الهند تخيّب آمال أميركا في الشأن الإيراني

نشر في 24-02-2012 | 00:01
آخر تحديث 24-02-2012 | 00:01
No Image Caption
 نيكولاس بيرنز لم يكن قرار الهند عدم التماشي مع المجتمع الدولي في الشأن الإيراني لطمة موجعة في وجه الولايات المتحدة فحسب، بل يشكك هذا القرار أيضاً في حس واشنطن القيادي.

في الأسبوع الماضي، شكل إعلان الحكومة الهندية نيتها متابعة شراء النفط من إيران انتكاسة كبرى بالنسبة إلى المحاولة الأميركية الرامية إلى عزل النظام الإيراني بسبب مشروعه النووي.

كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" حديثاً أن السلطات الهندية تنشط لمساعدة الشركات الهندية على تجنب العقوبات الراهنة من خلال حثها على دفع ثمن النفط الإيراني بالعملة الروبية الهندية. وقد تذهب إلى حد الموافقة على عقد الصفقات مع إيران بهدف الالتفاف على العقوبات التي فرضها الأميركيون وأصدقاؤهم وحلفاؤهم ضد النظام. وفق صحيفة "تايمز"، أصبحت الهند راهناً أبرز مستوردة للنفط الإيراني. إنها أنباء مخيبة للآمال بالنسبة إلى كل من دعم توثيق العلاقات الأميركية مع الهند، وتشكل هذه التطورات انتكاسة حقيقية تعيق محاولات آخر ثلاثة رؤساء أميركيين لعقد شراكة استراتيجية وثيقة مع الحكومات الهندية المتلاحقة. يمكن تبرير موقف الحكومة الهندية على اعتبار أنها تتكل على إيران للحصول على %12 من وارداتها النفطية ولا يمكنها تحمل كلفة قطع تلك العلاقات التجارية، لكن حصلت الهند على سنوات عدة لتعديل الوضع وإيجاد مصادر بديلة. تكمن المفارقة في واقع أن الولايات المتحدة حققت نجاحاً ملحوظاً في مجال فرض العقوبات في الأشهر الأخيرة، فقد قرر الاتحاد الأوروبي فرض حظر نفطي على إيران وبدأت الولايات المتحدة تفرض العقوبات على البنك المركزي. وحتى بلدان شرق آسيا (مثل الصين) خفضت حجم وارداتها النفطية من إيران في الأشهر الماضية. لهذه الأسباب، تبدو تصريحات الهند الأخيرة بعيدة كل البعد عن التوجه العالمي الجديد الذي يريد عزل إيران والضغط عليها حتى إقناعها بالتفاوض لتجنب حرب كارثية.

لكن تبرز في هذا المجال مسألة أهم عن الدور الهندي في العالم. على الرغم من التحليلات التي تتمحور حول تطور الهند واتجاهها نحو التحول إلى قوة عالمية، لا تتصرف حكومتها دوماً على هذا الأساس، فهي تركز في أغلب الأحيان على منطقتها الخاصة من دون الانفتاح على الخارج، ونادراً ما تثبت قدراتها القيادية في المسائل الشائكة مع أن هذه القدرات هي عامل ضروري لتفعيل النظام الدولي.

دعمت الحكومة الهندية القرارات الأربعة التي مررها مجلس الأمن منذ عام 2006، وتنص تلك القرارات على ضرورة أن تتخلى إيران عن طموحاتها النووية، لكن لم تضطلع الهند يوماً بأي دور قيادي في المفاوضات بل رفضت أداء دور صلة الوصل بين الحكومة الإيرانية والغرب وفضلت التصرف بسلبية أو حيادية تامة في هذه المسألة الشائكة.

في الآونة الأخيرة، كتبتُ مقالة في صحيفة "بوسطن غلوب" (Boston Globe) وارتأيتُ ضرورة أن تلتزم الولايات المتحدة بشراكة استراتيجية واعدة وطويلة الأمد مع الهند. مازلتُ مقتنعاً بأهمية هذه الشراكة بالنسبة إلى البلدين وميزان القوى العالمي الجديد الذي سينشأ خلال هذا القرن. لكن من خلال الامتناع عن التعاون في الملف الإيراني والمماطلة في تنفيذ اتفاق التعاون النووي المدني بين الولايات المتحدة والهند، تعيق الحكومة الهندية الآن عقد علاقة استراتيجية لطالما أرادتها مع الولايات المتحدة. حاول الرئيسان أوباما وبوش التوصل إلى تسوية مع الهند من خلال تقديم التزامات ملموسة وواضحة في القضايا التي تهم الهند، فأعلن الرئيس أوباما خلال زيارته إلى الهند في نوفمبر 2010 أن الولايات المتحدة تلتزم للمرة الأولى على الإطلاق بدعم ترشيح الهند إلى العضوية الدائمة في مجلس الأمن. كنتُ من داعمي تصريح الرئيس مثل جميع من يؤيدون توثيق الشراكة الاستراتيجية بين الهند والولايات المتحدة. لكن لسوء الحظ، لم تقدم الهند أي مبادرات مماثلة مقابل الرؤية الواسعة التي وضعها أوباما وبوش للقيادة الهندية. حان الوقت كي تتحدث الهند بوضوح أكبر عن الأهمية التي توليها لعلاقتها المستقبلية مع الولايات المتحدة. الأهم من ذلك هو أن تبدأ الهند بإثبات براعتها القيادية في المسائل الصعبة مثل الملف الإيراني، وهذا ما يتوقعه منها أصدقاؤها في الولايات المتحدة وحول العالم.

* أستاذ الدبلوماسية والسياسة الدولية في كلية كينيدي ووكيل وزارة خارجية الولايات المتحدة.

«ذا ديبلوميت»

back to top