أستاذ الشريعة الإسلاميّة د. محمد الدسوقي: الإسلام أعظم ثورة في التاريخ لتحرير البشريّة
د. محمد الدسوقي أستاذ الشريعة الإسلامية في كلية دار العلوم- جامعة القاهرة وأحد العلماء الثقات الذين يحملون هموم هذه الأمة ويسعون الى نصرتها ونصرة الإسلام والدفاع عنه بالحكمة والموعظة الحسنة، وهو أحد الذين يميلون بقوة إلى أن الإسلام كان يمثل أعظم ثورة في التاريخ لتحرير البشرية وإقامة دولة العدل والرحمة، ويرى أنه لا حصانة سياسية أو دبلوماسية في الإسلام لأي إنسان سواء أكان حاكماً أم محكوما، وأن الحصانة الوحيدة للبشر أياً كانت مناصبهم هي إقرار العدالة والمساواة والحريات العامة بين أبناء الشعوب. «الجريدة» التقت الدسوقي وناقشته في قضايا عدة متعلقة بالثورة والنظام السياسي والإصلاح المطلوب وفق الرؤية الشرعية.
ماذا تعني الثورة من وجهة نظرك وهل كان الإسلام في حد ذاته ثورة على الظلم والانحرافات الاجتماعية في المجتمع الجاهلي وإقامة دولة العدل؟كلمة ثورة إحدى الكلمات التي انتشرت في العصر الحديث من بداية الثورة الفرنسية وما تلاها من ثورات إلى بعض الثورات التي ظهرت في العالم الإسلامي، وهي في مدلولها اللغوي العام تعني التغير السياسي والاجتماعي في دولة ما يقوم بها الشعب. لكن في الإسلام للثورة مفهوم شامل وكامل لأن الإسلام في حدّ ذاته الذي بعث به محمد (صلى الله عليه وسلم) كان ثورة بل هو أعظم ثورة في التاريخ الإنساني ضد الظلم والفساد والانحراف العقدي والاجتماعي لتحرير البشرية وإقامة دولة العدل والرحمة، فقد كان المجتمع كلّه يعيش في ظلمات بعضها فوق بعض. من هنا كانت مهمة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.صحيح أن هذه الثورة لم يقم بها شعب كما تقوم بها الشعوب الآن وإنما بدأ بها إنسان مهمته تغيير ما عليه قومه من انحراف في العقائد والعادات والتقاليد والأعراف، وقد ووجه كما ووجه غيره من الأنبياء بمواقف مضادة لهذه الثورة التي بدأت لإقامة دولة العدل، لكن هذه الفئة القليلة التي حملت مشعل الثورة مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) كانت هي طليعة القوة الإسلامية التي واجهت الشرك بصورة عملية بعد أن تمت الهجرة وبدأ الصراع المسلح بين المسلمين والمشركين وانتهى الأمر بفتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجاً. فهذه الثورة الإسلامية التي أشعل فتيلها الرسول (صلى الله عليه وسلم) كانت هي البداية الحقيقية لإقامة دولة العدل الإسلامية وتأسيسها وكانت قوة المسلمين الدفاعية عن الإسلام جزءاً أصيلاً في هذا التأسيس للدولة، وبإسقاط ذلك على واقعنا المعاصر يمكن القول إنه لا يوجد حق في هذا الزمن الذي نعيشه يمكن انتزاعه إلا بالقوة فالناس دائماً أعداء الاعتراف بما عليهم من حقوق وأقرب مثال لذلك ما يجري اليوم في أرض فلسطين، فالصهاينة الذين هم بالأساس طائفة من اللصوص والقتلة يتعاملون بغطرسة وكبر ظانين أنهم يستردون أرضاً مضى عليها ألفا عام وهذا كلّه نوع من أنواع التزييف الديني والتاريخي والعلمي الذي تقوم به إسرائيل.خروج بالقوةتحدثت عن استخدام القوة في هذا الزمان فهل معنى ذلك أنكم تؤيدون التظاهر المسلّح ضد الحاكم الجائر؟