تحليل سياسي: التعارض الدستوري في تعديل المادة 79

نشر في 09-03-2012 | 21:01
آخر تحديث 09-03-2012 | 21:01
No Image Caption
 

فتحت كتلة العدالة النيابية باباً جديداً لأسلمة القوانين والتشريعات من خلال تقديمها تعديلاً دستورياً على المادة 79 بحيث يصبح نصها "لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدق عليه الأمير وكان موافقاً للشريعة الإسلامية"، فيما أغلقت باب تعديل المادة الثانية مؤقتاً وتركته للمستقبل، بحسب ما صرح به زعيم الكتلة النائب محمد هايف.

ويأتي تراجع "العدالة" عن تعديل المادة الثانية من الدستور، رغم أن نوابها رفعوا التعديل شعاراً في حملاتهم الانتخابية، ووضعوه شرطاً لتوجيه أصواتهم في انتخابات رئاسة مجلس الأمة، كما أن المجلس الحالي يغلب على نوابه الطابع الديني حيث يشكلون أغلبية مؤثرة في المجلس.

ويبرر رئيس الكتلة النائب هايف قرار تعديل المادة 79 عوضاً عن المادة الثانية بقوله "ينفي جميع الشبهات التي أثيرت حول تعديل المادة الثانية"، وهو ما يصفه المراقبون بإنه اعتراف صريح من النائب بصحة الآراء التي عارضت تعديل المادة الثانية لما يحويه من شبهات دستورية.

ويجمع المراقبون على أن المقترح الجديد لا يختلف كثيراً عن تعديل المادة الثانية، فهو بالأخير طريق يراد تعبيده لأسلمة التشريعات الصادرة من مجلس الأمة، بعد أن تأكد لنواب التيار الديني صعوبة الرد على ما أثير من شبهات حول تعديل المادة الثانية، إلا أن المراقبين يؤكدون أن المقترح المعدل لا يقل شبهات دستورية عن الآخر، بل يتجاوزه في شبهاته وخطورته على آلية التشريع في الدولة.

ويوضح المراقبون أن نص المادة الثانية من الدستور أتاح المجال للاستعانة بمصادر أخرى غير الشريعة الإسلامية للتشريع، بينما ينص مقترح تعديل المادة 79 صراحة على أن أي تشريع يجب أن يتوافق مع الشريعة، وهو ما يشكل تعارضاً دستورياً واضحاً بين نص المادتين، فأي من المادتين يستند إليها في آلية التشريع؟ ما يوفر مصادر متعددة أو ما يحكمها في التوافق مع "الشريعة"؟

ويؤكد المراقبون أن الشبهات التي تحوم حول تعديل المادة الثانية من الدستور هي ذاتها ستحوم حول المقترح الجديد، خاصة في ما يتعلق بتعريف مفهوم الشريعة الإسلامية التي يستمد منها التشريع أو يقاس عليها "التوافق" مع وجود مذاهب دينية متعددة في المجتمع الكويتي، كما أنه يدخل القوانين القائمة في متاهات دستورية تفتح أبواب الطعون على دستوريتها إذا ما ثبت تعارضها مع المادة الجديدة إذا ما تم التعديل.

ومثلما تراجعت "العدالة" عن تعديل المادة الثانية، يرى المراقبون أن أي مشروع نيابي لأسلمة القوانين من خلال تعديل دستوري لن يرى النور، لافتين إلى أن ما يقدم من اقتراحات أو تصريحات هي "إبراء للذمة" كما ذكر النائب هايف في المؤتمر الصحافي الذي أعقب تقديم مقترح تعديل المادة 79.

ويحذر المراقبون من خطورة العبث بالنصوص الدستورية بما يقتل روح التعددية المذهبية فيه، وتقديم اقتراحات بهذا الأمر استناداً إلى وجود أغلبية نيابية، مع قصور في فهم ما يترتب على مثل تلك التعديلات من تعارض دستوري أو نسف للنظام القانوني الذي تقوم عليه الدولة منذ إقرار الدستور.

الكويت ومنذ نشأتها عرفت الإسلام ديناً لها، وعُرفت كدولة احتضنت التعددية الدينية والمذهبية، وتعايش سكانها من مواطنين ومقيمين تحت مظلة دستور جامع لم يفرق بين أفراده بحسب الجنس أو الدين أو اللغة، فماذا تغير كما يرى نواب التيار الديني حتى تغير خارطة الدولة من مدنية إلى دينية؟

back to top