«41 يوم»: الحياة والموت من عين طفل

نشر في 10-10-2011
آخر تحديث 10-10-2011 | 00:00
 محمد بدر الدين فيلم آخر لجيل جديد موهوب من أجيال معهد السينما المصري، يثبت عطاء

متجددًا ومواهب لا تنضب في مجالات الفيلم السينمائي وعناصره كافة.

ن خلال ز، يقتحم م زي عد عبد ال مي قصير للمخرج أح فيلم روائ «وم 41 ي»

معالجته الدرامية، قضية الحياة والموت الكبرى، عبر عين طفل يكاد يطلّ من

النافذة على غرار تلك القضايا الحياتية والوجودية الكبرى.

يحدّد الفيلم مكانه وزمانه بالكتابة على الشاشة (شبرا القاهرة - 1994)، وقد

صاغ السيناريو عاطف ناشد بذكاء رؤية المخرج وأحاسيسه التي لا تخلو من

قبسات سيرة ذاتية.

تبدأ الأحداث بتلقّي الأبطال ومعارفهم العزاء في خالة الطفل، ولا نسمع في

«الرحمن» شريط الصوت وسط الصمت المهيب سوى تسجيل لآيات من سورة

بصوت أعظم المقرئين الشيخ محمد رفعت، الذي يجمع بين العذوبة والخشوع

والجمال والجلال، كما لم يجمع صوت آخر.

«يويو» الخمس أو الست سنوات مع ذلك «لا يتجاوز الطفل يوسف» يدلّلونه

تبدو تعابير وجهه وعينيه مندهشة لمدى التجهّم والحزن على وجوه النساء

رأة لعلّها الأكثر من حوله، فيحاول أن يفهم وعندما يعجز يبتسم في وجه ام

تجهّماً، وأمام استغرابها يستمرئ هو اللعبة، فلا يكفّ عن تحريك ملامحه ونفخ

خديه على نحو يجعلها لا تملك سوى أن تضحك، فينظر إليها الجميع باستياء،

وبقدر ما تشعر بالخجل من نفسها وبالغيظ من الطفل الذي أحرجها إلا أنها

تستوعب الدرس في مناسبة لاحقة.

ينتقل بنا الفيلم إلى شقة الطفل، حيث يعيش مع والدته وشقيقته التي تطمح

اولات لا تجدي لإقناع الأم، بسبب حى معهد الباليه، وتبذل م ول إل دخ ى ال إل

نظرة المجتمع التي تغيّرت في السنوات الأخيرة تجاه الفنون وأضحى أي فن

على أقلّ تقدير وإن راجعت الأم موقفها واستجابت «عيباً» أو «حراماً» أو رقص

للابنة بصعوبة بعد حين.

في هذه الشقة بالذات وبين هؤلاء الأبطال الثلاثة تدور أحداث الفيلم خلال

40 يوماً من الحداد جرى العرف على إتمامها، قبل أن تتخلى النساء عن ارتداء

الملابس السوداء، أو أن تشاهد الأسرة التلفزيون.

لكن الطفل متعلّق بالتلفزيون خصوصاً مباريات كرة القدم التي يشاهدها،

الذي أخفته » الريموت « فيحتال وأحياناً يبتزّ أخته لتساعده في الحصول على

الأم، وهو لا يفهم بعد لماذا 40 يوماً، وماذا لو شاهد التلفزيون قبل هذا اليوم،

وما علاقة ذلك بموت خالته؟!

ببراءة وبراعة في آن، لا يتوقّف الطفل عن المحاولة، في صبر ودأب، حتى

دولاب العالي، فيكسر قدمه المخبأ فوق ال » الريموت « يسقط وهو يسعى إلى

ويجبر الطبيب على وضعها في الجبس.

أخيرًا يأتي اليوم 41 ، الذي يتوافق مع عيد ميلاد الطفل، فيجد صباحاً الهدية،

دراجة جميلة صغيرة لا يكفّ عن الدوران بها في الشقة، خصوصاً حول جهاز

التلفزيون الذي في ما يبدو تجاوزه إلى لعبة أفضل، أو أن الجديد دائماً ينسي

الشغف القديم، الذي قد يدعوه إلى الملل بعد حين. إنه الجهاز الذي دوّخه كثيرًا

والآن يتجاهله. هكذا هي الحياة من عين طفل والموت أيضاً.

لكن النيات لا تصنع وحدها فناً جميلاً ولا الخواطر والأحاسيس، أو اللمحات

المختارة من سيرة ذاتية، المهم هو هذا التوفيق الذي نلاحظه في عمل المخرج

والتجسيد الفني أو الحرفي للمعالجة ،» 41 يوم « والفريق إلى جانبه في تنفيذ

داخل الشقة التي يدور » الدرامية والإتقان في رسم الشخصيات }الجو الأسري

فيها معظم الأحداث من دون أن يشعر المتلقّي بأدنى ملل، بل على العكس اتّسم

الفيلم ببلاغة سينمائية تنبع من التكثيف والاختزال، وتقطيع المونتاج الذكي

الواعي، على نحو يجعلنا نرى مفردات ولقطات سينمائية، باعتبارها معادلاً

بصرياً سينمائياً للصور الكلية أو الجزئية التي تتّسم بها القصيدة الشعرية.

أتقنت هند إبراهيم وفريهان يسري تصميم ديكور أسرة متوسّطة مصرية في

تسعينيات القرن العشرين، وتناغم تصوير حسام حبيب ومونتاج أحمد عبد

الرؤوف مع رؤية المخرج وأسلوبه.

شكّل حسن اختيار عبد العزيز الممثلين ومقدرته على إدارتهم جزءاً أساسياً

من نجاحه، وتصل ذروة الصعوبة في إدارة طفل في هذه السن، يكفي أن الطفل

الموهوب نصر أحمد نصر، لم يتكلّم في مشاهده، مع ذلك نجح في التعبير بما

يملك من قوة الموهبة ودقة نظراته وحركته.

راء جبيل كذلك يقدّم الفيلم موهبتين رائعتين: صفاء رستم في دور الأم، ث

في دور الأخت، وهما تتمتعان بحضور حقيقي ومقدرة على أداء واقعي سلس

وإحساس داخلي مرهف بالشخصية، وهاتان الموهبتان، إلى جانب الطفل، لا

بد من أن تنتظرهما مساحات دراما أكثر اتساعاً وتنوّعاً.

back to top