت راية الإسلام: البوزجاني... علماء أوروبا تسابقوا إلى سرقة أبحاثه
من بين كوكبة علمية تزخر بها الحضارة الإسلامية، يعد البوزجاني واحداً من شموس تلك الحضارة، فمجهوداته العلمية تجعله واحداً من أكبر علماء الرياضيات والفلك في التاريخ، وأبحاثه واكتشافاته تؤهله لمكانة مرموقة في تاريخ العلوم على مستوى العالم، ولاشك أن نبوغ البوزجاني جعل علماء أوروبا يتسابقون إلى سرقة أبحاثه ونسبتها إلى أنفسهم. فقد كان أحد أبرع علماء المسلمين الذين كان لبحوثهم ومؤلفاتهم الأثر الكبير في تقدم العلوم، ولاسيما الفلك، والمثلثات، وأصول الرسم، كما كان من الذين مهدوا السبيل لإيجاد الهندسة التحليلية، بوضعه حلولا هندسية لبعض المعادلات، والأعمال الجبرية العالية.ولد أبو الوفاء محمد بن محمد بن يحيى بن إسماعيل البوزجاني في قرية بوزجان بالقرب من نيسابور سنة 328هـ/930م، وتُوفي في سنة 388هـ/998م، ما كاد البوزجاني يبلغ العشرين من عمره حتى انتقل إلى بغداد حيث بدأ مشواره العلمي بشرح إقليدس وديوفنطس والخوارزمي. نبغ البوزجاني في علوم الرياضيات والفلك وحساب المثلثات والهندسة أساسا، ويعد إسهامه في مجال حساب المثلثات فاصلا في تاريخ هذا العلم. ويعترف المستشرقون بأن الخدمات التي قدمها البوزجاني لعلم المثلثات لا يمكن أن يجادل فيها، فبفضله أصبح هذا العلم أكثر بساطة ووضوحاً، فقد استعمل القاطع وقاطع التمام، وأوجد طريقة جديدة لحساب الجيب، كما أنه أول من أثبت القانون العام للجيوب في المثلثات الكروية، أما في الهندسة، فقد كان أبو الوفاء عالماً عبقرياً، حيث عالج عدداً من المسائل بخبرة كبيرة، لذلك لم يكن غريبا أن يسطو العالم الغربي «ريجيو مونتانوس» على أبحاث البوزجاني وينسبها إلى نفسه.
وبرع أبو الوفاء في الهندسة وله فيها استخراجات لم يسبقه إليها أحد، وكتب في الجبر، كما أنه زاد في بحوث الخوارزمي زيادات تعتبر أساسا لعلاقة الهندسة بالجبر، وكذلك حل هندسيا معادلات من الدرجة الرابعة، وأوجد حلولا تتعلق بالقطع المكافئ، ولا يخفى علميا أن هذه الحلول وغيرها مهدت السبيل لعلماء الغرب لأن يتقدموا بالهندسة التحليلية خطوات واسعة أدت إلى التكامل والتفاضل وهو أروع ما وصل إليه العقل البشري وعليه اعتمدت الكثير من الاكتشافات والاختراعات.وفي الفلك فإن من أهم اكتشافات «أبو الوفاء» تعيينه بالضبط لمبادرة الاعتدالين ووضعه التقاويم المهمة والدقيقة لأمكنة الكواكب السيّارة، وتوصل العالم العربي إلى الاختلاف القمري الثالث، فقد استوقف نظره ما في نظرية بطليموس من النقص في أمر القمر، فبحث في أسبابه، فرأى اختلافا ثالثا غير المعادلة المركزية والاختلاف الدوري، فيما بات يعرف اليوم بـ«الاختلاف». وهو الاكتشاف الذي حاول الفلكي الدنماركي «تيكو براهي» ادعاءه بعد ستمائة عام، كما اهتدى البوزجاني إلى معادلة مثلثية توضح مواقع القمر سماها «معادلة السرعة». فيما طور جهازاً لحساب درجة ميل الأجرام الفلكية، هو أول من اخترع دالة الظل.وتقديرا لعطاء البوزجاني العلمي وفضله على علم الفلك وتطوره أطلقت وكالة ناسا اسمه على فوهة بركان على سطح القمر تخليدا لذكراه وعلمه.