ثارت الشعوب وغيّرت دكتاتوريات... فمن يثور عليها؟

نشر في 03-03-2012
آخر تحديث 03-03-2012 | 00:01
No Image Caption
 أنس محمود الشيخ مظهر   لم يشهد العالم في تاريخه المدون (على الأقل) ثورات مثلما شهدها العالم العربي باستثناء الثورة الفرنسية، وإلى حد ما ثورة الشعب الإيراني على الشاه، وقد أعقبت الثورة الفرنسية فوضى مشابهة تماما لما نشهد بوادرها في الدول العربية بعد نجاح ثوراتها في بعض الدول، وما يتخوف منها في الدول التي مازالت ثوراتها قائمة.

إن التخوف من نتائج الثورات العربية تخوفات مبالغ فيها أحيانا ومفتعلة مع سبق إصرار وترصد في أحيان أخرى، ومن الطبيعي أن تمر ثورات كهذه في فوضى متباينة بعد نجاحها فيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار الظروف الزمانية والمكانية التي تفجرت فيها هذه الثورات.

نعم يجب الاعتراف بأن هناك أفكاراً ضبابية في الشارع العربي وأفكاراً متطرفة دينية تهدد برجوع دكتاتوريات جمعية من نوع جديد للسلطة، وهناك تخوفات من صراع طائفي قد يجتاح المنطقة لعقود من الزمن، وأيضا هناك تخوفات من أن تستغل هذه الثورات من قبل دول عظمى وتحرفها عن مسارها إلى مسارات أخرى مرفوضة أساسا.

للرد على هذه التخوفات علينا أن نعترف أن الصراع الطائفي السياسي موجود في الشارع العربي، سواء كان ظاهرا على السطح أم متواريا بسبب سيطرة أحد أطراف الصراع على مقاليد الحكم في الدولة، ومحاولة إخفاء الصراع وعدم الاعتراف به لا يعنيان أنه غير موجود. والصراع الشيعي-السني (بشقيه الديني والسياسي) سواء كان خافياً أم ظاهراً يعدّ من الأسباب الرئيسة في شق الصف الإسلامي والقومي، وأثبت التاريخ أن الانتماء الروحي العقائدي الديني أو المذهبي هو أقوى من الانتماء القومي أو الانتماء إلى أفكار علمانية.

وعندما يكون هناك فريقان لا يستطيعان أن يتقاربا طوال أربعة عشر قرنا رغم كل محاولات التقارب بينهما فلا أتصور أنهما قادران على التقارب في هكذا ظروف متوترة من الاستقطاب الطائفي في المنطقة.

وإن انتقاد الثورات ووصفها بالعمالة لاستنجادها بدول خارجية ومحاولة تخوينها فهو انتقاد غير منصف، لأن الثورة الوحيدة التي استعانت بالغرب هي الثورة الليبية، وهذا حصل بعد أن استعمل نظام القذافي ضدها شتى أنواع الأسلحة، ومن المتوقع أن يتكرر السيناريو الليبي في سورية أيضا، وعلى الرغم من ذلك فالثورات التونسية والمصرية واليمنية بقيت سلمية غير مسلحة، فإن كانت العمالة هي أن تستنجد بجيوش أجنبية من أجل ألا تباد كشعب فنعم العمالة هذه.  فلا أحد يستطيع أن ينكر أن الحكومات الدكتاتورية التي جثمت على صدور شعوبها طوال هذه العقود لم تكن لتصمد أمام شعوبها لو لم تكن ضالعة هي نفسها في العمالة لهذه الدولة أو تلك، ومن المضحك أن يصف نظام نشأ على العمالة للغير شعبا بكامله بأنه عميل لهذه الدولة أو تلك.

والتخوف الثالث متعلق باستثمار هذه الثورات من قبل حركات إسلامية متطرفة من الممكن أن تسيطر على الحكم وتؤسس لنوعية جديدة من الدكتاتوريات، وهي تخوفات يمكن تفهمها ولها ما يبررها، حيث إن قمع الأنظمة الدكتاتورية السابقة قد نتج عنه أفكار متطرفة كرد فعل طبيعي على ممارسات هذه الأنظمة؛ لأن الظروف غير الصحية تكون الولادات فيها غير طبيعية ومشوهة، وبذلك ولدت أفكار سياسية مشوهة.

والمشكلة أن بعض هذه الحركات تطرفت بشكل من الصعب كثيرا لها أن تمتزج وبسلاسة مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة بالدول العربية هذه، فمعظم الحركات السلفية الحالية لا تؤمن بالديمقراطية كمبدأ لها في إدارة شؤون الدولة، وتتخذ من الديمقراطية سبيلا إلى أن تصل للسلطة فقط، وبعد ذلك فلا أسهل من أن تضرب بكل العملية السياسية عرض الحائط وتتربع على السلطة مبررين هذا التصرف  كونها أوامر إلهية باعتبار (إن الحكم إلا لله).  ومثلما قلت قد يكون هذا التخوف حقيقيا، ولكن إذا حصل هذا الأمر فلن يطول كثيرا، فالتعامل السياسي الفعلي مع قوانين سياسية موجودة في العالم اليوم يختلف عن التعامل معها بشكل نظري عندما تكون في المعارضة.  ولا أشك أن هذه الحركات السلفية التي تتخذ مواقف متطرفة في الكثير من القضايا حاليا سوف تصقلها التجربة السياسية في السلطة وستندمج تماما فيما يسمى بفقه (الواقع) حتى لو اقتضى هذا التغيير سنين عديدة أو ضحايا بشكل أو بآخر.

أخيرا أريد القول إن محاولات البعض من التقليل من شأن هذه الثورات لن تصل إلى غاياتها كما يأملون منها لأن هذه التخوفات حتى إن كانت بحسن نية فيجب علينا ألا ننسى أن الثورات الحالية يحميها شعوب وقفوا بوجه طغاة لم يعرف التاريخ شبيها لهم، وهم قادرون على حماية هذه الثورات وبشكل يمنع أي تلكؤ أو انحراف في مسيرتها.

* كردستان العراق– دهوك

back to top