ثمة قاعدة تقول «كيفما تكونون يولّى عليكم»، فإذا كانت الأمة من الضعف وعدم الوعي الصحيح بما يمارس ضدها من السلطة الحاكمة من مظالم ومفاسد وانحرافات فهذا يساعد على استئساد الحاكم الظالم عليها. هنا لا بد من أن يكون لدى الأمة الوعي الذي يتابع ولي الأمر متابعة علمية موضوعية عادلة فإذا وجدت فيه انحرافاً لا بد من أن تقاومه بالنصيحة والتظاهر السلمي وذلك كي لا ينطبق عليها قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقابه»، والمنكر دائماً درجات ومقاومته كذلك أيضاً، وأن قضية استخدام القوة تعود إلى الظروف التي تواجه الأمة من الحكام الذين يسوسون الأمة ويتحكمون في مصائرها، فقد تجدي مع بعضهم اعتصامات وتظاهرات سلمية وقد تجدي مع بعضهم الآخر مواجهات كلامية، وقد لا تجدي لا هذه ولا تلك إلا المواجهة المسلحة والقوة التي تجبر الطغاة والبغاة والظالمين على التخلّي عن ظلمهم وإجرامهم وتسليم الأمر لمن يستحقّ.عموماً، لا نستطيع وضع صورة واحدة لكل ثورة أو لكل مواجهة أو لكل حاكم ظالم أو مستبد. لكن الأمة التي ترضى بالظلم هي دائماً أمة خانعة ذليلة وهي بذلك تعيش حياة دينية ضعيفة، لأن المؤمن لا يرضى بالدنية في دينه ودنياه ولكنه إنسان عزيز لا يذل ولا يخضع إلا للذي خلق الوجود وقدر الأقدار فإذا ذل لبشر فكأنما أشرك بالله ولم يكن صادقاً في إيمانه، والمشكلة في أن يكون بين الناس وعي وصدق ومصارحة، وأحياناً القوة الظالمة أو الباغية أو القيادة غير الأمينة والتي لا تضع أبداً نصب أعينها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..»، فالحاكم راع ومسؤول عن رعيته وإذا لم يكن أميناً وصادقاً في القيام بمسؤولياته تجاه شعبه فإنه يعد خائناً لهذا الشعب، وهذه الخيانة إن استطاع الأخير أن يقاومها سلمياً فليفعل وإن لم يستطع فلا مفر من اللجوء الى وسيلة أخرى تقضي على هذا الفساد وعلى هذا الانحراف وهي القوة، لأن عدم مقاومة الحاكم الظالم يؤدي إلى شيوع الظلم والفساد وهذا الشيوع يؤدي إلى انحطاط في مستوى الأمة وعدم القيام برسالتها ولن تكون بذلك خير أمة أخرجت للناس.نلخّص ذلك كلّه بالقول إن التظاهر ضد الحاكم الظالم والفاسد يبدأ سلمياً ويتدرج حتى يصل إلى استخدام القوة، في حال عدم خضوع الحاكم الفاسد لهذه التظاهرات السلمية التي تعبر عن أهدافها وعن مهمتها وتبيّن للحاكم جرائمه وأخطاؤه في حق شعبه، وإن لم يرتدع كان لا بد من استخدام القوة حتى تستقر الأمور ويعيش الناس في عزة وكرامة لا في ظلم وفساد.فتاوى باطلةلكن في ظل الثورات العربية ظهرت بطانة السوء للحكام أو ما يمكن تلقيبهم بـ{فقهاء السلطان» والذين يفتي معظمهم بحرمة الخروج على الحاكم حتى ولو كان فاسداً، فما تعليقك على هؤلاء؟هؤلاء الذين يفتون بحرمة الخروج على الحاكم حتى ولو كان ظالماً لشعبه كما يحدث في بعض الثورات العربية اليوم، يتحملون وزر إفتائهم لأن الفتوى إذا لم تكن محققة للمصلحة العامة وللعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات لا تكون فتوى يعتد بها، لأن الشريعة الإسلامية كلّها مبنية على تحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد. فإذا جاءنا حاكم واختاره الشعب بإرادته ولم يفرض عليه وكانت هذه الإرادة صحيحة وليست مزوّرة كما يحدث في كثير من الانتخابات العربية التي تكون النتيجة فيها 99%، فهذه مهزلة تشهدها دول عربية كثيرة وهذا كلّه يدلّ على أن هذه الانتخابات لا تعبّر عن رغبة طبيعية في اختيار الحاكم.