في الرد على إيران

نشر في 07-02-2012 | 00:01
آخر تحديث 07-02-2012 | 00:01
No Image Caption
 ريتشارد هاس نحن نعرف أقل القليل عن البرنامج النووي الإيراني، وما نعرفه ليس مشجعاً في واقع الأمر، فقد أوردت التقارير أن إيران تخصب اليورانيوم في موقعين، وبعضه إلى مستوى يبلغ 20%، وهو ما يتجاوز كثيراً المستوى المطلوب للأغراض المدنية، كما نشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقارير تؤكد أن إيران تعكف الآن على تنفيذ أبحاث خاصة بتطوير تصاميم لرؤوس حربية نووية. باختصار، نستطيع أن نقول إن مزاعم المسؤولين الإيرانيين بأن برنامجهم يهدف فقط إلى توليد الطاقة أو إجراء البحوث الطبية يفتقر كل الافتقار إلى المصداقية.

ورغم ذلك، هناك الكثير مما لا يعرفه العالم. على سبيل المثال، لا نعرف ما إذا كانت إيران تمارس أنشطة سرية في مواقع لم تكشف عنها، أو متى تستطيع إيران إنتاج سلاح نووي بدائي، حيث تتراوح التقديرات بين أشهر عدة إلى سنوات عدة؟ ولا نعرف أيضاً ما إذا كانت زعامة إيران المنقسمة على نفسها عازمة على إنتاج الأسلحة النووية، أو أنها ستتوقف قبل هذه المرحلة، عندما تدرك بحساباتها أن البلاد قد تستخلص الكثير من الفوائد التي قد تترتب على امتلاك الأسلحة النووية، ولكن من دون التعرض للمخاطر أو تحمل تكاليف امتلاكها بالفعل.

وفي كل الأحوال، فإن الأنشطة التي تمارسها إيران تضع العالم أمام خيارات صعبة، فكل من هذه الخيارات مكلف ومحفوف بالمخاطر. ولا مجال فضلاً عن ذلك لحساب التكاليف والمخاطر بدقة.

يتلخص أحد الخيارات المطروحة في قبول إيران النووية أو شبه النووية والتعايش معها، وهذا يفترض أن إيران يمكن ردعها عن استخدام هذه الأسلحة، على نحو أشبه كثيراً بما حدث مع الاتحاد السوفياتي أثناء الحرب الباردة، فمن الممكن توسيع قاعدة الدفاع الصاروخي؛ وبوسع الولايات المتحدة أن تعمل على توسيع نطاق الضمانات الأمنية بحيث تفهم إيران أن أي تهديد باستخدام الأسلحة النووية سيقابل برد أميركي حاسم.

ولكن هناك نقاط ضعف كبيرة تحيط بتقبل وجود إيران المسلحة نوويا، فنظراً للجوئها إلى التآمر والإرهاب ضد خصومها، فإن إيران المسلحة نووياً قد تكون أكثر عدوانية، وقد يؤدي هذا أيضاً إلى نقل المواد أو التكنولوجيا أو الأسلحة النووية إلى حلفاء (فنزويلا تحت حكم هوغو شافيز على سبيل المثال) أو منظمات راديكالية مثل "حزب الله" و"حماس"، وبدلاً من الترويج للحذر والاستقرار في المنطقة، فإن إيران أو إسرائيل قد تستسلم لإغراء توجيه الضربة الأولى في حال اندلاع أزمة.

ولا يجوز لنا أن نفترض أن الزعامة الإيرانية المنقسمة والراديكالية ستتصرف دوماً بعقلانية، أو أن الانتشار سيتوقف عند حدود الجمهورية الإسلامية، فإذا نجحت إيران في إنتاج أسلحة نووية، فإن بلدانا مثل المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر قد تستسلم لإغراء شراء أو إنتاج أسلحة نووية، ومن المؤكد أن الشرق الأوسط، في ظل أصابع عديدة على الزناد، يعني كابوساً محققاً.

وعلى الطرف المقابل من طيف الخيارات المتاحة هناك احتمال شن هجوم وقائي: ضربة عسكرية موجهة (على الأرجح من جانب إسرائيل، أو الولايات المتحدة، أو كليهما) ضد مواقع معينة في إيران ترتبط ببرنامجها النووي، والهدف الرئيس من هذه الضربة يتلخص في تعطيل أو منع التهديد الذي لا يزال في طور النمو الآن.