مع هذا لو سلّمنا أن هذه هي الديمقراطية كما كانوا يدعون فعلى الحاكم أن يحترم إرادة الشعب وحقوقه فيعدل بين الناس ولا يجعل بطانته سبيلاً للفساد والانحراف، أما الفتوى بمجاملة الحكام على حساب الشعوب فإن هؤلاء العلماء الذين يقومون بذلك سيلقون حساباً عسيراً عند الله وهم آثمون، لأن على كل عالم أو فقيه أن يجهر بكلمة الحق ولو أدى به الأمر إلى الإعدام أو الاعتقال أو إلى الموت فإنه بذلك يموت شهيداً، وإن آفة الآفات في المجتمع الإسلامي الآن هي قضية النفاق والمجاملات والبطانة الفاسدة التي تزين للحاكم الفساد وتمكن له في الأرض بالظلم والتعنت وإرهاق الشعب بالضرائب إلى غير ذلك من الأمور التي يحرمها الإسلام.شروط الطاعةمعنى ذلك أن ثمة ضوابط لطاعة ولي الأمر وضوابط للخروج عليه وليست الطاعة مطلقة كما يروّج البعض؟بالتأكيد فإن مبدأ طاعة ولي الأمر في الشريعة الإسلامية ليس مطلقاً وإنما تحكمه ضوابط وقواعد عامة منها عدم الخروج على أحكام الشريعة، والدليل على ذلك ما حدث لجماعة من المسلمين حينما كانوا في سفر فغضب عليهم أميرهم في السفر وسألهم: أليس لي عليكم حق الطاعة؟ فأجابوا: بلى، فقال: إذن اجمعوا حطباً، وأوقدوا النار فيه، ففعلوا ثم أمرهم أن يلقوا بأنفسهم في النار، فرفضوا وقالوا: ما أسلمنا إلا هروباً من النار فكيف ندخل فيها، وحينما عادوا قابلوا النبي (صلى الله عليه وسلم) وأخبروه بما حدث فقال «لو دخلوا فيها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في الطاعة»، ما يدل على تقييد طاعة ولي الأمر وربطها بعدم معصية الخالق أو مخالفة الأحكام الشرعية، وأن قول المولى عز وجل «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» والذي يتمسك به كثير من البطانات الفاسدة أو «فقهاء السلطان»، لا يعني الطاعة المطلقة للحاكم أو ولي الأمر وإنما هذه الطاعة مقيدة بعدم مخالفة تعاليم المولى عز وجل وأوامره، استناداً الى القاعدة الشرعية «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، وخروج الحاكم عن تنفيذ العدالة والمساواة بين أبناء شعبه يبيح للرعية الخروج عليه وعدم الالتزام بطاعته. كذلك إذا استشرى الفساد وأصبح ظاهراً ومخالفاً لأحكام الشريعة وجب الخروج على الحاكم. لا حصانة في الإسلامهل تعتقد أن تغييب فريضة الشورى والديمقراطية الصحيحة في المجتمعات العربية خلال العقود الماضية السبب الرئيس في اشتعال فتيل الثورات العربية؟هذا صحيح ولا شك في أنه حينما ننظر إلى الواقع العربي اليوم وإلى تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن، نجد أن حكام هذه البلدان كافة منهم من مكث في الحكم أكثر من 40 أو 30 أو 20 عاماً، فهذه ليست ديمقراطية. فالأخيرة معناها تكريس سياسة تداول السلطة كي يدرك الحاكم بأنه ليس مخلداً فيها وأنه ليس محاسباً على كل ما يفعل. كذلك لا توجد في الإسلام حصانة سياسية أو ديبلوماسية لأي إنسان سواء كان حاكماً أو