وهنا مرة أخرى، لابد أن ننتبه إلى مواطن الضعف الكبيرة، فحتى الهجوم الناجح لن يسفر إلا عن تأخير البرنامج النووي الإيراني لبضع سنوات، ومن المؤكد أن إيران ستعيد بناء برنامجها، وربما تحت الأرض في مواقع حصينة على نحو من شأنه أن يزيد كثيراً من صعوبة تنفيذ أي هجمات في المستقبل.

وقد تلجأ إيران فضلاً عن ذلك إلى الانتقام بشن هجمات فورية ضد أهداف ربما تشمل المملكة العربية السعودية والعراق وأفغانستان، وغير ذلك من مصالح الولايات المتحدة في أنحاء العالم المختلفة، فضلاً عن مواقع على الأراضي الأميركية. وقد يهاجم "حزب الله" إسرائيل. وإذا حدث كل هذا فإن أسعار النفط سترتفع إلى عنان السماء بسبب النقص والمخاوف، الأمر الذي قد يدفع قسماً كبيراً من الاقتصاد العالمي، الذي يعيش بالفعل وضعاً غير مستقر، إلى الركود. وقد يؤدي الهجوم المسلح أيضاً إلى التفاف عامة الناس في إيران حول حكومة بلادهم، وبالتالي تقليص فرص ظهور زعامة أكثر شعوراً بالمسؤولية.

من غير المستغرب إذن أن تفكر الولايات المتحدة والكثير من بلدان العالم في استكشاف بدائل أخرى، بما في ذلك تغيير النظام في إيران، ولكن على الرغم من أن هذا يشكل غاية مرغوبة، فلا وجود لسياسة كفيلة بضمان تحققها. ونتيجة لهذا فإن السياسة الرئيسة في التعامل مع إيران تتمحور حول فرض قدر متزايد من العقوبات الاقتصادية المؤلمة على إيران. وما يبرر هذه السياسة أن زعماء إيران، الذين يخشون فقدان سيطرتهم السياسية مع تصاعد الاستياء الشعبي نتيجة للتأثيرات المترتبة على العقوبات، سيعيدون النظر في حسابات التكاليف والفوائد المترتبة على أنشطتهم النووية، وسيصبحون أكثر تقبلاً للقيود المفروضة عليهم من خلال التفاوض في مقابل رفع العقوبات.

وهو أمر وارد، ذلك أن الدعم الدولي لفرض هذه العقوبات كبير وآخذ في التزايد، ولقد بات من الصعب على إيران (التي يعتمد اقتصادها إلى حد كبير على صادرات النفط التي تزيد على مليوني برميل يوميا) أن تجد المشترين، خصوصاً المشترين الراغبين في دفع الثمن كاملاً. ومن ناحية أخرى، أصبحت العملة الإيرانية في ضعف متزايد، وهو ما من شأنه أن يجعل أسعار السلع المستوردة بعيداً عن متناول العديد من الإيرانيين.

ومن بين العناصر الإضافية للسياسة الحالية، والتي تبدو مؤثرة بالفعل، تلك الجهود السرية الرامية إلى تعويق قدرة إيران على استيراد التكنولوجيا الحساسة. فقد تسللت الفيروسات إلى أجهزة الكمبيوتر في إيران، الأمر الذي أدى إلى الحد من كفاءة أجهزة الطرد المركزي اللازمة لتخصيب اليورانيوم. ومن المحتمل أيضاً أن يكون اغتيال بعض الأفراد المختارين سبباً في إبطاء تقدم الجهود النووية الإيرانية.

بيد أن إبطاء الجهود الإيرانية ليس كمثل وقفها، فهناك إذن سؤال حول ما إذا كانت العقوبات القائمة قابلة للتمديد والتشديد؛ وهنا يتعين على الصين وروسيا تحديد أولوياتهما. وهناك سؤال آخر حول ما إذا كانت أي عقوبات كافية لإقناع قادة إيران بقبول فرض قيود خاصة بالتحقق من الأنشطة على البرنامج النووي الإيراني. هذا فضلاً عن قضية ثالثة غير محسومة حول مدى تسامح إسرائيل أو الولايات المتحدة مع الجهود الإيرانية قبل توجيه ضربة عسكرية إلى إيران.

الواقع أن الأمر الوحيد المؤكد قد يكون أن البرنامج النووي الإيراني سيتحول إلى قضية دولية رئيسة في عام 2012، بل لعلها تكون القضية الدولية الأكثر الأهمية.

* مدير تخطيط السياسات لدى وزارة الخارجية الأميركية سابقا، ورئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي حالياً.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top