محكوماً، فالجميع معرّضون للعقاب والحساب إذا أخطأوا وأفسدوا ولا نقول هذا حاكم أو هذا عضو مجلس تشريعي تحميه حصانته من العقاب عند ارتكابه الجرائم، فهذا كلّه مرفوض شرعاً ولا بد من يخضع الجميع للقانون، وعدم تطبيق هذا المبدأ الإسلامي جعل الشعوب العربية تعيش مغلوبة على أمرها وبالتالي خضعت لهذا الأسلوب المهين في التحكم والسيطرة ونهب ثرواتها ولا يسأل الحاكم أو بطانته الفاسدة عما يملكون وينهبون من أموال الشعب، هذا كلّه مخالف لتعاليم الإسلام جملة وتفصيلاً.إذاً، غياب العدالة والمساواة والديمقراطية الصحيحة أدى إلى وجود هذا الظلم الشديد الذي يمارس راهناً على الشعوب العربية، واستشراء التحكم والفساد ووجود أجهزة أمنية تمارس على الناس قمعاً واضطهاداً وقتلاً وإبادة من دون وجه حق، وللأسف الشديد هذه الممارسات القمعية الظالمة كلّها أدت في النهاية إلى تراجع التنمية وتوقّف عجلة الحضارة بأشكالها كافة في العالم العربي، وما يجري اليوم في اليمن وسورية وليبيا تدمير لقوى الشعب وللبنيان التحتي للشعوب وللأمة، وذلك كلّه كي يظل للحاكم السلطان والكلمة العليا ولا يعبأ بمن يقتلون ويبادون ولا بالتدمير لكل وسائل الحياة أو أن يموت الآلاف أو الملايين أو تدمر المدن والقرى، وهؤلاء الحكام الذين يتمسكون بكرسي الحكم ضاربين بإرادة شعوبهم عرض الحائط سيكون مصيرهم الحتمي إلى مزبلة التاريخ.في بعض الدول العربية ثمة من ينكر حق المواطنة على غير المسلمين ما أدى إلى وجود احتقانات بين الشعوب من وقت إلى آخر، ماذا تقول في ذلك؟الإسلام دين العدالة الشاملة والمساواة الكاملة ومراعاة الحقوق والواجبات من دون تفرقة بين إنسان وإنسان، بمعنى أن كل من يعيش على هذه الأرض سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين يتمتعون بحق المواطنة المشروعة، أما العقيدة الدينية فكل إنسان مسؤول عن العقيدة التي اختارها وآمن بها ولا يجوز لأحد أن يكره أحداً على عقيدة يرفضها ويأباها، من هنا عاش المسلمون وغير المسلمين في العالم الإسلامي حياة هادئة طيّبة لا صراع فيها ولا فتنة، ولكن في العصر الحاضر جدّت بعض الطوائف التي تريد أن تزرع الفتنة، وهؤلاء الذين يدمرون ويخربون وينشرون الفتنة بين الناس لا بد من أن يعاقبوا عقاباً رادعاً.قاسم مشتركهل يمكن وضع الثورات العربية كلّها في سلة واحدة ومنحها حكماً إسلامياً واحداً أم أن ثمة اختلافاً بين كل ثورة؟ثمة قاسم مشترك بين الثورات العربية أدت في النهاية إلى اشتعالها بسبب ظلم وفساد وغطرسة وعدم احترام لإرادة الشعوب، ففي اليمن بقي الرئيس علي عبدالله صالح أكثر من 30 عاماً في الحكم، وفي سورية استمر بشار مع أبيه أكثر من 40 عاماً وفي مصر زاد حكم مبارك على 30 عاماً وفي ليبيا حكم القذافي أكثر من 40 عاماً، وكل هؤلاء الحكام لو كانوا صادقين في إقامة العدل الحقيقي وتحقيق الأمن وتفعيل الديمقراطية الصحيحة والشورى ما كانت الشعوب اعترضت على وجودهم مهما طال حكمهم.لكن الشعوب وجدت أن هؤلاء الحكام مارسوا طغياناً فرعونياً مشتركاً ومع ذلك يصرون على التشبّث بالحكم على رغم ظلمهم وفسادهم وتدمير ما تبقى من شعوبهم ولا يريدون أن يتنحوا ولا أن يتركوا الحكم إلا إذا أكرهوا على ذلك إكراهاً فكانت الثورة واجبة لإجبارهم على ترك الحكم والخروج من دائرة الظلم كي يعود العدل والأمن مجدداً الى الشعوب العربية.في ظل الأوضاع العربية الحالية كيف ترى التغيير والإصلاح المطلوب، خصوصاً للنظام السياسي وفق الشريعة الإسلامية؟الشريعة الإسلامية وضعت مبادئ كلية للإصلاح العام، تمثّلت في ما سجّله الرسول صلى الله عليه وسلّم في معاهدته مع أهل المدينة بعدما هاجر إليها، وهذه الاتفاقية فاقت كل القوانين الدولية التي تنظّم العلاقات بين المسلمين وغيرهم أو بين الحاكم والمحكوم. إذاً، كل ما هنالك أنه إذا أدركت الشعوب أن حكامها أكثر حرصاً عليها منها وأكثر مراعاة لحقوقها وتمسكاً بكرامتها وعزتها وتحقيقاً للمساواة والعدالة بين أفرادها فإن الإسلام يرحّب بذلك ويدعو إليه، فالأخير لا يريد شكلاً محدداً للدولة ولكن شريطة ألا يوجد استبداد في الرأي ولا حكم الفرد وإنما حكم الأمة ممثّلة في ما تختاره معبراً عنها، فالأمة تختار من يمثلها في الحكم وهؤلاء الحكام لا بد من أن تكون لهم ضوابط علمية وقيم أخلاقية كي لا يكون هدفهم الرئيس الاستمرار في اغتصاب الحكم ونهب ثروات الشعوب، وأن الله عز وجل يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة. فالعدالة هي أساس الملك فإذا أقيمت بمعناها الصحيح كان الحاكم في ما يأخذه من راتب وفي ما يتمتع به من سلطان حدود مسؤوليته الشرعية.لكن للأسف هذا لا يحدث من حكامنا بل إنهم لا يطبقون ما يقوم به الغرب من تقديم إقرارات ذمة مالية قبل تولي مقاليد الحكم وبعده، وهي في الغرب تكون إقرارات حقيقية وهذا هو التطبيق الإسلامي، أما في العالم العربي فهي إقرارات ورقية لا تغني ولا تسمن من جوع وهذا لا علاقة له بالإسلام، الذي يريد عدالة للشعوب والعدالة لا تتحقّق إلا بالمساواة ولا عدالة ولا مساواة إلا بالأمن الذي هو الأساس وهو الذي يحقّق للناس الاستقرار والرخاء والعمل والإنتاج... فأي نظام سياسي لو حقّق هذه الشروط فهو نظام سياسي إسلامي بغض النظر عن مسماه، لكن المطلوب أن يكون الحاكم خادماً للرعية ويحترم أصغر مواطن في شعبه ويؤدي واجبه ناحية الجميع ولا يحابي ولا يجامل لأحد على حساب آخر.أكذوبة كبرىعلى رغم نجاح بعض الثورات العربية وبعضها الآخر على الطريق، ثمة من يقول إن الشعوب العربية ما زالت غير مؤهّلة لممارسة الديمقراطية الحقيقية. ما تعليقك؟هذا خطأ بالغ وقول سخيف يطعن في صلاحيات هذه الشعوب العربية، وعلى رغم انتشار الأمية في العالم العربي إلا أن الجميع حتى الفلاح الأمي والمرأة الأمية يدركون إدراكاً كاملاً وواعياً بأن الحاكم مسؤول عنهم وعن كل شيء في الدولة، والقول بأن الشعوب العربية غير مؤهلة لممارسة الديمقراطية أكذوبة كبرى يتفوّه بها فلول الأنظمة الفاسدة في العالم العربي. فالشعوب العربية لو حُكمت بالديمقراطية الصحيحة ستكون أكثر اندماجاً وتنظيماً وانصهاراً في العمل السياسي، فأي إنسان عربي لا يريد إلا حقه بما شرع الله عز وجل وهذا الحق لا يتأتى إلا بممارسة الشورى والديمقراطية الصحيحة، لأن هذه هي الأدوات الحقيقية للبناء، والذين يقولون غير ذلك يغالطون أنفسهم ويطعنون في أن هذه الشعوب ليست أهلاً لأن تعيش حياة كريمة وعظيمة.